كتاب “الملكات المحاربات” من تأليف أنتونيا فريزر يعد من الأعمال الأدبية المتميزة التي تستعرض حياة أكثر من اثنتي عشرة امرأة عبر العصور اللاتي تحملن أعباء الحكم وتقمصن دور المحارب. ينطلق هذا الكتاب من الحقبة القديمة مع بوديكا في عام 60 ميلادية ويستمر حتى يصل إلى العصر الحديث مع شخصيات مثل جولدا مائير وإنديرا غاندي ومارغريت تاتشر في القرن العشرين.
أنتونيا فريزر، التي اشتهرت بقدرتها على التنقيب في التاريخ وإبراز الشخصيات النسائية فيه، تأخذنا في رحلة مشوقة عبر التاريخ، مستعرضة حياة نساء لم يقتصر دورهن على الحكم بل تجاوز ذلك إلى المشاركة الفعلية في المعارك وتوجيه سياسات دولهن. تقدم فريزر في هذا الكتاب سرداً تاريخياً معمقاً ومفصلاً، معتمدة على المصادر التاريخية والوثائق والشهادات المختلفة لتصوير حياة هؤلاء الملكات المحاربات.
يبدأ الكتاب بسرد قصة بوديكا، ملكة قبيلة الأيسيني في بريطانيا القديمة، التي قادت انتفاضة ضد الاحتلال الروماني في القرن الأول الميلادي. تحمل قصة بوديكا في طياتها قوة وعزيمة امرأة رفضت الخضوع لقوى الاحتلال، مما جعل منها رمزاً للمقاومة والبطولة.
ثم ينتقل الكتاب إلى حقب تاريخية مختلفة، حيث يعرض حياة نساء مثل زنوبيا ملكة تدمر، التي تحدت الإمبراطورية الرومانية وأسست مملكة مزدهرة في الصحراء السورية، وجان دارك، الفتاة الفرنسية التي قادت الجيوش الفرنسية ضد الإنجليز في حرب المائة عام وأصبحت أيقونة وطنية ودينية.
في العصر الحديث، يتناول الكتاب شخصيات مثل جولدا مائير، أول رئيسة وزراء لإسرائيل، والتي لعبت دوراً حيوياً في تأسيس الدولة اليهودية وتوجيه سياساتها خلال فترة حرجة من تاريخها. كما يستعرض الكتاب حياة إنديرا غاندي، أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في الهند، والتي واجهت تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة وساهمت في تشكيل مستقبل الهند الحديث. وينتهي الكتاب بتناول حياة مارغريت تاتشر، أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في المملكة المتحدة، والتي عرفت بقوتها وصرامتها في السياسة الداخلية والخارجية.
الكتاب لا يكتفي بعرض الأحداث التاريخية فحسب، بل يتعمق في تحليل الشخصيات والدوافع التي قادت هؤلاء النساء إلى ساحة المعارك والسياسة. يتناول الكتاب كذلك التحديات التي واجهتها كل منهن في مجتمع يهيمن عليه الذكور، وكيف استطعن بفضل حنكتهم وإرادتهم الحديدية أن يتركن بصمة لا تمحى في التاريخ.
من الملاحظ أن الكتاب لا يقدم فقط سرداً تاريخياً، بل هو أيضاً دراسة اجتماعية وسياسية، تبرز كيف يمكن للمرأة أن تكون قوية وملهمة وقادرة على التغيير، حتى في أصعب الظروف. يسلط الكتاب الضوء على قوة الشخصية والإصرار والعزيمة التي ميزت هؤلاء الملكات المحاربات، مما يجعله قراءة ملهمة لكل من يهتم بدراسة التاريخ وقوة النساء فيه.
في ختام الكتاب، تستعرض فريزر كيف أن دور المرأة في القيادة والمقاومة لم يكن محصوراً بفترة زمنية أو ثقافة معينة، بل هو دور يمتد عبر العصور والثقافات، مما يعكس قدرة المرأة على التأثير في مجريات التاريخ وصناعة المستقبل. هذه الرسالة تتجاوز السرد التاريخي لتكون دعوة للتفكير في الأدوار التي يمكن أن تلعبها النساء في عالمنا المعاصر.
كتاب “الملكات المحاربات” يعد مرجعاً غنياً وشاملاً ليس فقط للباحثين والمؤرخين، بل لكل من يرغب في استلهام قصص البطولة والشجاعة من التاريخ. من خلال هذه القصص، تبرز فريزر قدرة المرأة على القيادة والتأثير في التاريخ، مما يجعل من هذا الكتاب إضافة قيمة للمكتبة العربية والعالمية.