مقابلة مع المدرب الدولي محمد بدرة لجريدة المنار الجزائرية: “القيادة والإلهام أدوات لبناء مستقبل أفضل”
في عالم مليء بالتحديات والمتغيرات السريعة، يصبح التفكير القيادي والإلهام في مجال التطوير الشخصي والمجتمعي من العوامل الرئيسية التي تحدد مسارات النجاح في مختلف المجالات. المدرب الدولي محمد بدرة، الذي يعتبر من أبرز الأسماء في مجال التنمية البشرية وتدريب القادة، هو من بين الأفراد الذين أرسوا دعائم هذا الفكر على مدار سنوات من الخبرة والتفاعل مع قادة وصناع قرار حول العالم. في هذه المقابلة الحصرية مع جريدة “المنار الجزائرية”، تحدث المدرب محمد بدرة عن رحلته في عالم القيادة والإلهام، والأدوات التي يوصي بها لبناء مستقبل مشرق.
المنار: بدايةً، يمكن أن تحدثنا عن مسيرتك المهنية؟
محمد بدرة: مسيرتي بدأت منذ أكثر من 15 عامًا في مجال التدريب والاستشارات. في البداية، كانت تلك رحلة شخصية، حيث كان لدي شغف كبير بفهم الإنسان وكيفية تطوير قدراته الذاتية. مع مرور الوقت، قررت أن أشارك معرفتي وخبرتي مع الآخرين. انطلقت في هذا المجال من خلال التدريب على القيادة الشخصية، ثم تطورت إلى تدريب الأفراد والمؤسسات على إدارة الفرق وبناء ثقافة الأداء العالي. منذ ذلك الحين، أصبحت أعمل مع العديد من القادة في مختلف الصناعات، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو تعليمية.
المنار: كان لديك العديد من المشاركات الدولية في تدريب القادة، كيف تصف تجربتك مع هؤلاء القادة؟
محمد بدرة: كانت تجربتي مع القادة متميزة للغاية. كل قائد له قصة وفلسفة مختلفة عن القيادة، لكن هناك نقاط مشتركة تجمعهم، مثل الرغبة في التأثير الإيجابي، والقدرة على التكيف مع التغيرات، والإصرار على تطوير أنفسهم ومجتمعاتهم. من خلال هذه التجارب، تعلمت أنه لا يوجد نموذج واحد للقيادة الناجحة، بل هي مجموعة من المبادئ والقيم التي يجب أن تتناسب مع البيئة والثقافة المحيطة. تعلمت أيضًا أنه لا يمكن لأي قائد أن يحقق النجاح بمفرده؛ فهو بحاجة إلى فريق قوي يقف إلى جانبه.
المنار: برأيك، ما هي أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها القائد الناجح؟
محمد بدرة: القائد الناجح يجب أن يتحلى بعدد من الصفات الأساسية التي تميزه عن غيره. أولاً، يجب أن يكون لديه رؤية واضحة للمستقبل، ويعرف إلى أين يذهب فريقه. ثانيًا، القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة في الأوقات المناسبة، والمرونة في التكيف مع التحديات. ثالثًا، أن يكون قائدًا ملهمًا؛ فالقائد الذي لا يستطيع أن يلهم فريقه لا يستطيع أن يحقق النجاح. الأمانة والشفافية في التعامل مع الآخرين أيضًا من أهم صفات القائد، لأن بناء الثقة هو الأساس في أي علاقة قيادية.
المنار: كيف ترى العلاقة بين القيادة والتنمية الشخصية؟
محمد بدرة: العلاقة بين القيادة والتنمية الشخصية وثيقة جدًا. فالقائد الجيد هو شخص يستثمر في تطوير نفسه باستمرار، لأن القيادة تبدأ من الداخل. يجب على القائد أن يكون قدوة لفريقه، ولا يمكن أن يكون كذلك إذا لم يكن لديه التزام شخصي بتطوير ذاته. يمكننا أن نقول إن القيادة هي مرآة للإنسانية، وكلما كان الشخص أكثر تميزًا في تطوير قدراته الشخصية، كلما أصبح أكثر قدرة على توجيه وتحفيز الآخرين.
المنار: تحدثت عن أهمية التحفيز والإلهام في القيادة. هل يمكنك أن تشرح لنا كيف يمكن للقادة أن يلهموا فرقهم بشكل فعال؟
محمد بدرة: هناك عدة طرق يمكن من خلالها للقائد أن يلهم فريقه بشكل فعال. أولاً، يجب أن يكون القائد صادقًا في مشاعره وكلامه. الإلهام لا يأتي من الكلمات فقط، بل من التصرفات والمواقف التي يتخذها القائد. عندما يرى الفريق أن القائد مستعد للعمل بجد، ويتحمل المسؤولية، ويواجه التحديات معًا معهم، فإنه يصبح مصدر إلهام حقيقي. ثانيًا، يجب على القائد أن يركز على مكافأة الجهد وليس فقط النتيجة، فذلك يعزز شعور الفريق بالإنجاز ويحفزهم للاستمرار في العمل. ثالثًا، ينبغي أن يتيح القائد الفرصة لأفراد الفريق للتعبير عن آرائهم ومشاركتهم في صنع القرارات، مما يعزز شعورهم بالمسؤولية والانتماء.
المنار: في الآونة الأخيرة، شهدنا تطورًا كبيرًا في تقنيات القيادة، كيف ترى دور التكنولوجيا في تحسين القيادة؟
محمد بدرة: التكنولوجيا تلعب دورًا متزايدًا في تحسين القيادة. فبفضل الأدوات الرقمية، يمكن للقادة اليوم الوصول إلى بيانات دقيقة حول أداء فرقهم، والتفاعل معهم بشكل أسرع وأكثر كفاءة. كما أن منصات التواصل الاجتماعي تتيح للقادة فرصة لبناء علاقات أقوى مع موظفيهم والعملاء. ومع تقدم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، يمكن للقادة أن يتخذوا قرارات أكثر دقة استنادًا إلى تحليلات متعمقة للبيانات. ولكن يجب أن يتم ذلك بحذر، بحيث لا تصبح التكنولوجيا بديلاً للعلاقات الإنسانية التي تشكل جوهر القيادة الناجحة.
المنار: هل لديك نصائح للمؤسسات الجزائرية التي تسعى لتحسين قيادتها وتطوير فرقها؟
محمد بدرة: نعم، هناك عدة نصائح أود أن أقدمها للمؤسسات الجزائرية. أولاً، يجب أن تكون هناك ثقافة منفتحًا على التعلم المستمر، ليس فقط على مستوى الأفراد ولكن أيضًا على مستوى المؤسسة ككل. ثانيًا، يجب على المؤسسات الجزائرية أن تدرك أهمية التنوع في فرقها، لأنه يعزز الإبداع ويزيد من القدرة على مواجهة التحديات. ثالثًا، الاستثمار في تدريب القادة الجدد هو خطوة أساسية نحو تحسين الأداء المؤسسي، لأنه في النهاية القائد هو الذي يصنع الفرق. وأخيرًا، يجب على المؤسسات أن تركز على خلق بيئة عمل مرنة تدعم الابتكار وتزيد من رضا الموظفين.
المنار: ماذا تأمل أن تحقق في المستقبل القريب في مجال التدريب والاستشارات؟
محمد بدرة: في المستقبل، أطمح إلى توسيع نطاق تأثيري ليشمل المزيد من الأفراد والمؤسسات في مختلف أنحاء العالم العربي، بما في ذلك الجزائر. أريد أن أساهم في خلق بيئة تعليمية وتدريبية تتيح للأفراد تطوير أنفسهم واكتشاف إمكانياتهم الحقيقية. كما أنني أهدف إلى إنشاء منصة تدريبية تفاعلية تقدم أدوات عملية للقيادة الشخصية والتنمية الذاتية، تُمكّن المشاركين من تنفيذ ما تعلموه في حياتهم اليومية.
المنار: في الختام، هل يمكنك مشاركة نصيحة أخيرة للمجتمع الجزائري؟
محمد بدرة: نصيحتي للمجتمع الجزائري هي أن يثقوا في قدرتهم على التغيير والنمو. الجزائر بلد عظيم بموارد بشرية وفكرية غنية، ولكن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل. عندما نؤمن بقدرتنا على التطوير الشخصي والمجتمعي، يمكننا أن نصنع مستقبلًا أفضل لأنفسنا ولأجيالنا القادمة. لا تتوقفوا عن التعلم، ولا تخافوا من التحديات، فهي التي تصقل الشخصيات وتمنحها القوة والقدرة على النجاح.
عن المدرب محمد بدرة:
يعد محمد بدرة من أبرز المدربين الدوليين في مجال التنمية البشرية والقيادة. حصل على العديد من الشهادات المتقدمة في مجال التدريب وإدارة الأعمال، ولديه خبرة واسعة في تدريب قادة الشركات والمؤسسات الكبرى في مختلف البلدان. بدرة هو مؤلف ومتحدث تحفيزي، ويقدم ورش عمل ودورات تدريبية لمساعدة الأفراد والمؤسسات على تحسين أدائهم وزيادة إنتاجيتهم.
