بداية الحرب العالمية الأولى

بداية الحرب العالمية الأولى: أسباب وأحداث مفصلية

بدأت الحرب العالمية الأولى في 28 يوليو 1914، وهو اليوم الذي أعلنت فيه الإمبراطورية النمساوية المجرية الحرب على مملكة صربيا، بعد حادثة اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند، وريث عرش النمسا، وزوجته صوفي. ولكن أسباب هذه الحرب كانت عميقة ومعقدة، ومبنية على خلفية من التوترات السياسية والعسكرية التي تزايدت على مدار عقود طويلة.

جذور الحرب العالمية الأولى

على الرغم من أن بداية الحرب تُنسب إلى حادثة اغتيال الأرشيدوق في سراييفو، إلا أن جذور الحرب تعود إلى العديد من العوامل المتشابكة التي تراكمت خلال العقود السابقة. من أبرز هذه العوامل:

1. التحالفات العسكرية

في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانت معظم القوى الكبرى في أوروبا قد شكلت تحالفات عسكرية لتعزيز قوتها الأمنية. كان أبرز هذه التحالفات:

• التحالف الثلاثي: الذي جمع بين الإمبراطورية الألمانية، الإمبراطورية النمساوية المجرية، وإيطاليا. وقد تم تشكيل هذا التحالف بهدف منع انتشار نفوذ القوى الكبرى الأخرى، خاصةً فرنسا وبريطانيا.

• التحالفات الثنائية: من أبرزها تحالف فرنسا مع روسيا وبريطانيا، والذي جاء ردًا على الهيمنة العسكرية الألمانية والنمساوية.

2. القومية

كانت القومية واحدة من أبرز الأسباب التي غذّت التوترات في أوروبا. تزايدت المشاعر القومية في العديد من الدول، خاصة في الإمبراطورية النمساوية المجرية والإمبراطورية العثمانية، حيث كانت الأقليات القومية تطالب بالاستقلال أو بتوسيع نفوذها. أدى هذا إلى العديد من الأزمات السياسية في البلقان، مما جعل المنطقة عرضة للصراع.

3. التنافس الاستعماري

كان التنافس الاستعماري بين القوى الأوروبية أحد الأسباب التي ساهمت في تأجيج الصراعات. كانت بريطانيا وفرنسا قد سيطرتا على معظم الأراضي في إفريقيا وآسيا، بينما كانت ألمانيا تبحث عن مناطق نفوذ جديدة لتوسيع إمبراطوريتها الاستعمارية. وكان هذا التنافس يزيد من الضغط على العلاقات بين القوى الكبرى، مما يساهم في إشعال التوترات.

4. السباق العسكري

بدأت القوى الكبرى في أوروبا بتسابق محموم لتطوير جيوشها وبحرياتها. قامت ألمانيا بتطوير أسطول ضخم من السفن الحربية، بينما كانت بريطانيا تستثمر في تعزيز قوتها البحرية. ونتيجة لذلك، نشأ نوع من “التهديد المتبادل” بين القوى، مما أدى إلى زيادة التوترات بشكل كبير.

5. الأزمات البلقانية

خلال العقد الأول من القرن العشرين، شهدت منطقة البلقان سلسلة من الأزمات التي ساهمت في تصعيد التوترات. كان البلقان مسرحًا لعدة صراعات إقليمية بين الإمبراطورية النمساوية المجرية والإمبراطورية العثمانية وروسيا. في عام 1912، نشبت الحرب البلقانية الأولى بين الإمبراطورية العثمانية والتحالف البلقاني، مما ساهم في زعزعة الاستقرار في المنطقة. وفي عام 1913، اندلعت الحرب البلقانية الثانية، التي زادت من تعقيد الوضع.

حادثة اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند

في 28 يونيو 1914، وقع حادث اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند وزوجته صوفي في مدينة سراييفو (عاصمة البوسنة والهرسك، التي كانت قد ضمتها الإمبراطورية النمساوية المجرية في 1908). قام باغتيالهما شاب صربي يُدعى غافريلو برينسيب، وكان جزءًا من مجموعة من القوميين الصرب الذين كانوا يسعون إلى تحقيق استقلال البوسنة عن الإمبراطورية النمساوية المجرية.

وكان لهذا الاغتيال تأثير ضخم، حيث اعتبرته النمسا المجر فرصة لاستئصال الخطر الذي تمثله القومية الصربية. وقد أرسلت النمسا إنذارًا إلى صربيا، مطالبًا إياها باتخاذ إجراءات صارمة ضد القوميين المتورطين في الاغتيال. ورغم أن صربيا استجابت لمعظم المطالب، إلا أن النمسا المجرية قررت إعلان الحرب على صربيا في 28 يوليو 1914.

تصاعد التوترات

بعد إعلان الحرب بين النمسا المجرية وصربيا، بدأ الحلفاء ينضمون إلى الصراع بناءً على التزاماتهم الدفاعية. في 1 أغسطس 1914، أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا، التي كانت قد أعلنت دعمها لصربيا. بعد يومين، في 3 أغسطس 1914، أعلنت ألمانيا الحرب على فرنسا، التي كانت حليفة لروسيا.

في 4 أغسطس 1914، غزت القوات الألمانية بلجيكا في طريقها إلى فرنسا، وهو ما دفع بريطانيا إلى إعلان الحرب على ألمانيا بسبب التزامها بالدفاع عن حياد بلجيكا. وهكذا، أصبحت الحرب العالمية الأولى حربًا شاملة تشمل معظم القوى الكبرى في أوروبا.

التطورات العسكرية في البداية

بدأت الحرب العالمية الأولى كحرب تقليدية مع خطط هجومية دفاعية على جبهات متعددة، ولكن مع مرور الوقت أصبحت أكثر تعقيدًا. كانت جبهة الحرب الغربية بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدور بشكل رئيسي في خنادق طويلة تمتد من بحر الشمال إلى الحدود السويسرية. بينما كانت جبهة الحرب الشرقية بين ألمانيا والنمسا من جهة وروسيا من جهة أخرى.

ومن بين أبرز الأحداث في بداية الحرب:

• معركة مارن الأولى في سبتمبر 1914، حيث تمكّن الحلفاء من وقف تقدم القوات الألمانية نحو باريس.

• معركة تيتو في أكتوبر 1914، حيث كانت القوات الألمانية تحقق نجاحًا في هزيمة القوات الروسية في الشرق.

التحول إلى حرب شاملة

مع مرور الوقت، بدأت الحرب تتحول إلى حرب استنزاف طويلة، حيث كانت القوى الكبرى تستخدم كل ما لديها من موارد بشرية وعسكرية. بدأ التحالف الثلاثي يتفكك تدريجيا، مع انضمام الدول الأخرى إلى الحرب في صفوف الحلفاء، بما في ذلك الولايات المتحدة في عام 1917. كانت الولايات المتحدة قد ظلت محايدة في بداية الحرب، ولكنها انضمت في نهاية المطاف بعد سلسلة من الهجمات على سفنها التجارية من قبل غواصات ألمانية، بالإضافة إلى المظالم الأخرى مثل مذكرات “زيلمان” التي اكتشفت.

ومع دخول الولايات المتحدة إلى جانب الحلفاء، بدأت الأمور تتغير بشكل كبير لصالحهم. وزادت الموارد الأمريكية من الأسلحة والتمويل الذي دعم الجبهة الغربية، مما ساعد الحلفاء في الفوز في معركة “التان”، ثم إلى سلسلة من الهجمات الناجحة التي أدت إلى هزيمة الألمان في أواخر عام 1918.

نهاية الحرب

في 11 نوفمبر 1918، تم توقيع هدنة بين ألمانيا والحلفاء، مما أنهى الحرب بشكل فعلي. كان هذا اليوم بمثابة نهاية للصراع الكبير، ولكن كانت النتائج السياسية والعسكرية لهذه الحرب كبيرة ومعقدة. في وقت لاحق، تم توقيع معاهدة فرساي في 28 يونيو 1919، التي فرضت شروطًا قاسية على ألمانيا وأدت إلى تغييرات كبيرة في الجغرافيا السياسية لأوروبا والعالم.

لقد كانت الحرب العالمية الأولى، بما شهدته من دمار واسع النطاق وأعداد ضخمة من القتلى، نقطة تحوّل في تاريخ البشرية. ومع أن الحرب قد انتهت، إلا أن آثارها لا تزال تلقي بظلالها على العالم في القرن العشرين.