الليبرالية وتحدياتها: من روزفلت إلى ريغان
في كتابه المعنون “الليبرالية وتحدياتها: من روزفلت إلى ريغان” الذي نشرته دار أكسفورد الجامعية في يناير 1985، يقدم المؤرخ الأمريكي ألونزو ل. هامبي دراسة متعمقة وشاملة للتحولات الكبيرة التي شهدتها السياسات الأمريكية خلال النصف الأول من القرن العشرين حتى بداية الثمانينات. يعتبر هذا الكتاب من الأعمال الأساسية لفهم تطور الفكر السياسي الأمريكي وتأثيره على المجتمع والسياسة في الولايات المتحدة.
يبدأ هامبي دراسته من فترة الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت، الذي يعتبر أحد أبرز رموز الليبرالية في القرن العشرين. لقد كانت فترة رئاسة روزفلت حاسمة في تطور الحركة الليبرالية، حيث أطلق برنامجه المعروف بالصفقة الجديدة (New Deal) الذي كان يهدف إلى مواجهة تأثيرات الكساد الكبير وتحقيق إصلاحات اجتماعية واقتصادية واسعة. قدمت الصفقة الجديدة مجموعة من السياسات والتشريعات التي غيرت شكل الحكومة الفيدرالية وعززت من تدخلها في الاقتصاد. من خلال هذه السياسات، تم تحقيق إصلاحات هامة في مجال العمل والضمان الاجتماعي، مما ساهم في بناء شبكة أمان اجتماعي قوية للأمريكيين.
إلا أن صعود الحركات السياسية المعارضة لم يلبث أن يتجلى، حيث ظهرت تحديات الليبرالية من عدة جهات. كان من أبرز هذه التحديات الحركة المحافظة التي بدأت تكتسب زخمًا في الخمسينات والستينات، والتي كانت تدعو إلى تقليص دور الحكومة الفيدرالية في الاقتصاد وتعزيز المبادئ الفردية والأسواق الحرة. أدى هذا التحدي إلى صراع طويل حول دور الحكومة في المجتمع وكيفية تحقيق التوازن بين حقوق الأفراد والمصلحة العامة.
يركز الكتاب أيضًا على فترة ريغان، الذي يعتبر أحد أبرز القادة المحافظين في تاريخ الولايات المتحدة. قاد ريغان ثورة محافظة بدأت في أواخر السبعينات واستمرت خلال فترة حكمه في الثمانينات. لقد كانت سياساته الاقتصادية والاجتماعية بمثابة رد فعل قوي ضد السياسات الليبرالية التي كانت سائدة في العقود السابقة. من خلال سياسات ريغان المعروفة بـ “الريغانومكس” (Reaganomics)، تم تحقيق تغييرات جذرية في الاقتصاد الأمريكي، حيث شملت تخفيض الضرائب، وتخفيف اللوائح التنظيمية، وتعزيز سياسات السوق الحرة. كانت هذه السياسات تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي من خلال تشجيع الاستثمارات الخاصة وتعزيز التوظيف، ولكنها في الوقت نفسه أثارت جدلاً واسعاً حول تأثيراتها على الفئات الاجتماعية المختلفة والاقتصاد الوطني بشكل عام.
تأخذ الدراسة في اعتبارها أيضًا التأثيرات الاجتماعية والسياسية لهذه التحولات، وكيف أن التحولات في الفكر السياسي أثرت على السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة. يتناول هامبي كيف أن الصراعات بين الليبرالية والمحافظة أدت إلى إعادة تشكيل السياسة الأمريكية وأثرت على كيفية تعامل الحكومة مع قضايا مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والضرائب، والدفاع.
من خلال هذا الكتاب، يقدم هامبي تحليلًا معمقًا للتغيرات السياسية التي مرت بها الولايات المتحدة ويقدم رؤى قيمة حول كيفية تأثير الأفكار السياسية على الحياة اليومية للأمريكيين. كما يشير إلى أن الصراع بين الليبرالية والمحافظة لم يكن مجرد صراع على السياسات الاقتصادية، بل كان أيضًا صراعًا حول القيم والمبادئ التي تشكل الهوية الوطنية للولايات المتحدة.
في النهاية، “الليبرالية وتحدياتها: من روزفلت إلى ريغان” هو عمل يستحق القراءة لكل من يهتم بفهم الديناميات السياسية الأمريكية وتأثيراتها على المجتمع الأمريكي. يقدم الكتاب رؤية شاملة ومعمقة للتغيرات التي شهدتها السياسة الأمريكية ويعكس كيف أن الصراعات الفكرية والسياسية يمكن أن تؤثر على مسار التاريخ والسياسات الوطنية.