يُعد اليوم العالمي للعمل التطوعي مناسبة سنوية عالمية تحتفي بها الأمم المتحدة والمجتمعات المدنية حول العالم في الخامس من ديسمبر من كل عام، وهو فرصة لإبراز أهمية العمل التطوعي وتعزيز قيم التضامن والمسؤولية المجتمعية. لا تقتصر هذه المناسبة على التقدير الرمزي للمتطوعين وجهودهم، بل تهدف إلى ترسيخ ثقافة التطوع كقيمة إنسانية سامية تؤدي إلى التنمية المستدامة، وتمكين الأفراد من المشاركة الفاعلة في تحسين حياة الآخرين، وبناء مجتمعات أكثر تماسكاً وإنصافاً.
نشأة اليوم العالمي للعمل التطوعي
بدأ الاحتفال بهذا اليوم لأول مرة في عام 1985 بعد إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 40/212، الذي دعت فيه الدول الأعضاء إلى الاحتفاء بالمتطوعين وتشجيع الأفراد والمنظمات على تقديم خدماتهم دون مقابل من أجل خدمة قضايا اجتماعية وإنسانية وتنموية. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم محطة سنوية للاعتراف بدور المتطوعين في مواجهة التحديات الاجتماعية والبيئية، ولتعزيز الشراكات بين مختلف القطاعات من أجل رفاهية المجتمعات.
أهمية العمل التطوعي في تنمية المجتمعات
يلعب العمل التطوعي دوراً محورياً في النهوض بالمجتمعات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، إذ يساهم في تقليص الفجوات الاجتماعية، وتحقيق العدالة، وتحسين جودة الحياة. كما يُعزز من روح التعاون والتكافل، ويفتح آفاقاً جديدة للمشاركة الشعبية في عمليات التنمية.
إن الأفراد الذين يشاركون في العمل التطوعي يكتسبون مهارات حياتية ومهنية مهمة مثل القيادة، والتنظيم، والعمل الجماعي، والتواصل، وهو ما ينعكس إيجاباً على فرصهم في سوق العمل. في المقابل، تستفيد المؤسسات المجتمعية والحكومية من طاقات المتطوعين في تنفيذ مشاريعها وتوسيع نطاق خدماتها دون أعباء مالية إضافية.
أشكال العمل التطوعي
العمل التطوعي لا يقتصر على شكل أو مجال محدد، بل هو نشاط واسع يمكن أن يتخذ صوراً متعددة، منها:
-
التطوع الاجتماعي: ويشمل تقديم المساعدة للأسر الفقيرة، أو رعاية الأيتام وكبار السن.
-
التطوع الصحي: مثل المشاركة في حملات التبرع بالدم أو نشر الوعي الصحي.
-
التطوع البيئي: ويشمل حماية البيئة، وتنظيف الأماكن العامة، وغرس الأشجار.
-
التطوع الثقافي والتعليمي: من خلال محو الأمية، أو تقديم دروس دعم لطلبة المدارس.
-
التطوع الرقمي: وهو شكل حديث يتم من خلاله تقديم المساعدة عن بُعد مثل تصميم الحملات التوعوية أو إدارة المحتوى الرقمي.
دور المؤسسات والمنظمات في دعم العمل التطوعي
تلعب المؤسسات الحكومية والمدنية دوراً محورياً في دعم وتعزيز العمل التطوعي من خلال:
-
سن التشريعات والسياسات التي تنظم وتحمي حقوق المتطوعين.
-
إنشاء مراكز تطوع وطنية تسهل التسجيل والتدريب والربط بين المتطوعين والجهات المحتاجة.
-
إطلاق حملات إعلامية لتشجيع ثقافة التطوع لدى مختلف شرائح المجتمع.
-
توفير الحوافز المعنوية والتقدير الرسمي لجهود المتطوعين.
العمل التطوعي وأهداف التنمية المستدامة
يتكامل العمل التطوعي بشكل مباشر مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs)، ويعد وسيلة فعالة لتنفيذها، حيث يساعد في:
-
القضاء على الفقر: من خلال برامج الدعم المجتمعي والاقتصادي.
-
تحقيق التعليم الجيد: عبر المساهمة في محو الأمية ودعم التعليم.
-
تعزيز المساواة بين الجنسين: بتشجيع مشاركة النساء في العمل التطوعي والمجتمعي.
-
تحقيق الصحة الجيدة: عن طريق حملات التوعية الصحية والتطبيب التطوعي.
-
المحافظة على البيئة: من خلال الأنشطة البيئية مثل إعادة التدوير والتشجير.
التطوع في العالم العربي
تشهد المجتمعات العربية تطوراً متزايداً في ثقافة التطوع، إذ برزت في السنوات الأخيرة مبادرات تطوعية شبابية واجتماعية متميزة، لا سيما في ظل الأزمات والكوارث الإنسانية، مثل جائحة كوفيد-19، التي كشفت عن استعداد فئات واسعة من الشباب للتضحية بوقتهم وجهدهم في سبيل مساعدة الآخرين.
ومع ذلك، لا يزال هناك تحديات تواجه العمل التطوعي في العالم العربي مثل غياب البنية التنظيمية الموحدة، ونقص التمويل، وضعف التقدير المجتمعي، مما يستدعي تطوير أطر تشريعية وتعليمية لتعزيز العمل التطوعي ضمن السياسات الوطنية.
تحديات العمل التطوعي
رغم الفوائد الجمة التي يجنيها الأفراد والمجتمعات من العمل التطوعي، إلا أن هناك عدداً من التحديات التي تعيق نموه وانتشاره، منها:
-
نقص الوعي بثقافة التطوع في بعض المجتمعات.
-
ضعف التنسيق بين الجهات المستفيدة والمتطوعين.
-
عدم وجود آليات واضحة لتسجيل وتوثيق العمل التطوعي.
-
غياب الحوافز أو التشجيع الرسمي في بعض الدول.
إحصائيات حول العمل التطوعي عالميًا
يُشير تقرير “برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين” إلى أن:
| المجال | عدد المتطوعين حول العالم | النسبة المئوية من السكان |
|---|---|---|
| التطوع المجتمعي | أكثر من 850 مليون شخص | 11% تقريبًا |
| التطوع عبر الإنترنت | أكثر من 80 مليون شخص | 1% تقريبًا |
| العمل التطوعي غير الرسمي (العائلة، الجيران) | الأغلبية الساحقة | ~70% من جميع الأنشطة |
هذه الأرقام تُظهر بوضوح حجم الأثر الذي يحدثه المتطوعون في العالم، ودورهم غير المسبوق في مواجهة التحديات الكبرى مثل الفقر، التغير المناخي، والنزاعات.
أهمية الاحتفال باليوم العالمي للتطوع
يمثل اليوم العالمي للتطوع مناسبة لإعادة تقييم الجهود المبذولة في هذا المجال، ولفتح الحوار بين الحكومات والمجتمع المدني حول سبل دعم المتطوعين وتوفير بيئة حاضنة لنمو مساهماتهم. كما أنه يسلّط الضوء على قصص النجاح التي حققها الأفراد والمنظمات بفضل العمل التطوعي، ما يشكل مصدر إلهام للآخرين.
توصيات لتعزيز ثقافة التطوع
-
دمج مفاهيم العمل التطوعي في المناهج التعليمية.
-
توفير منصات إلكترونية تُسهل الانخراط في فرص التطوع.
-
تحفيز القطاع الخاص على تبني مبادرات تطوعية ضمن مسؤولياته المجتمعية.
-
إنشاء سجلات رسمية توثق جهود المتطوعين وتمنحهم شهادات تقدير.
-
تشجيع البحث العلمي حول أثر التطوع على التنمية المجتمعية.
خاتمة
العمل التطوعي ليس فقط وسيلة لمساعدة الآخرين، بل هو أسلوب حياة ينبثق من روح العطاء والمسؤولية الإنسانية. وفي اليوم العالمي للعمل التطوعي، ينبغي أن نتأمل في عمق هذا المفهوم، ونسعى لتكريسه كممارسة مستدامة تعزز من تماسك المجتمعات وتدفع عجلة التنمية إلى الأمام. فكل ساعة تطوع هي بذرة تغيير تُثمر في قلوب الناس وفي مستقبل الأجيال القادمة.
المراجع
-
United Nations Volunteers (UNV) Programme – https://www.unv.org
-
تقرير الأمم المتحدة حول العمل التطوعي 2022
-
مجلة العمل الإنساني والتنمية، عدد ديسمبر 2023
-
المنتدى العربي للعمل التطوعي – تقارير ومبادرات وطنية
