النجم القطبي بولاريس

النجم القطبي: بولاريس

يُعرف نجم بولاريس (Polaris) بنجم الشمال، وهو النجم الأكثر شهرة في سماء نصف الكرة الشمالي، حيث يُستخدم كمؤشر على اتجاه الشمال في الليل. يتميز بموقعه الثابت تقريباً في السماء، مما يجعله دليلًا مهمًا للملاحة والاستكشاف عبر العصور. سنتعرف في هذا المقال على خصائص هذا النجم الفريد وأهميته الفلكية.

المسافة والسطوع

يقع نجم بولاريس على بعد حوالي 322.6 سنة ضوئية من الأرض، وهي مسافة تجعله قريبًا نسبيًا من منظور فلكي. ورغم بعده، إلا أنه يظهر بوضوح في السماء بسبب لمعانه العالي، حيث تبلغ شدة إضاءته حوالي 2196 مرة من لمعان الشمس. هذا اللمعان الهائل يعكس الطاقة الكبيرة التي يبثها النجم، ويجعل من بولاريس واحدًا من أكثر النجوم لمعانًا في سماء الليل.

الحجم والحرارة

يبلغ نصف قطر نجم بولاريس حوالي 37.5 مرة نصف قطر الشمس، مما يعني أنه نجم عملاق يقزم حجم شمسنا. هذا الحجم الكبير يرتبط بسطوعه الهائل ويجعله يظهر بشكل واضح في السماء. أما درجة حرارته السطحية فتبلغ حوالي 6048 كلفن، وهي حرارة أقل بقليل من حرارة الشمس، مما يعطيه لونًا أبيض مائلًا للصفرة، وهو اللون الذي يميز النجوم من فئة الطيف F7Ib.

التصنيف الطيفي

يصنف نجم بولاريس ضمن الفئة الطيفية F7Ib، حيث يشير التصنيف الطيفي “F” إلى درجة حرارة سطحية تتراوح بين 6000 و7500 كلفن، وهو ما يتوافق مع لون النجم الأبيض المائل للصفرة. أما الحرف “I” فيشير إلى أن النجم من فئة العمالقة الفائقة، بينما يدل الحرف “b” على أنه من العمالقة الصغرى. هذا التصنيف يعكس مرحلة متقدمة من تطور النجم، حيث يكون قد استهلك جزءًا كبيرًا من وقوده النووي في مركزه، وبدأ في التوسع والتحول إلى نجم عملاق.

الموقع في السماء

يحتل نجم بولاريس مكانة مميزة في كوكبة الدب الأكبر (Ursa Minor)، ويقع بالقرب من القطب السماوي الشمالي، مما يجعله يبدو ثابتًا تقريبًا في السماء طوال الليل وكل ليلة. هذه الخاصية هي التي أكسبته لقب “نجم الشمال” أو “النجم القطبي”، وجعلت منه مرجعًا مهمًا للملاحة التقليدية، سواء بالنسبة للبحارة أو المستكشفين في البر.

الأهمية الفلكية والتاريخية

لم يكن نجم بولاريس دائمًا نجم الشمال، بل تغير موقع القطب السماوي الشمالي عبر العصور بسبب حركة مبادرة الأرض، التي تجعل محور دورانها يترنح ببطء على مدار 26,000 سنة. قبل حوالي 4,000 سنة كان نجم “ثوبان” في كوكبة التنين هو نجم الشمال، وبعد حوالي 13,000 سنة سيكون نجم “فيغا” في كوكبة القيثارة هو نجم الشمال.

رغم ذلك، تظل أهمية نجم بولاريس حاضرة في التاريخ البشري، حيث استخدمه الفراعنة لبناء معابدهم باتجاهه، واعتمد عليه المستكشفون في العصور الوسطى لتحديد اتجاهاتهم في رحلاتهم البحرية والبرية. كما كان له دور في الأساطير والثقافات المختلفة، حيث اعتُبر رمزًا للثبات واليقين في سماء متغيرة.

التغيرات في بولاريس

أظهرت الدراسات الحديثة أن نجم بولاريس ليس نجمًا ثابت السطوع، بل يُظهر تغيرات طفيفة في لمعانه، تُعرف باسم “التغيرات النبضية”. هذه التغيرات تشير إلى أن النجم يمر بمرحلة انتقالية في تطوره، حيث يتوسع وينكمش بشكل دوري بسبب التفاعلات المعقدة بين قوى الجاذبية والضغط في داخله. هذه النبضات تجعل من بولاريس نموذجًا مهمًا لدراسة تطور النجوم العملاقة وكيفية تفاعلها مع محيطها.

بولاريس كنظام نجمي

من الجدير بالذكر أن بولاريس ليس نجمًا منفردًا، بل هو نظام نجمي مكون من ثلاثة نجوم. النجم الرئيسي، الذي يحمل اسم بولاريس A، هو العملاق الفائق الذي نتحدث عنه. يدور حوله نجم أصغر يُسمى بولاريس B، والذي يمكن رؤيته من خلال التلسكوبات الصغيرة. بالإضافة إلى ذلك، يوجد نجم ثالث، بولاريس C، الذي يدور حول النجمين السابقين على مسافة أبعد.

الدور المستقبلي لبولاريس

مع مرور الوقت، من المتوقع أن يستمر نجم بولاريس في التوسع حتى يصل إلى مرحلة “العملاق الأحمر”، حيث سيزداد حجمه أكثر وتقل درجة حرارته السطحية. في النهاية، سيبدأ في التخلص من طبقاته الخارجية ليشكل سديمًا كوكبيًا، ويترك خلفه نجمًا قزمًا أبيض. هذه هي نهاية طبيعية للنجوم العملاقة التي تشابه بولاريس في الكتلة والتركيب.

خاتمة

يبقى نجم بولاريس، رغم التغيرات التي يشهدها، رمزًا للثبات في سماء الليل، ودليلًا لا غنى عنه للمستكشفين والملاحين. هو أكثر من مجرد نقطة مضيئة في السماء؛ إنه شاهد على التاريخ البشري، ودليل حي على تعقيدات الكون وتطوره. من خلال فهمنا لهذا النجم الفريد، يمكننا الحصول على نظرة أعمق لتاريخ كوكبنا ومكاننا في هذا الكون الفسيح.