بدء صيام العشر من ذي الحجة

عنوان المقال: بدء صيام عشر ذي الحجة

تُعد العشر الأوائل من شهر ذي الحجة من أعظم الأيام عند الله عز وجل، وقد خصها سبحانه وتعالى بمزيد من الفضل والبركة، وجعل العمل فيها أحبّ إليه من سائر الأيام، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيام العشر”، قالوا: يا رسولَ اللهِ، ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ قال: “ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ، إلا رجلٌ خرج بنفسِه ومالِه، فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ” [رواه البخاري]. ومن أعظم العبادات التي يُستحبّ فيها الاجتهاد خلال هذه الأيام: الصيام، لما له من منزلةٍ رفيعة وتأثيرٍ روحي عميق، ولما ورد من آثارٍ تدل على فضله في هذه الأيام المباركة.

التوقيت الفلكي لبداية صيام عشر ذي الحجة

شهر ذي الحجة هو الشهر الثاني عشر من أشهر السنة القمرية (الهجرية)، ويُعرف بأنه الشهر الذي يؤدي فيه المسلمون شعيرة الحج، ويقع فيه يوم عرفة (اليوم التاسع) وعيد الأضحى (اليوم العاشر). يبدأ صيام العشر من ذي الحجة من أول يوم من هذا الشهر الهجري، أي من اليوم الأول من شهر ذي الحجة وحتى اليوم التاسع منه، ويُستثنى اليوم العاشر الذي هو يوم النحر، إذ يُحرَّم فيه الصيام.

ويُحدد دخول شهر ذي الحجة برؤية الهلال، كما هو المعتمد في التقويم الهجري القمري. وتقوم الدول الإسلامية برصد الهلال في نهاية شهر ذو القعدة، فإذا رُئي الهلال بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من ذي القعدة، يكون اليوم التالي هو اليوم الأول من ذي الحجة، وبذلك يبدأ الصيام من ذلك اليوم.

وفي الغالب، يتم الإعلان عن بداية شهر ذي الحجة من قبل الهيئات الشرعية الرسمية في كل دولة، بناءً على الرؤية الشرعية للهلال أو حسب الحسابات الفلكية المعتمدة في بعض الدول.

الحكمة من صيام عشر ذي الحجة

الصيام عبادة عظيمة شرعها الله للمسلمين في مواسم الطاعات، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم هذه الأيام، وخصوصًا يوم عرفة. وقد اجتمع في عشر ذي الحجة من الفضل ما لم يجتمع في غيرها، إذ هي:

• أيام اجتمع فيها أمهات العبادات: الصلاة، الصيام، الصدقة، الحج، والتكبير.

• ورد في فضلها حديث النبي صلى الله عليه وسلم المشار إليه أعلاه، وهو دليل واضح على عظمة هذه الأيام.

• تميز يوم عرفة منها بمغفرة الذنوب وبأنه يوم تُعتق فيه الرقاب من النار.

ويُعد الصيام من أفضل القربات، لأن الله خصه لنفسه كما جاء في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به” [رواه البخاري ومسلم]. ولهذا كان الصيام في عشر ذي الحجة من السنن المستحبة التي ينبغي للمسلم الحرص عليها.

صيام التسع من ذي الحجة.. وليس العشر

رغم أن التسمية الشائعة “صيام عشر ذي الحجة” إلا أن الصيام في الحقيقة يشمل التسعة أيام الأولى فقط، لأن اليوم العاشر هو يوم العيد، ولا يجوز فيه الصيام، بل هو يوم أكل وشرب وذِكر لله تعالى، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “يوم الفطر ويوم النحر عيدان لنا أهل الإسلام، وهما يوم أكل وشرب” [رواه أبو داود].

وبذلك يكون الصيام مشروعًا من اليوم الأول إلى التاسع من ذي الحجة، مع التأكيد على أهمية صيام يوم عرفة لما له من فضلٍ خاص، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” [رواه مسلم].

مشروعية صيام هذه الأيام من السنة النبوية

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على حرصه على الصيام في هذه الأيام المباركة. فعن حفصة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، وأول اثنين من الشهر وخميسين” [رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني].

وقد خالف بعض العلماء في صحة هذا الحديث، لكن عموم الأدلة الأخرى من فضل هذه الأيام والعبادات المستحبة فيها تؤكد استحباب الصيام فيها، خاصة أن الصيام من أعظم القربات، ووقوعه في هذه الأيام المباركة يزيد من عِظم الأجر والثواب.

جدول تفصيلي لصيام عشر ذي الحجة

الآثار النفسية والروحية لصيام عشر ذي الحجة

الصيام في هذه الأيام لا يقتصر أثره على الجانب التعبدي فقط، بل يمتد إلى تهذيب النفس والروح، ومضاعفة الشعور بالسكينة والقرب من الله تعالى. ومن أبرز هذه الآثار:

1. تجديد النية والإخلاص: فالصائم في هذه الأيام المباركة يستحضر الإخلاص لله وحده، خاصةً مع ندرة صيام هذا الموسم عند كثير من الناس، مما يجعله عملًا خالصًا.

2. التهيئة ليوم عرفة وعيد الأضحى: الصيام بمثابة استعداد نفسي وروحي لاستقبال أعظم يومين في العام.

3. التحرر من الشهوات: الصيام يُضعف النفس الأمّارة بالسوء، ويزيد من قدرة الإنسان على السيطرة على رغباته.

4. زيادة الصبر والرضا: وهي من أهم ثمار الصيام، حيث يُعلّم الصبر على الجوع والعطش والطاعات.

صيام يوم عرفة لغير الحاج

يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو من أعظم الأيام عند الله تعالى، ويُستحبّ صيامه لغير الحاج، لأنه يكفر ذنوب سنة مضت وسنة قادمة كما ثبت في الحديث. أما الحاج فلا يُستحب له صيامه، لأنه يحتاج إلى القوة والراحة لأداء الوقوف بعرفة والدعاء فيه.

التنويع في العبادات خلال العشر

رغم أن الصيام عبادة عظيمة، إلا أن الأيام العشر من ذي الحجة تمثل فرصة ذهبية للتقرب إلى الله بمجموعة متنوعة من العبادات، أبرزها:

• الذكر والتكبير: وقد ورد عن ابن عمر وأبي هريرة أنهما كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.

• الصدقة: مضاعفة الأجر فيها لا يُضاهى.

• صلاة النافلة وقيام الليل.

• صلاة الضحى، التي ثبت عن النبي المواظبة عليها.

• قراءة القرآن، وتخصيص وقت لختمه في هذه الأيام المباركة.

مكانة العشر من ذي الحجة في فقه العلماء

اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة على استحباب العمل الصالح في هذه الأيام، وخصّوا الصيام بالذكر بين العبادات المستحبة. وتنوعت أقوالهم في ترتيب الأعمال التي يُستحب فعلها، إلا أنهم أجمعوا على عظمة هذا الموسم وأهمية اغتنامه.

وقد نقل الإمام النووي أن “صيام هذه الأيام مستحب استحبابًا شديدًا”، وقال ابن حجر في “فتح الباري”: “والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لاجتماع أمهات العبادات فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره”.

المصادر والمراجع

1. صحيح البخاري، حديث فضل العشر.

2. مسلم، كتاب الصيام، باب فضل صيام يوم عرفة.