القهوة وتقليل خطر النقرس

القهوة تقلل من مخاطر إصابتك بمرض النقرس

مقدمة علمية

لطالما كانت القهوة محوراً للجدل العلمي والطبي، بين مؤيد لفوائدها ومعارض لأضرارها المحتملة. وفي السنوات الأخيرة، بدأ العلم يتجه نحو إعادة تقييم هذا المشروب المليء بالمركبات الحيوية، وأحد أبرز أوجه الاهتمام تركز على العلاقة بين استهلاك القهوة وخطر الإصابة بمرض النقرس، وهو أحد أشكال التهابات المفاصل الشائعة والمؤلمة. تشير الأدلة المتراكمة من دراسات وبحوث سريرية إلى أن القهوة، وخصوصاً القهوة التي تُشرب بشكل معتدل ومنتظم، قد تلعب دوراً وقائياً في تقليل خطر الإصابة بالنقرس لدى الرجال والنساء على حدٍ سواء، وذلك بآليات متعددة تشمل تحسين التمثيل الغذائي لحمض اليوريك وتنظيم مستويات الأنسولين في الجسم.

النقرس: المرض، الأسباب، والمضاعفات

النقرس هو أحد أشكال التهاب المفاصل الناتج عن تراكم بلورات حمض اليوريك في المفاصل والأنسجة المحيطة، مما يؤدي إلى نوبات ألم حاد، تورم، واحمرار في المناطق المصابة، خصوصاً مفصل الإصبع الكبير في القدم. يحدث هذا التراكم عادة عندما تتجاوز مستويات حمض اليوريك في الدم الحد الطبيعي، سواء بسبب فرط الإنتاج أو انخفاض الكفاءة الكلوية في التخلص منه.

تشمل العوامل المسببة أو المساهمة في ظهور النقرس:

• النظام الغذائي الغني بالبيورينات (مثل اللحوم الحمراء والمأكولات البحرية)

• الاستهلاك المفرط للكحول

• السمنة

• مقاومة الإنسولين أو مرض السكري

• تناول بعض الأدوية المدرة للبول أو الأدوية المثبطة للمناعة

تشير التقديرات إلى أن نسبة انتشار النقرس تتراوح بين 1-4% من السكان في العديد من الدول، مما يجعله مرضًا شائعًا نسبياً وله تبعات اقتصادية وصحية واضحة.

القهوة وتركيبتها الكيميائية المؤثرة

القهوة ليست مجرد مشروب يحتوي على الكافيين؛ إنها خليط معقد من أكثر من ألف مركب كيميائي، من أبرزها:

• حمض الكلوروجينيك (Chlorogenic Acid): مضاد أكسدة قوي

• الكافيين: منبه للجهاز العصبي وله تأثيرات أيضية معروفة

• الديتيربينات (مثل كافيستول وكاهويل): لها دور في التأثير على مستويات الكوليسترول

• البوليفينولات: مركبات نباتية لها تأثيرات مضادة للالتهاب

بفضل هذه المركبات، للقهوة تأثيرات محتملة على استقلاب حمض اليوريك، توازن الأنسولين، والالتهابات الجهازية، وكلها عوامل مرتبطة مباشرة أو غير مباشرة بمرض النقرس.

العلاقة بين القهوة والنقرس: نظرة تحليلية للدراسات

الدراسات الوبائية

وجدت العديد من الدراسات الوبائية وجود علاقة عكسية بين استهلاك القهوة وخطر الإصابة بالنقرس. أبرز هذه الدراسات:

• دراسة فرامنغهام للصحة القلبية (Framingham Heart Study): أشارت إلى أن الرجال الذين شربوا أكثر من 4 أكواب من القهوة يومياً كانوا أقل عرضة للإصابة بالنقرس بنسبة 40% مقارنةً بمن لا يشربون القهوة.

• دراسة نشرت في مجلة Arthritis & Rheumatism عام 2007: شملت أكثر من 45,000 رجل أمريكي، أظهرت انخفاض خطر الإصابة بالنقرس بنسبة 59% بين الذين تناولوا 6 أكواب أو أكثر يومياً من القهوة.

القهوة العادية مقابل القهوة منزوعة الكافيين

من اللافت في معظم الدراسات أن القهوة منزوعة الكافيين كانت كذلك مرتبطة بانخفاض خطر الإصابة بالنقرس، ولكن بدرجة أقل من القهوة العادية. ما يُشير إلى أن الكافيين ليس العنصر الوحيد النشط في هذا التأثير الوقائي، بل يلعب حمض الكلوروجينيك ومضادات الأكسدة الأخرى دوراً بارزاً.

آلية تأثير القهوة على حمض اليوريك

تُعد الآليات البيولوجية التي تفسر العلاقة بين القهوة وتقليل خطر الإصابة بالنقرس معقدة ومتعددة، ومن أبرزها:

التفاعل بين القهوة والعوامل الغذائية الأخرى

لا يمكن النظر إلى تأثير القهوة على النقرس بمعزل عن النظام الغذائي العام للفرد. فالقهوة قد تكون مفيدة، لكن الاستهلاك المرتفع للحوم، والمأكولات البحرية، والكحول، والمشروبات المحلاة بالفركتوز قد يبطل هذا التأثير الإيجابي. ولهذا، فإن دمج القهوة ضمن نمط غذائي متوازن منخفض البيورينات يمكن أن يعزز فوائدها الوقائية.

الجرعة اليومية المثالية

تشير معظم الدراسات إلى أن تناول 3 إلى 5 أكواب من القهوة يومياً يرتبط بفوائد صحية كبيرة دون آثار جانبية تذكر لدى الأفراد الأصحاء. هذا المستوى من الاستهلاك يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالنقرس إلى حد ملموس، خصوصاً عند دمجه مع نمط حياة صحي.

لكن من المهم الإشارة إلى أن القهوة قد تكون غير مناسبة لبعض الفئات، مثل:

• مرضى الضغط المرتفع غير المتحكم به

• من يعانون من اضطرابات النوم أو القلق

• الحوامل في مراحل متقدمة

القهوة مقابل الأدوية الخافضة لحمض اليوريك

في حين أن القهوة تُعد عاملاً وقائياً محتملاً ضد النقرس، لا يمكن اعتبارها بديلاً للأدوية المعتمدة لعلاج أو الوقاية من النقرس لدى الأشخاص المصابين فعلياً. أدوية مثل الألوبورينول (Allopurinol) تعمل على تثبيط إنزيم زانثين أوكسيداز وتقلل من إنتاج حمض اليوريك بشكل مباشر، وهي تدخل ضمن العلاج المعياري للنقرس.

ولكن تبقى القهوة خياراً طبيعياً داعماً يمكن دمجه ضمن خطة وقائية متكاملة إلى جانب التمارين المنتظمة والحمية الغذائية المناسبة.

هل للشاي نفس تأثير القهوة؟

أظهرت بعض الدراسات أن الشاي، خصوصاً الشاي الأخضر، لا يرتبط بنفس القدر من الفوائد في تقليل خطر الإصابة بالنقرس كما هو الحال مع القهوة. بل إن بعض الدراسات أشارت إلى أن الشاي قد لا يكون له أي تأثير يُذكر على مستويات حمض اليوريك. السبب في ذلك يعود إلى اختلاف المركبات الكيميائية النشطة في كل منهما، فالشاي يفتقر إلى بعض الأحماض والمركبات المضادة للأكسدة المتوفرة في القهوة مثل حمض الكلوروجينيك.

الموازنة بين الفوائد والمخاطر

رغم فوائد القهوة المحتملة في تقليل خطر الإصابة بالنقرس، إلا أن الإفراط في استهلاكها قد يؤدي إلى بعض الآثار الجانبية مثل:

• اضطرابات النوم

• زيادة القلق

• ارتفاع ضغط الدم

• حرقة المعدة

من هنا تأتي أهمية الاعتدال في الاستهلاك، مع مراقبة التأثيرات الجانبية عند الأشخاص الحساسين للكافيين.

توصيات ختامية بناءً على الأدلة

استنادًا إلى مجمل الدراسات العلمية والبيانات الوبائية المتاحة، يمكن استخلاص التوصيات التالية:

• شرب القهوة بانتظام وبكميات معتدلة (3-5 أكواب يوميًا) يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالنقرس.

• هذا التأثير يعود إلى مركبات متعددة في القهوة، وليس الكافيين فقط.

• القهوة منزوعة الكافيين مفيدة أيضاً، ولكن بدرجة أقل.

• يجب دمج شرب القهوة ضمن نمط حياة غذائي صحي منخفض البيورينات.

• لا تغني القهوة عن الأدوية الوقائية أو العلاجية للأشخاص الذين تم تشخيصهم بالنقرس.

• من الأفضل استشارة الطبيب قبل زيادة استهلاك القهوة، خاصة لمن لديهم مشاكل صحية مرافقة.

المصادر

• Choi HK, Curhan G. Coffee consumption and risk of incident gout in men: a prospective study. Arthritis & Rheumatism. 2007;56(6):2049-2055.

• Kiyohara C, et al. The protective effect of coffee consumption on hyperuricemia and gout: a meta-analysis of observational studies. Nutrition, Metabolism and Cardiovascular Diseases. 2015;25(6):511-518.