يُحتفل العالم في 8 يونيو من كل عام بـ “اليوم العالمي للمحيطات”، وهو يوم مخصص لزيادة الوعي حول أهمية المحيطات في دعم الحياة على كوكب الأرض. يهدف هذا اليوم إلى تسليط الضوء على أهمية حماية المحيطات وتوعية الأفراد والمجتمعات الدولية بالحاجة إلى اتخاذ إجراءات فعّالة للحفاظ على هذا المصدر الحيوي. يُعتبر المحيط ركيزة أساسية في النظام البيئي العالمي، ويلعب دورًا محوريًا في استقرار المناخ، وتأمين الغذاء، وتوفير فرص عمل لملايين البشر حول العالم. وعلى الرغم من هذه الأهمية الجليّة، فإن المحيطات تواجه العديد من التحديات المهددة لاستدامتها، مثل التلوث، وارتفاع درجات حرارة المياه، والصيد الجائر.
بداية اليوم العالمي للمحيطات
تاريخ اليوم العالمي للمحيطات يعود إلى عام 1992، عندما تمت الدعوة إلى إنشاء هذا اليوم خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية الذي عُقد في ريو دي جانيرو بالبرازيل. وكانت هذه المناسبة تمثل نقطة انطلاق لجعل قضايا المحيطات ضمن الأولويات البيئية العالمية. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم مناسبة دولية يتم الاحتفال بها في مختلف أنحاء العالم بمشاركة منظمات بيئية، حكومات، مجتمعات محلية، وأفراد. وقد تم اختيار 8 يونيو لأن هذا هو اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان “محافظة المحيطات وتنميتها المستدامة”.
أهمية المحيطات في الحياة على الأرض
المحيطات تشكل حوالي 70% من سطح كوكب الأرض، وهي بمثابة نظام بيئي غني ومعقد يدعم حياة لا حصر لها من الكائنات البحرية. لكن أهميتها لا تقتصر على كونها موطنًا للعديد من الكائنات الحية فقط، بل إنها تلعب دورًا أساسيًا في العديد من العمليات البيئية التي تضمن استدامة الحياة على كوكب الأرض. من أبرز هذه الأدوار:
-
تنظيم المناخ: المحيطات تعد من أكبر العوامل المؤثرة في مناخ كوكب الأرض، حيث تخزن كميات ضخمة من الحرارة والغازات مثل ثاني أكسيد الكربون. تمتص المحيطات حوالي 30% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يطلقها البشر، مما يساهم في تقليل تأثير تغير المناخ.
-
إنتاج الأوكسجين: تمثل المحيطات مصدرًا رئيسيًا للأوكسجين الذي نتنفسه. تعيش العديد من الكائنات البحرية، مثل الطحالب الدقيقة التي تُسمى fitoplâncton، في المحيطات وتقوم بعملية التمثيل الضوئي، مما يساهم في إنتاج 50% من الأوكسجين الذي يذهب مباشرة إلى الغلاف الجوي.
-
الموارد الغذائية: تُعتبر المحيطات مصدرًا رئيسيًا للغذاء، حيث توفر الأسماك والمأكولات البحرية لعشرات الملايين من الأشخاص حول العالم. يُقدّر أن أكثر من 3 مليار شخص يعتمدون على الأسماك كمصدر رئيسي للبروتين.
-
دعم التنوع البيولوجي: المحيطات تحتوي على تنوع بيولوجي هائل يشمل أنواعًا لا حصر لها من الأسماك، والحيتان، والشعاب المرجانية، والكائنات الدقيقة. هذا التنوع البيولوجي يعد أساسًا لصحة النظام البيئي ومرونته في مواجهة التغيرات البيئية.
-
الاقتصاد البحري: يلعب الاقتصاد البحري دورًا مهمًا في حياة ملايين البشر. يشمل ذلك صناعة الصيد، والشحن البحري، والسياحة البحرية، والتنقيب عن الموارد الطبيعية. هذه الصناعات توفر ملايين الوظائف في البلدان الساحلية.
التحديات التي تواجه المحيطات
على الرغم من الأهمية البالغة للمحيطات، فإنها تواجه العديد من التحديات الخطيرة التي تهدد استدامتها. من أبرز هذه التحديات:
-
التلوث البحري: التلوث من الأسباب الرئيسية التي تؤثر سلبًا على صحة المحيطات. يشمل هذا التلوث المواد البلاستيكية، والنفايات الكيميائية، والمخلفات النفطية، والمبيدات الحشرية. يؤثر التلوث البلاستيكي على حياة الكائنات البحرية التي تبتلع هذه المواد عن طريق الخطأ أو تتشابك فيها. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، هناك حوالي 8 ملايين طن من البلاستيك تدخل المحيطات كل عام.
-
تغير المناخ: يعد الاحترار العالمي من أكبر التهديدات التي تواجه المحيطات. إذ يؤدي ارتفاع درجات حرارة المياه إلى تدمير الشعاب المرجانية، وهو ما يُعرف بالظاهرة المعروفة باسم “اصفرار الشعاب المرجانية”. كما أن التغيرات في درجة حرارة المياه تؤثر على تكاثر العديد من الكائنات البحرية وأنماط هجرتها.
-
الصيد الجائر: يعتبر الصيد الجائر أحد أبرز المشاكل التي تهدد حياة المحيطات. يتم اصطفاء الأنواع البحرية بشكل مفرط، ما يؤدي إلى تقليص أعداد الأسماك والكائنات البحرية الأخرى. يتسبب هذا الصيد غير المستدام في اختلال التوازن البيئي، مما يعرض العديد من الأنواع البحرية لخطر الانقراض.
-
حموضة المحيطات: بسبب امتصاص المحيطات لثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، أصبح الماء البحري أكثر حموضة. وقد يؤدي هذا إلى تأثيرات ضارة على الكائنات البحرية، مثل الشعاب المرجانية والمحار، التي تتأثر بشكل كبير بالتحولات في مستوى الأس الهيدروجيني للمياه.
كيف يمكننا حماية المحيطات؟
مع ازدياد التحديات التي تواجه المحيطات، أصبح من الضروري اتخاذ خطوات فعّالة لحمايتها وضمان استدامتها. يمكن لكل فرد، منظمة، وحكومة أن تلعب دورًا في حماية المحيطات من خلال الإجراءات التالية:
-
التقليل من التلوث البلاستيكي: يُعد تقليل استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام خطوة مهمة في الحد من التلوث البحري. يمكن ذلك من خلال استخدام بدائل صديقة للبيئة، مثل المواد القابلة للتحلل، وزيادة الوعي حول أهمية إعادة التدوير.
-
مكافحة الصيد الجائر: من الضروري تنفيذ قوانين دولية أكثر صرامة لتنظيم الصيد البحري، مثل فرض حصص للصيد، وضمان أن يتم الصيد باستخدام طرق مستدامة تحافظ على التنوع البيولوجي في المحيطات.
-
الحد من انبعاثات الكربون: لأن المحيطات تعد عاملاً أساسيًا في امتصاص ثاني أكسيد الكربون، فإن تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة يعد خطوة حيوية للحفاظ على صحة المحيطات. يمكن تحقيق ذلك من خلال التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
-
إنشاء محميات بحرية: تعتبر المحميات البحرية مناطق محمية حيث يُمنع الصيد غير المستدام والتلوث. يمكن أن تساعد هذه المحميات في استعادة التنوع البيولوجي والحفاظ على النظم البيئية البحرية.
-
زيادة الوعي والتعليم: إن الوعي العام بقضايا المحيطات هو عنصر أساسي للحفاظ عليها. يجب تعزيز التعليم البيئي على جميع المستويات، من المدارس إلى وسائل الإعلام، لتشجيع الأفراد على اتخاذ قرارات مستدامة في حياتهم اليومية.
الاحتفال باليوم العالمي للمحيطات
يُعد اليوم العالمي للمحيطات فرصة لالتقاء الحكومات والمنظمات البيئية والمجتمعات المحلية لرفع الوعي بشأن قضايا المحيطات. يُقام في هذا اليوم العديد من الفعاليات مثل المؤتمرات وورش العمل والمعارض التي تهدف إلى زيادة المعرفة حول كيفية حماية المحيطات. تشمل الأنشطة الأخرى حملات للتنظيف البحري، وتنظيم رحلات استكشافية بحرية، وعروض توعية حول تأثير التلوث البحري على الحياة البحرية. علاوة على ذلك، يتم إطلاق العديد من المبادرات العالمية التي تهدف إلى تحسين حالة المحيطات.
من خلال الاحتفال بهذا اليوم، يتم توجيه رسالة قوية إلى العالم بأن المحيطات بحاجة إلى العناية والاهتمام، وأننا جميعًا مسؤولون عن الحفاظ على هذه الموارد الطبيعية الثمينة.
