الهوس بالسمرة يسبب إصابات بسرطان الجلد

يُعتبر الهوس بالسمرة أو التسمير من الظواهر السائدة في المجتمعات الحديثة، حيث يحرص الكثيرون على الحصول على لون بشرة برونزي أو داكن يعكس صورة صحية وشبابية. ومع تزايد شعبية مراكز التسمير الاصطناعي والتعرض المكثف لأشعة الشمس بهدف الحصول على مظهر السمرة، باتت مشكلة سرطان الجلد الناتج عن هذا السلوك الصحي مصدر قلق متزايد في الأوساط الطبية والصحية حول العالم.

التسمير وأسبابه

التسمير هو تغير لون الجلد إلى اللون الداكن أو البرونزي نتيجة التعرض للأشعة فوق البنفسجية (UV) سواء كانت طبيعية من الشمس أو اصطناعية من مصادر مثل أسرّة التسمير (Tanning beds). يعزز التسمير من إنتاج الميلانين في الجلد، وهو الصبغة التي تعطي البشرة لونها وتحميها جزئياً من أضرار الأشعة فوق البنفسجية.

تتنوع دوافع التسمير بين عوامل ثقافية واجتماعية ونفسية، حيث يربط البعض السمرة بالرشاقة والجاذبية، فيما يستغل آخرون التسمير كوسيلة لتحسين المزاج أو الشعور بالثقة. لكن بالرغم من هذه الفوائد النفسية الظاهرة، هناك مخاطر صحية جسيمة مرتبطة بالتسمير المفرط.

العلاقة بين التسمير وسرطان الجلد

يُعتبر سرطان الجلد من أكثر أنواع السرطانات شيوعاً في العالم، ويرتبط بشكل مباشر بالتعرض المفرط وغير المحمي للأشعة فوق البنفسجية. تنقسم الأشعة فوق البنفسجية إلى نوعين رئيسيين يؤثران على الجلد وهما: الأشعة UVA وUVB. كلا النوعين قادر على التسبب في تلف الحمض النووي (DNA) داخل خلايا الجلد، مما يؤدي إلى طفرات جينية تزيد من احتمالية تحول الخلايا الطبيعية إلى خلايا سرطانية.

التسمير الاصطناعي باستخدام أسرّة التسمير يمثل خطراً كبيراً، حيث تصدر هذه الأجهزة مستويات عالية من الأشعة UVA التي تخترق طبقات الجلد بعمق، مسببة تلفاً في الخلايا. كما أن التسمير تحت أشعة الشمس المباشرة، خاصة في فترات ذروة النشاط الشمسي، يعزز من تراكم الضرر في الجلد بمرور الوقت.

أنواع سرطان الجلد المرتبطة بالتسمير

ينقسم سرطان الجلد إلى عدة أنواع رئيسية، بعضها مرتبط بشكل خاص بالتعرض للأشعة فوق البنفسجية:

• سرطان الخلايا القاعدية (Basal Cell Carcinoma): هو أكثر أنواع سرطان الجلد شيوعاً، ينشأ في الخلايا القاعدية في الطبقة الخارجية للجلد. عادة ما يكون بطيء النمو ونادراً ما ينتشر، لكنه قد يسبب تلفاً محلياً شديداً إذا لم يعالج.

• سرطان الخلايا الحرشفية (Squamous Cell Carcinoma): ينشأ في خلايا الجلد الحرشفية ويكون أكثر عدوانية من سرطان الخلايا القاعدية، مع احتمال أكبر للانتشار إلى أجزاء أخرى من الجسم.

• الميلانوما (Melanoma): أخطر أنواع سرطان الجلد وأكثرها فتكا، تنشأ من الخلايا الصبغية التي تنتج الميلانين. يرتبط بشكل كبير بالتعرض المفرط وغير المحمي للأشعة فوق البنفسجية، ويتميز بسرعة انتشاره إذا لم يتم اكتشافه مبكراً.

الآلية البيولوجية لتسبب التسمير في سرطان الجلد

التعرض للأشعة فوق البنفسجية يؤدي إلى تلف الحمض النووي في خلايا الجلد عبر آليات متعددة. الأشعة UV تسبب تفاعلات كيميائية تؤدي إلى تشكل روابط غير طبيعية بين جزيئات التيمين في الحمض النووي، مما ينتج عنه طفرات جينية. هذه الطفرات تؤدي إلى تعطيل جينات تنظيم النمو الخلوي، مثل جين p53 المعروف بدوره في إصلاح الحمض النووي ومنع نمو الخلايا السرطانية.

إذا لم تتمكن الخلايا من إصلاح هذه الأضرار، فإنها تتحول إلى خلايا سرطانية تنمو بشكل غير مسيطر عليه. كما تساهم الأشعة فوق البنفسجية في تثبيط الجهاز المناعي الموضعي للجلد، مما يقلل من قدرة الجسم على التعرف على الخلايا المتحورة والتخلص منها.

العوامل المساهمة في زيادة خطر الإصابة بسرطان الجلد بسبب التسمير

تختلف درجة خطر الإصابة بسرطان الجلد بين الأفراد تبعاً لعدة عوامل تؤثر على مدى التعرض للأشعة فوق البنفسجية وقدرة الجلد على مقاومة التلف، منها:

• نوع البشرة: الأشخاص ذوو البشرة الفاتحة أو الذين يعانون من كدمات متكررة أو يعانون من حروق شمس بسهولة هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بسرطان الجلد.

• التاريخ العائلي: وجود أقارب مصابين بسرطان الجلد يزيد من احتمال الإصابة.

• العمر عند التعرض الأول: التعرض المبكر للأطفال والمراهقين للأشعة فوق البنفسجية يزيد من مخاطر الإصابة لاحقاً.

• مدة وتكرار التعرض: كلما زادت مدة التسمير وتكراره، زادت كمية الأشعة فوق البنفسجية التي يتعرض لها الجلد، وبالتالي زاد الضرر.

• الاستخدام غير الصحيح لواقي الشمس: عدم استخدام واقي شمس ذو عامل حماية عالي أو عدم إعادة تطبيقه بانتظام يزيد من التعرض المباشر للأشعة.

الإحصائيات العالمية والمحلية

تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن حوالي 90% من حالات سرطان الجلد ناتجة عن التعرض للأشعة فوق البنفسجية الضارة. كما أظهرت دراسات أن الأشخاص الذين يستخدمون أسرّة التسمير الاصطناعي لديهم خطر أكبر بنسبة تصل إلى 75% للإصابة بالميلانوما مقارنة بمن لا يستخدمونها.

في الدول التي تتمتع بشمس قوية، مثل دول المنطقة العربية، يزداد خطر الإصابة بسرطان الجلد بسبب التسمير غير المحمي، خاصة مع تزايد السلوكيات غير الصحية التي تشجع على التسمير المستمر في فترات الذروة الشمسية دون حماية كافية.

طرق الوقاية من سرطان الجلد الناتج عن التسمير

تعد الوقاية من سرطان الجلد الناتج عن التعرض المفرط للأشعة فوق البنفسجية أمرًا بالغ الأهمية للحد من هذه المشكلة الصحية. وتشمل أهم الإجراءات الوقائية:

• تجنب التسمير الاصطناعي: التقليل أو الامتناع عن استخدام أسرّة التسمير التي تصدر أشعة UVA عالية، حيث ثبت أن لها تأثيراً مسرطناً مباشراً.

• الحد من التعرض المباشر لأشعة الشمس: خاصة خلال ساعات الذروة بين العاشرة صباحاً والرابعة عصراً، وهي الفترة التي تكون فيها الأشعة فوق البنفسجية أشد تأثيراً.

• استخدام واقيات الشمس: اختيار واقي شمس ذو عامل حماية (SPF) 30 أو أكثر، ويجب إعادة تطبيقه كل ساعتين أو بعد السباحة أو التعرق.

• ارتداء الملابس الواقية: مثل القبعات الواسعة والحواجب والنظارات الشمسية التي تحمي العينين.

• الفحص الدوري للبشرة: متابعة أي تغيرات أو علامات جديدة على الجلد مثل ظهور بقع، تغير في شكل الشامات أو نموات غير طبيعية، واستشارة الطبيب فوراً.

معالجة سرطان الجلد وأهمية الكشف المبكر

يختلف علاج سرطان الجلد تبعاً لنوع الورم ومرحلة اكتشافه. في المراحل المبكرة، يمكن استئصال الأورام جراحياً مع معدلات شفاء مرتفعة. أما في الحالات المتقدمة أو المنتشرة، فقد تتطلب العلاجات إشعاعية أو كيماوية أو استخدام أدوية مناعية أو موجهة.

يعتبر الكشف المبكر عن سرطان الجلد العامل الأهم في زيادة فرص الشفاء الكامل، حيث أن الميلانوما المكتشفة في مراحلها الأولى تعطي نسب شفاء تتجاوز 90%، بينما تقل هذه النسبة بشكل كبير مع تقدم المرض.

الجدول التالي يوضح العلاقة بين أنواع سرطان الجلد، أسبابها الرئيسية، وأعراضها الشائعة:

الآفاق المستقبلية والبحوث العلمية

تسعى الأبحاث الحديثة إلى تطوير طرق أكثر أماناً للحصول على لون السمرة دون التسبب في أضرار صحية. من هذه الطرق استخدام مستحضرات تسمير موضعية تحتوي على مواد تعطي لون السمرة دون الحاجة للتعرض للأشعة فوق البنفسجية. كما يعمل العلماء على تطوير أدوية تحمي الجلد من التلف الناتج عن الأشعة وتحفز آليات الإصلاح الذاتي لخلايا الجلد.

كما يتم التركيز على زيادة التوعية المجتمعية بخطورة التسمير المفرط وأهمية الوقاية من سرطان الجلد من خلال حملات توعوية وبرامج تعليمية تستهدف جميع الفئات العمرية.

خلاصة

إن الهوس بالسمرة يدفع الكثيرين إلى تعريض بشرتهم لمخاطر عالية من الأشعة فوق البنفسجية، ما يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الجلد بأنواعه المختلفة، خاصة الميلانوما الخطيرة. التسمير المفرط سواء تحت أشعة الشمس أو باستخدام أجهزة التسمير الاصطناعي يشكل تهديداً صحياً كبيراً يجب مواجهته من خلال الوعي الصحي والالتزام بإجراءات الوقاية. الكشف المبكر والعلاج المناسب يمكن أن يقلل بشكل كبير من معدلات الوفاة الناتجة عن سرطان الجلد، مما يجعل التوازن بين الجمال والصحة ضرورة لا غنى عنها في زمننا الحالي.

المصادر:

• منظمة الصحة العالمية WHO، تقرير سرطان الجلد والأشعة فوق البنفسجية، 2023.

• American Cancer Society، Skin Cancer Facts & Figures, 2024.