تأثير الإعلام على الشباب

تأثير وسائل الإعلام على الشباب

تمثل وسائل الإعلام إحدى أبرز القوى الاجتماعية والثقافية التي تؤثر على تشكيل شخصية الإنسان في العصر الحديث، وقد تعاظم هذا التأثير مع التطور التكنولوجي السريع وانتشار الوسائط الرقمية، حيث باتت وسائل الإعلام ترافق الفرد في كل لحظة من حياته، خاصة فئة الشباب التي تعد الأكثر عرضة لتأثيراتها. يتجاوز هذا التأثير الجوانب الترفيهية أو الإخبارية، ليطال السلوكيات، والقيم، والهوية، والوعي الجمعي. تتجلى خطورة هذا التأثير في واقع أن الشباب يمثلون المرحلة العمرية الأكثر قابلية للتأثر والتشكل، إذ إنهم في طور بناء مفاهيمهم الذاتية والاجتماعية والثقافية.

هذا المقال يستعرض التأثيرات المتعددة لوسائل الإعلام على الشباب من زوايا نفسية وسلوكية وثقافية وتعليمية، ويحلل طبيعة المحتوى الإعلامي المتداول، ويُبين كيف تساهم وسائل الإعلام في صياغة مفاهيم الهوية والواقع لدى الشباب، ويقدم دراسة مستفيضة مدعومة بأمثلة وتحليل علمي دقيق.

أولاً: وسائل الإعلام وتعريفها المعاصر

تطورت وسائل الإعلام عبر العقود من الصحف والمجلات إلى الإذاعة والتلفزيون، وصولاً إلى الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت أبرز قنوات الاتصال الحديثة. يمكن تصنيف وسائل الإعلام الحديثة إلى قسمين رئيسيين:

• وسائل الإعلام التقليدية: مثل التلفزيون والراديو والصحف الورقية.

• وسائل الإعلام الرقمية: وتشمل الإنترنت، والمواقع الإخبارية، ومنصات البث المرئي، ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، إنستغرام، تيك توك، ويوتيوب.

تمتاز وسائل الإعلام الرقمية بتفاعلها المباشر مع المستخدمين، وسرعة نقلها للمحتوى، وانتشارها الواسع، مما يمنحها تأثيراً عميقاً ومتسارعاً.

ثانياً: التأثيرات النفسية لوسائل الإعلام على الشباب

يتأثر الشباب نفسياً بمحتوى وسائل الإعلام بطرق مختلفة، منها الإيجابي ومنها السلبي، وقد رصدت العديد من الدراسات العلمية والبحوث الأكاديمية هذه التأثيرات كما يلي:

1. اضطرابات القلق والاكتئاب

تشير الدراسات إلى أن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي يرتبط بزيادة معدلات القلق والاكتئاب لدى الشباب، خصوصاً نتيجة المقارنة الاجتماعية المستمرة، ومتابعة حياة الآخرين المثالية التي تُعرض على هذه المنصات. يشعر العديد من الشباب بالنقص أو بعدم الكفاءة نتيجة المقارنة غير الواقعية.

2. اضطرابات صورة الجسد

تؤدي الصور والفيديوهات المنتشرة عبر وسائل الإعلام، وخاصة المنصات البصرية مثل إنستغرام وتيك توك، إلى تشويه صورة الجسد لدى العديد من الشباب، لا سيما الفتيات، إذ يطغى الترويج لأجسام مثالية غير واقعية بفعل التعديل الرقمي والفلاتر، ما يؤدي إلى اضطرابات الأكل، وانخفاض الثقة بالنفس.

3. الإدمان الرقمي

يُعد الإدمان على وسائل الإعلام الرقمية من أبرز المشكلات النفسية التي تصيب الشباب في العصر الحديث، حيث يؤثر هذا الإدمان على النوم، والانتباه، والتحصيل الدراسي، والعلاقات الاجتماعية.

ثالثاً: التأثيرات السلوكية والاجتماعية

تؤثر وسائل الإعلام على سلوكيات الشباب بشكل مباشر، سواء من خلال النماذج التي يُقدمها الإعلام أو الرسائل الضمنية التي ينقلها. يمكن تلخيص هذه التأثيرات كما يلي:

1. التقليد والمحاكاة

يميل الشباب إلى تقليد الشخصيات المؤثرة والمشهورة التي يشاهدونها في الإعلام، سواء كانت شخصيات فنية، رياضية أو مؤثرين على مواقع التواصل. هذا التقليد قد يكون إيجابياً إذا تعلق بقيم مثل الاجتهاد والنجاح، لكنه غالباً ما يكون سلبياً حينما يرتبط بالعنف، التمرد، أو أنماط الاستهلاك غير العقلاني.

2. العنف الإعلامي

أثبتت العديد من الدراسات النفسية أن مشاهدة مشاهد العنف المتكررة في الأفلام والألعاب الإلكترونية قد تضعف الحساسية تجاه العنف الحقيقي وتزيد من العدوانية لدى الشباب، كما أن بعض الحالات سجلت ارتباطاً بين مشاهد العنف الإعلامي وسلوكيات عدوانية واقعية.

3. تعزيز النزعة الاستهلاكية

تروج وسائل الإعلام لثقافة استهلاكية تقوم على اقتناء المنتجات، وربط السعادة بالشراء والامتلاك. يستهدف هذا النوع من الإعلام الشباب من خلال الإعلانات والمحتوى الترفيهي، مما يخلق لديهم رغبة دائمة في اقتناء ما يعرض عليهم حتى لو لم يكن ضرورياً.

رابعاً: التأثيرات الثقافية والهووية

تلعب وسائل الإعلام دوراً محورياً في تشكيل الهوية الثقافية لدى الشباب، ويتخذ هذا التأثير أبعاداً متعددة:

1. تغريب الثقافة

تنتشر عبر وسائل الإعلام محتويات ذات طابع غربي أحياناً تتناقض مع القيم الثقافية والمجتمعية المحلية. يؤدي هذا إلى نوع من التغريب الثقافي، حيث يتبنى بعض الشباب أنماط حياة وسلوكيات غريبة عن بيئتهم الثقافية والاجتماعية.

2. ازدواجية الهوية

ينتج عن استهلاك محتوى متنوع من بيئات ثقافية مختلفة نوع من الازدواجية لدى الشباب، إذ يعيشون بين عالمين متناقضين: عالم واقعي تقليدي وآخر افتراضي متحرر، مما يؤدي إلى اضطرابات في الهوية وانعدام الانتماء.

3. تآكل اللغة الأم

أدى الاستخدام المكثف للغات الأجنبية في الإعلام الرقمي إلى ضعف تمسك الشباب بلغتهم الأم، مما يشكل تهديداً للهوية اللغوية والثقافية.

خامساً: التأثيرات التعليمية والمعرفية

وسائل الإعلام ليست فقط أداة ترفيه، بل يمكن أن تكون وسيلة تعليمية ومعرفية إذا ما استُخدمت بطريقة صحيحة. لكنها في كثير من الأحيان تخلق تحديات تعليمية:

1. التشتت المعرفي

يؤدي التعرض المتكرر والمكثف لمحتوى سريع الزوال وسطحي إلى ضعف التركيز والتشتت الذهني، ما يؤثر سلباً على القدرة على التحصيل العلمي والتفكير النقدي.

2. المعلومات المضللة

ينتشر عبر الإعلام الرقمي كمٌّ هائل من المعلومات غير الدقيقة أو الكاذبة، ما يعرض الشباب لتضليل معرفي، خاصة في ظل غياب مهارات التحقق من المصادر وتمييز المعلومات الحقيقية.

3. فرص التعلم الذاتي

رغم السلبيات، توفر وسائل الإعلام فرصاً هائلة للتعلم الذاتي، من خلال القنوات التعليمية والمواقع العلمية والدورات المفتوحة. يمكن للشباب الاستفادة من هذه المصادر إذا تم توجيههم بشكل سليم.

سادساً: دور الإعلام في تشكيل القيم

تنقل وسائل الإعلام مجموعة من القيم قد تكون بنّاءة أو مدمرة. الشباب كفئة مرنة وسريعة التأثر يتأثرون بهذه القيم بدرجات متفاوتة. من أهم هذه القيم:

سابعاً: الإعلام والشباب في العالم العربي

يمثل الشباب غالبية سكانية في العالم العربي، ما يجعلهم هدفاً رئيسياً للمحتوى الإعلامي. لكن هذا المحتوى غالباً ما يُستورد من بيئات ثقافية مختلفة أو يُصمم بطريقة غير مسؤولة اجتماعياً.

تعاني وسائل الإعلام العربية من مشكلات في تقديم محتوى موجه بوعي للشباب، وتغيب كثيراً المضامين التوعوية والتربوية لصالح الترفيه السطحي. كما أن ضعف الإنتاج المحلي عالي الجودة يجعل الشباب أكثر عرضة للانجذاب للمحتوى الأجنبي.

ثامناً: استراتيجيات الحد من الآثار السلبية

للحد من التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام على الشباب، لا بد من تبني استراتيجية متكاملة تشمل الأسرة، والمؤسسات التعليمية، وصناع الإعلام، وتتمثل أبرز ملامح هذه الاستراتيجية في ما يلي:

• التربية الإعلامية: تعليم الشباب كيفية تحليل المحتوى الإعلامي وتقييم مصداقيته وتفكيك رسائله الضمنية.

• تعزيز الرقابة الذاتية: تنمية الوعي بأهمية إدارة الوقت والحد من الاستخدام المفرط لوسائل الإعلام.

• تشجيع الإنتاج المحلي: دعم صناعة المحتوى المحلي الذي يعكس القيم الثقافية والاجتماعية الأصيلة.

• إشراك الشباب: تمكين الشباب من أن يكونوا منتجين للمحتوى وليس فقط مستهلكين له.

• التشريعات الإعلامية: سن قوانين تنظم المحتوى الإعلامي وتحمي الفئات العمرية الحساسة.

تاسعاً: خاتمة تحليلية

لا يمكن إنكار التأثير الهائل لوسائل الإعلام على فئة الشباب، سواء في تشكيل شخصياتهم، أو توجيه سلوكياتهم، أو إعادة صياغة مفاهيمهم. تكمن خطورة هذا التأثير في طبيعته التراكمية والضمنية، حيث يتغلغل عبر التفاصيل اليومية إلى أعماق الوعي الجمعي.

تكمن مسؤولية التصدي للآثار السلبية لوسائل الإعلام في يد المجتمع بأسره، انطلاقاً من الأسرة، مروراً بالمؤسسة التعليمية والإعلامية، ووصولاً إلى السياسات الحكومية. إن توجيه الإعلام ليكون أداة بناء لا هدم، هو مفتاح رئيسي في تشكيل أجيال قادرة على التفكير المستقل والانتماء الفعلي لهويتها الثقافية.

المراجع

1. Gerbner, G., Gross, L., Morgan, M., & Signorielli, N. (2002). Growing up with television: Cultivation processes. In J. Bryant & D. Zillmann (Eds.), Media effects.

2. Rideout, V., & Robb, M. B. (2019). The Common Sense Census: Media Use by Tweens and Teens. Common Sense Media.