الكحل والأدوية الشعبية وعلاقتها بالعمى

الكحل والأدوية الشعبية قد يؤديان إلى العمى

بقلم: د. إياد محمد حلس

في مجتمعاتنا العربية، ما زالت الممارسات التقليدية تحتل موقعًا بارزًا في التداوي والعناية بالصحة، ومنها استخدام الكحل والأدوية الشعبية، وهي ممارسات متجذرة في العادات والثقافات، ولكنها في كثير من الأحيان، تكون ذات نتائج كارثية على صحة الإنسان، وخصوصًا صحة العين. وفي ظل غياب الوعي الكافي بمخاطر هذه المواد، تتفاقم حالات العمى وفقدان البصر نتيجة الاستخدام العشوائي وغير الطبي لهذه المستحضرات.

يتناول هذا المقال بتفصيل علمي وموثق التأثيرات الصحية الخطيرة لاستخدام الكحل والأدوية الشعبية على العين، موضحًا كيف يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات تصل إلى العمى الكامل، مع الإشارة إلى الدراسات العلمية الحديثة التي تؤكد هذه المخاطر، والوقوف على الأسباب التي تدفع الأفراد إلى اللجوء لتلك الوسائل، رغم توفر الطب الحديث والبدائل الآمنة.

أولًا: الكحل بين التراث والخطر الصحي

الكحل، تلك المادة السوداء التي ارتبطت عبر العصور بالجمال والتقوى، لا تزال تستخدم بشكل واسع في المجتمعات الشرقية، سواء لأغراض تجميلية أو طبية، خاصة في علاج بعض أمراض العين لدى الأطفال وكبار السن.

ولكن الكحل التقليدي يحتوي في الغالب على نسبة عالية من الرصاص، وهو عنصر سام يهدد سلامة العين والجهاز العصبي. وقد بينت دراسات طبية أن بعض أنواع الكحل الشعبي تحتوي على نسب من الرصاص تصل إلى 80%، وهي نسبة خطيرة تؤدي إلى تراكم السموم في العين والدماغ، وتؤثر سلبًا على العصب البصري.

التركيبة الكيميائية السامة للكحل الشعبي

غالبًا ما يتم تصنيع الكحل في البيوت أو بطرق بدائية لا تراعي المعايير الصحية، ويُخلط فيه مسحوق الرصاص أو الكبريت الأسود أو حتى الفحم، وتُستخدم أدوات غير معقمة في التطبيق، مما يزيد من خطر الإصابة بالتهابات العين الخطيرة.

ثانيًا: الأدوية الشعبية وعلاجات العين التقليدية

لا يقتصر الأمر على الكحل فقط، بل يشمل مجموعة واسعة من الأدوية الشعبية التي تُستخدم كقطرات للعين، دون أي أساس علمي. ومن أشهرها:

• ماء البصل

• زيت الزيتون

• لبن الأم

• ماء الورد المغلي

• مستخلصات الأعشاب مثل السدر والبابونج

رغم الاعتقاد السائد بفعالية هذه المواد في تخفيف الالتهابات أو علاج احمرار العين، إلا أن استخدامها غالبًا ما يؤدي إلى نتائج عكسية شديدة الخطورة، منها:

• التهاب القرنية الجرثومي

• تقرحات القرنية

• تلف الشبكية

• عدوى فطرية داخل مقلة العين

وقد رصدت أقسام الطوارئ في المستشفيات حالات متكررة لأشخاص، خاصة من كبار السن، يفقدون بصرهم بعد وضع مواد منزلية مباشرة داخل العين.

ثالثًا: أسباب تفشي الظاهرة رغم التقدم الطبي

تكمن جذور هذه الظاهرة في عدة عوامل اجتماعية وثقافية، أهمها:

1. الثقة المفرطة في الطب الشعبي: حيث لا يزال الكثيرون يفضلون الممارسات التقليدية على الطب الحديث، إما بسبب الاعتقاد بتجربة الأجداد أو لرغبة في البُعد عن الأدوية الكيميائية.

2. ضعف الثقافة الصحية: خاصة في المناطق الريفية أو بين الفئات التي تفتقر للتعليم الصحي.

3. التكلفة الاقتصادية للعلاج الطبي: ما يدفع البعض للجوء إلى بدائل أرخص، رغم خطورتها.

4. الإعلانات المضللة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تروج لمنتجات “طبيعية” على أنها آمنة وفعالة لعلاج أمراض العين.

رابعًا: الحالات السريرية والإحصاءات الميدانية

وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة في عدد من الدول العربية، فإن:

• 30% من حالات العمى في بعض المجتمعات الريفية تعود إلى ممارسات شعبية خاطئة

• أكثر من 60% من النساء اللاتي يستخدمن الكحل التقليدي يوميًا يعانين من درجات متفاوتة من الالتهاب المزمن في العين

• واحدة من كل 5 حالات عدوى بكتيرية في العين تكون ناتجة عن استخدام غير معقم لمواد منزلية داخل العين

وتم توثيق العديد من الحالات التي تعرض فيها الأطفال لعمى جزئي نتيجة تقطير لبن الأم أو عصير الليمون في أعينهم أثناء الإصابة بالرمد أو الحساسية.

خامسًا: التأثيرات طويلة المدى لهذه الممارسات

إن الضرر الناتج عن استخدام الكحل أو العلاجات الشعبية لا يقتصر على التأثير الفوري، بل يمتد إلى آثار تراكمية ومزمنة قد تظهر بعد سنوات. من أبرز هذه التأثيرات:

• ضمور العصب البصري

• اعتلال الشبكية السام

• ارتفاع ضغط العين (الجلوكوما)

• تلف دائم في القرنية يتطلب زراعة قرنية

وفي حالات كثيرة، يكتشف المريض الإصابة في مراحل متأخرة، ما يجعل العلاج غير مجدٍ، ويؤدي إلى فقدان البصر الدائم.

سادسًا: توصيات المؤسسات الصحية ومنظمات العيون

تنصح المؤسسات الصحية المتخصصة، مثل الجمعية الأمريكية لطب العيون ومنظمة الصحة العالمية، بعدم استخدام أي مادة في العين لم تُصنّع وتُختبر طبيًا، وتوصي بـ:

• الابتعاد عن الكحل التقليدي، خاصة للأطفال والنساء الحوامل.

• عدم استخدام أي علاج شعبي أو منزلي دون استشارة طبية.

• التوجه الفوري إلى طبيب العيون عند ظهور أعراض مثل الحكة، الاحمرار، أو تشوش الرؤية.

• تثقيف المجتمع من خلال حملات توعية إعلامية وصحية حول مخاطر العلاجات العشوائية.

سابعًا: دور الإعلام والمجتمع الطبي في التصدي للمشكلة

تقع مسؤولية كبرى على عاتق الإعلام والمؤسسات الصحية في نشر الوعي بمخاطر استخدام الكحل والأدوية الشعبية، ويجب أن يشمل ذلك:

• حملات توعية في المدارس والمساجد والمراكز الصحية

• إنتاج برامج إعلامية تستعرض القصص الواقعية للضحايا

• تعزيز دور الأطباء في التثقيف المجتمعي خارج العيادات

كذلك من المهم أن تتبنى الجهات الرقابية إجراءات صارمة لمنع بيع وتداول الكحل التقليدي والمنتجات العشبية غير المرخصة، وملاحقة من يروج لها عبر الإنترنت أو الأسواق.

ثامنًا: نحو سياسة صحية بديلة وآمنة

لحماية الصحة البصرية في المجتمعات، هناك حاجة لتطوير سياسات صحية بديلة تقوم على:

1. توفير بدائل طبية طبيعية مرخصة ذات جودة عالية، تكون متاحة بأسعار رمزية للحد من لجوء الناس للبدائل العشوائية.

2. إدخال الثقافة الصحية في المناهج الدراسية، لتنشئة جيل واعٍ بأهمية العناية السليمة بالعين.

3. تدريب الممارسين الشعبيين (كالعارفين والعشابين) على الحدود الصحية للتداوي، وإشراكهم في حملات التوعية بدلًا من تهميشهم.

4. تحسين الخدمات الصحية في المناطق الريفية، من خلال العيادات المتنقلة والتوسع في خدمات طب العيون الأساسية.

الخلاصة العلمية

الممارسات الشعبية مثل استخدام الكحل التقليدي أو المواد المنزلية لعلاج أمراض العين، تمثل خطرًا حقيقيًا على صحة البصر، ويمكن أن تؤدي إلى مضاعفات دائمة قد تصل إلى العمى الكامل. وبينما يمكن تفهم البعد الثقافي لهذه العادات، فإن العلم والطب الحديث يفرضان التدخل السريع لتغيير هذا الواقع، عبر التوعية، التنظيم، وتوفير البدائل الطبية الآمنة.

المراجع:

1. World Health Organization (WHO). Traditional medicine and modern health care: The need for action. Geneva: WHO, 2022.

2. American Academy of Ophthalmology. Toxic effects of lead-based kohl on ocular health. AAO Journal, 2021.