تأثير الإشعاع النووي على الإنسان

أثر الإشعاع النووي على الإنسان

يُعد الإشعاع النووي أحد أخطر أنواع الطاقة على صحة الإنسان، إذ يرتبط استخدامه أو تسربه في البيئة بعواقب صحية وجسدية ونفسية مدمّرة. تتعدد مصادر الإشعاع النووي بين طبيعية وصناعية، غير أن تأثيره على الكائن الحي، لا سيما الإنسان، يظل رهينًا بجرعته ونوعه وفترة التعرض له. هذا المقال يتناول بشكل موسّع تأثير الإشعاع النووي على الإنسان من الناحية البيولوجية، الصحية، الجينية، النفسية، كما يناقش آليات التأثير وأمثلة من الكوارث النووية العالمية التي ساهمت في توضيح حجم الكارثة الإشعاعية على البشر.

أولاً: ماهية الإشعاع النووي وأنواعه

الإشعاع النووي هو الطاقة التي تنبعث من أنوية الذرات غير المستقرة في شكل جسيمات أو موجات كهرومغناطيسية. يمكن تقسيم الإشعاعات إلى نوعين رئيسيين:

1. الإشعاعات المؤيِّنة: وهي الأشد خطورة، وتتضمن أشعة ألفا وبيتا وجاما والنيوترونات. تمتلك هذه الإشعاعات طاقة كافية لإزاحة الإلكترونات من الذرات، مما يؤدي إلى تدمير الخلايا أو تغيير بنيتها الوراثية.

2. الإشعاعات غير المؤيِّنة: مثل الموجات الكهرومغناطيسية التي لا تمتلك طاقة كافية للتأيين، وهي أقل ضررًا من النوع الأول.

يُعبر عن جرعة الإشعاع النووي بوحدة “السيفرت” (Sievert)، وهي مقياس لكمية الإشعاع المؤثر على الأنسجة الحية، وكلما زادت الجرعة، زادت المخاطر على الجسم.

ثانيًا: كيفية امتصاص الجسم البشري للإشعاع

عندما يتعرض الإنسان للإشعاع النووي، فإن الجسم يتفاعل بطرق متعددة اعتمادًا على نوع الإشعاع ومقدار الجرعة:

• الإشعاعات ألفا: ضعيفة الاختراق لكنها مدمّرة إذا استنشقت أو ابتلعت.

• الإشعاعات بيتا: تخترق الجلد السطحي ولكنها أيضًا خطيرة عند دخولها الجسم.

• الإشعاعات جاما: قوية جدًا وتخترق الجسم بأكمله، مسببة أضرارًا داخلية مباشرة.

آليات الامتصاص تشمل التعرّض الخارجي (عبر الجلد) أو التعرّض الداخلي (عبر الهواء أو الطعام أو الشراب الملوث)، وكل نوع من التعرّض ينتج عنه مجموعة من الآثار البيولوجية المحددة.

ثالثًا: التأثيرات الصحية قصيرة الأمد

عند التعرض لجرعات عالية من الإشعاع خلال وقت قصير، يحدث ما يُعرف بـ”متلازمة الإشعاع الحاد” (Acute Radiation Syndrome – ARS)، وتشمل أعراضها:

• غثيان وقيء خلال ساعات من التعرض.

• إسهال حاد.

• صداع شديد واضطرابات في الجهاز العصبي.

• نزيف تحت الجلد وانخفاض عدد خلايا الدم.

• حروق جلدية وتقرحات.

قد تؤدي الجرعات المرتفعة (أعلى من 4 سيفرت) إلى الوفاة في غضون أيام إلى أسابيع نتيجة الفشل المتعدد في الأعضاء.

رابعًا: التأثيرات الصحية طويلة الأمد

التعرض المزمن للإشعاع النووي حتى وإن كان بجرعات منخفضة يمكن أن يؤدي إلى:

• السرطانات: خاصة سرطان الدم (اللوكيميا)، وسرطان الغدة الدرقية، والرئة، والثدي.

• العقم: التأثير على الخلايا الجنسية لدى الرجال والنساء، مما يؤدي إلى مشاكل في الإنجاب.

• تشوهات خلقية: في حالة تعرض الأجنة في بطون الأمهات إلى الإشعاع، خاصة في الثلث الأول من الحمل.

• تليّف الأنسجة: الإشعاع يغيّر تركيب الخلايا، ويؤدي مع الزمن إلى تدمير الأنسجة.

• أمراض القلب والشرايين: الإشعاع يسبب التهابات في الأوعية الدموية وتصلب الشرايين.

خامسًا: التأثيرات الجينية والوراثية

واحدة من أخطر نتائج الإشعاع النووي هي التغيرات التي يحدثها في الحمض النووي (DNA). هذه التغيرات يمكن أن تؤدي إلى:

• الطفرات الوراثية: يمكن أن تنتقل من جيل إلى آخر، مسببة أمراضًا خلقية وتشوهات مستديمة.

• فقدان السيطرة على انقسام الخلايا: ما يؤدي إلى نمو غير طبيعي للخلايا، وهو أساس تكون الأورام.

• تدمير الخلايا الجذعية: التي تُعد الأساس في تجديد الأنسجة، مما يؤدي إلى فشل أجهزة الجسم في التجدد.

سادسًا: التأثيرات النفسية والاجتماعية

إضافة إلى الأضرار العضوية، يترك الإشعاع النووي أثرًا نفسيًا واجتماعيًا عميقًا، حيث يُصاب الأفراد الناجون من الحوادث النووية باضطرابات نفسية مثل:

• القلق المزمن بشأن الإصابة بالسرطان أو انتقال الطفرات للأبناء.

• اكتئاب ما بعد الكارثة، خاصة لدى من فقدوا ذويهم أو منازلهم.

• الوصمة الاجتماعية، إذ يُعاني بعض الناجين من نبذ مجتمعي كما حصل مع الناجين من هيروشيما وناجازاكي.

سابعًا: دراسة حالات من الكوارث النووية

كارثة هيروشيما وناجازاكي (1945)

قصفت الولايات المتحدة اليابان بقنبلتين نوويتين، أسفرتا عن مقتل ما يزيد عن 200,000 شخص بشكل مباشر. لكن الأثر الأكبر تجلى في العقود اللاحقة:

• ارتفاع نسب السرطان، خاصة بين الأطفال.

• ظهور تشوهات خلقية عند الأطفال المولودين بعد القصف.

• تدمير الجهاز العصبي والعظمي لدى المصابين بجرعات مرتفعة.

كارثة تشيرنوبيل (1986)

واحدة من أسوأ الكوارث النووية، نتج عنها تسرب إشعاعي هائل غطى أجزاء من أوروبا الشرقية. الأثر الإنساني شمل:

• تشخيص آلاف حالات سرطان الغدة الدرقية في الأطفال.

• إجلاء أكثر من 300 ألف شخص.

• تلوث بيئي مستمر في المنطقة المحيطة بالمفاعل.

حادثة فوكوشيما (2011)

تسببت زلزلة وموجة تسونامي في تسرب إشعاعي من مفاعل فوكوشيما دايتشي:

• تسجيل حالات تسمم إشعاعي بين عمال الطوارئ.

• تلوث مياه البحر المحيطة، ما تسبب في قيود غذائية صارمة.

• تصاعد القلق الشعبي حول سلامة استخدام الطاقة النووية في اليابان والعالم.

ثامنًا: آليات الوقاية من الإشعاع النووي

تعتمد الوقاية من الإشعاع النووي على عدة مستويات، سواء للفرد أو على مستوى الدولة:

الوقاية الشخصية

• الابتعاد عن مناطق الحوادث النووية.

• استخدام أقنعة وألبسة واقية في المناطق عالية الإشعاع.

• الالتزام بالإرشادات الصحية الصادرة عن الجهات المختصة.

• تناول أقراص اليود في حالات التعرض لغبار مشع يحتوي على اليود-131.

الإجراءات الحكومية والمؤسسية

• تركيب أجهزة قياس الإشعاع في المنشآت النووية.

• إنشاء مناطق حظر وسياج أمني حول المفاعلات.

• التدريب المستمر لفرق الطوارئ.

• تطوير تقنيات تبريد المفاعلات وتحصينها ضد الكوارث الطبيعية.

تاسعًا: آثار الإشعاع على الأطفال والحوامل

الأطفال أكثر حساسية للإشعاع النووي بسبب سرعة انقسام خلاياهم. تشمل الآثار ما يلي:

• أضرار في النمو العصبي.

• ضعف المناعة.

• زيادة فرص الإصابة باللوكيميا.

أما النساء الحوامل فإن تعرضهن للإشعاع، خاصة في الأشهر الأولى، قد يؤدي إلى:

• الإجهاض التلقائي.

• تشوهات الجنين.

• تأخر في نمو الدماغ والأعضاء الحيوية.

عاشرًا: مقارنة بين تأثير الإشعاع على الإنسان والكائنات الأخرى

الحادي عشر: الإشعاع في الطب وأثره الإيجابي والسلبي

على الرغم من خطر الإشعاع، إلا أن له استخدامات طبية مهمة، مثل:

• العلاج الإشعاعي للسرطان: يستخدم لتدمير الخلايا السرطانية.

• التصوير الطبي: مثل الأشعة السينية والمقطعية.

غير أن استخدام هذه الوسائل يتطلب التحكم الدقيق في الجرعات، لتفادي الأضرار المحتملة، ويجب أن يخضع لإشراف طبي صارم.

الثاني عشر: الاستنتاج العام حول خطورة الإشعاع النووي

الإشعاع النووي يشكل خطرًا بيولوجيًا وصحيًا كبيرًا على الإنسان، لا سيما في حال التعرض غير المنضبط له. ومع أن له استخدامات صناعية وعلمية وطبية نافعة، إلا أن تسربه أو إساءة استعماله قد يقود إلى كوارث بشرية يصعب حصر آثارها، ليس فقط على مستوى الفرد، بل على الأجيال اللاحقة والمجتمع ككل. إن التعامل مع الإشعاع النووي يتطلب مزيجًا من المعرفة العلمية، الإجراءات الوقائية، والإدارة السياسية الرشيدة.

المراجع:

1. Hall, E. J., & Giaccia, A. J. (2018). Radiobiology for the Radiologist. Lippincott Williams & Wilkins.

2. World Health Organization (WH