اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة

تاريخ اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة

تُعد قضية العنف ضد المرأة من القضايا الإنسانية التي لا يمكن إغفالها أو تجاهلها، لما لها من تأثيرات سلبية على صحة المرأة النفسية والجسدية والاجتماعية، ولما يترتب عليها من نتائج كارثية على المستوى الشخصي والعائلي والمجتمعي. ولذلك، كان من الضروري أن تلتفت الأمم المتحدة والعالم أجمع إلى هذه القضية وتكريس يوم عالمي للحد من هذا النوع من العنف، ليُصبح 25 نوفمبر من كل عام “اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة”. هذا اليوم الذي يُعد من أبرز الفعاليات التي تساهم في زيادة الوعي، وتحفيز الحكومات، والمنظمات، والمجتمع المدني للتصدي لهذا العنف بكل أشكاله.

أسباب اختيار 25 نوفمبر لهذا اليوم العالمي

تاريخ اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة يعود إلى عام 1960، حيث وقع في هذا اليوم حادث مؤلم في جمهورية الدومينيكان. ففي ذلك اليوم، قامت السلطات الدومينيكانية بنفي وقتل ثلاث شقيقات معروفات باسم “شقيقات ميرابال” (Las Hermanas Mirabal)، وهن: باتريسيا، ماريا، وديدا. كانت هؤلاء الشقيقات ناشطات سياسيين قاومن حكم الديكتاتور “رافائيل تروخيلو”، وعُرفن بمقاومتهن لهذا النظام القمعي. وكانوا قد أُدينوا من قبل النظام بسبب معارضتهن للحكومة، حيث تعرضن للاعتقال والتعذيب، وفي النهاية قُتلن بشكل وحشي.

وقد تركت هذه الحادثة أثراً عميقاً في المجتمع الدومينيكاني، وكذلك على مستوى العالم. وفي عام 1981، خلال مؤتمر للمنظمات النسائية في بوانت أوينت (مدينة في جمهورية الدومينيكان)، تم الاتفاق على اختيار يوم 25 نوفمبر ليكون يوماً عالمياً للتضامن مع النساء ضد العنف. هذا اليوم أصبح يرمز إلى المقاومة والنضال ضد أي شكل من أشكال العنف ضد النساء، سواء كان جسدياً أو نفسياً أو اقتصادياً أو جنسياً.

الهدف من اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة

الهدف الرئيسي من تخصيص هذا اليوم هو زيادة الوعي المجتمعي حول مختلف أشكال العنف التي تتعرض لها النساء والفتيات في مختلف أنحاء العالم. ولكن لا يقتصر هذا اليوم على إظهار حقيقة وجود العنف ضد المرأة فقط، بل يتعدى ذلك إلى تحفيز الحكومات والمجتمعات للعمل على اتخاذ خطوات ملموسة نحو القضاء على هذه الظاهرة. في العديد من البلدان، يركز هذا اليوم على:

• التوعية والتمكين: تهدف الأنشطة المصاحبة لهذا اليوم إلى تزويد النساء بالمعرفة حول حقوقهن وحمايتهن من العنف، مع توفير الدعم النفسي والاجتماعي لهن.

• التغيير التشريعي: يحث اليوم العالمي على تعديل وتحديث القوانين لحماية النساء من العنف، وتوفير بيئة قانونية تسهل معاقبة الجناة وحماية الضحايا.

• دعم الناجيات: يُعتبر هذا اليوم فرصة لتسليط الضوء على قصص الناجيات من العنف وتعزيز الدعم لهن من خلال توفير الموارد اللازمة لدعمهن في مسار التعافي والشفاء.

• تحفيز الفعل الجماعي: يشجع اليوم على تضافر الجهود بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني لإيجاد حلول عملية للتعامل مع مشكلة العنف ضد النساء.

أشكال العنف ضد المرأة

يتخذ العنف ضد المرأة أشكالاً متعددة، بدءاً من العنف الجسدي، وصولاً إلى العنف النفسي والجنسي، ولا يقتصر على العنف الذي يحدث في المنزل فقط، بل يشمل جميع الأماكن التي تتواجد فيها النساء. ومن أهم أشكال العنف ضد المرأة:

1. العنف الجسدي: يشمل الضرب، واللكم، والخنق، وكل أشكال العنف الذي يتسبب في أضرار جسدية مباشرة على المرأة. يعد العنف الجسدي من أكثر أنواع العنف شيوعاً وتسبباً في إصابات جسدية خطيرة قد تستمر لعمر طويل.

2. العنف النفسي والعاطفي: يتضمن الإهانات، التهديدات، السيطرة على حياة المرأة، محاولة تحطيم ثقتها بنفسها. يمكن أن يكون هذا النوع من العنف غير مرئي، ولكنه يترك أثراً عميقاً في النفس يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب والقلق.

3. العنف الجنسي: يشمل الاغتصاب، التحرش الجنسي، الاستغلال الجنسي، والزواج القسري. ويعد هذا النوع من العنف من أخطر الأشكال التي تهدد حياة المرأة وكرامتها.

4. العنف الاقتصادي: يتضمن السيطرة على الموارد المالية للمرأة، أو منعها من العمل، أو حرمانها من دخلها الخاص. هذا النوع من العنف يقيد استقلال المرأة الاقتصادي ويضعها في وضعية تعتمد على الجاني.

5. العنف الثقافي والاجتماعي: قد يكون هذا العنف في بعض الأحيان غير ملموس ولكنه يُمارس من خلال موروثات ثقافية، وتقاليد اجتماعية، تشجع على اضطهاد النساء أو تهميشهن.

الآثار السلبية للعنف ضد المرأة

تترتب على العنف ضد المرأة العديد من الآثار السلبية على المستوى الشخصي والاجتماعي. فبالإضافة إلى الأضرار الجسدية، يؤدي العنف إلى تدمير العلاقات الأسرية والاجتماعية، ويُحدث خللاً في بيئة المجتمع. وفيما يلي بعض الآثار السلبية الناتجة عن العنف ضد المرأة:

• الصحة الجسدية والنفسية: العنف يسبب العديد من المشاكل الصحية للمرأة مثل الإعاقات الجسدية، الألم المزمن، الأمراض العقلية مثل الاكتئاب، القلق، واضطرابات ما بعد الصدمة.

• التأثير على الأسرة: يمكن أن يكون العنف ضد المرأة له تأثير مدمر على الأطفال والعائلة ككل، حيث ينشأ الأطفال في بيئات غير صحية تساهم في تطوير مشاعر الخوف وعدم الاستقرار.

• المشاكل الاقتصادية: يعاني الكثير من النساء من العواقب الاقتصادية للعنف، حيث يُحرم العديد منهن من حقوقهن في العمل والمشاركة الاقتصادية، مما يساهم في تعزيز دائرة الفقر.

• العواقب الاجتماعية: العنف ضد المرأة يساهم في تقوية المفاهيم الخاطئة حول دور المرأة في المجتمع ويعزز الصور النمطية السلبية التي تحد من فرص تطور النساء في العديد من المجالات.

التقدم المحرز والتحديات المستمرة

بالرغم من الجهود الكبيرة التي بُذلت على مر السنين للقضاء على العنف ضد المرأة، إلا أن هذه المشكلة ما زالت قائمة وتحتاج إلى عمل مستمر على جميع المستويات. حققت العديد من الدول تقدماً ملحوظاً في تعزيز حقوق المرأة وتشديد العقوبات ضد المعتدين، ولكن لا تزال هناك تحديات كبيرة، منها:

1. التحديات الثقافية والدينية: في بعض المجتمعات، لا يُنظر إلى العنف ضد المرأة على أنه جريمة، بل يُعتبر أمرًا طبيعياً، وهو ما يتطلب تغييرات جذرية في العقليات والمفاهيم الثقافية.

2. التمويل والموارد: بالرغم من الاهتمام العالمي، فإن هناك نقصاً كبيراً في الموارد المخصصة لحماية النساء من العنف، سواء كانت تلك الموارد القانونية، الصحية أو الاجتماعية.

3. التمييز والقوانين الغير فعّالة: في بعض البلدان، تُعتبر بعض القوانين غير كافية أو لا تطبق بشكل صارم، مما يجعل النساء غير محميات بما يكفي من الاعتداءات.

الجهود الدولية لمحاربة العنف ضد المرأة

تتعدد المبادرات الدولية التي أُطلقت لمكافحة العنف ضد المرأة، ومن أبرز هذه الجهود:

1. الأمم المتحدة: تُعد الأمم المتحدة من أكبر الداعمين للقضية من خلال برامجها المختلفة مثل “هيئة الأمم المتحدة للمرأة” (UN Women)، والتي تسعى إلى تقليص العنف ضد النساء من خلال مشاريع قانونية ومبادرات تعليمية.

2. منظمة الصحة العالمية: تبذل جهوداً هائلة في توعية المجتمع الطبي حول التأثيرات الصحية للعنف ضد النساء، إضافة إلى تطوير برامج لدعم الضحايا.

3. منظمات غير حكومية: تلعب المنظمات غير الحكومية دوراً مهماً في تقديم الدعم الاجتماعي والنفسي، وتحسين الوصول إلى العدالة للنساء المعنفات.

خاتمة

يظل اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة تذكيراً مستمراً للمجتمع الدولي بضرورة اتخاذ المزيد من الخطوات الفعّالة للقضاء على هذه الظاهرة. ورغم التحديات التي ما زالت قائمة، فإن الوعي المتزايد والمبادرات المشتركة من قبل الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني يساهم في خلق بيئة أكثر أماناً ودعماً للنساء في جميع أنحاء العالم.