الفرق بين القدر والنصيب في الإسلام

في العقيدة الإسلامية، يُعدّ الإيمان بالقدر ركنًا من أركان الإيمان الستة، وهو مفهوم مركزي يرتبط بفهم الإنسان لموقعه في هذا الكون، وعلاقته بخالقه، وسيرورة الأحداث في حياته. إلى جانب القدر، يُستخدم مصطلح “النصيب” في السياق الشعبي والديني للإشارة إلى ما يحصل عليه الإنسان في حياته من رزق أو زواج أو حظ، مما يجعل من الضروري التفريق بين المفهومين من حيث المعنى، والمجال الدلالي، والمنشأ العقائدي. وعلى الرغم من وجود تداخل بين المفهومين عند العامة، فإن التمييز الدقيق بين “القدر” و”النصيب” يعد أمرًا محوريًا لفهم التصور الإسلامي للعالم والوجود ومسؤولية الإنسان فيه.

أولًا: تعريف القدر في الإسلام

القدر في اللغة مشتق من الجذر الثلاثي “ق د ر” ويعني التقدير، أي التنظيم والموازنة والترتيب. أما في الاصطلاح الشرعي، فإن القدر يعني علم الله الأزلي بكل ما كان ويكون، وكتابته لذلك في اللوح المحفوظ، ومشيئته النافذة، وخلقه للأشياء وفق هذا العلم. وقد عرّف العلماء القدر بأنه: تقدير الله تعالى للأشياء في الأزل، وكتابته لها، ومشيئته بها، وخلقه لها عند وقوعها.

ويندرج الإيمان بالقدر ضمن أربعة مراتب أساسية هي:

1. العلم: الإيمان بأن الله تعالى يعلم كل شيء علمًا سابقًا أزليًا لا يطرأ عليه جهل أو نسيان.

2. الكتابة: الإيمان بأن الله كتب كل ما سيكون في اللوح المحفوظ.

3. المشيئة: الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

4. الخلق: الإيمان بأن الله خالق كل شيء، بما في ذلك أفعال العباد.

قال الله تعالى:

﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49]

وفي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ:

«كل شيء بقَدَر، حتى العجز والكيس» [رواه مسلم].

ثانيًا: معنى النصيب في اللغة والشرع

النصيب في اللغة العربية مأخوذ من الفعل “نصب”، ويُشير إلى الحصة أو الجزء المخصص لشخص من شيء ما. أما في الاستعمال الشرعي واللغوي، فإن النصيب غالبًا ما يُستخدم للإشارة إلى ما يصيب الإنسان في دنياه، من زواج، أو رزق، أو ذرية، أو وظيفة، أو حظ معين، كأن يُقال: “هذا نصيبه من الدنيا” أو “هذا نصيبها من الزواج”، وهو استخدام يرتبط غالبًا بالقدر، لكنه في الاستخدام الشرعي لا يحمل المعنى الكوني الشامل للقدر.

في القرآن الكريم، ورد مصطلح النصيب في عدة مواضع، منها قوله تعالى:

﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ [النساء: 7]، أي حصة مفروضة من الميراث.

ثالثًا: الفروقات الجوهرية بين القدر والنصيب

1. المجال الدلالي

2. القدر أوسع من النصيب

القدر يشمل كل ما في الوجود من أحداث، سواء ما يصيب الإنسان أو ما لا يصيبه، بينما النصيب يعبّر فقط عن ما حصل عليه الإنسان أو فاته من رزق، أو زواج، أو وظيفة، أو غير ذلك من الأمور التي تشغل الإنسان في دنياه.

فالإنسان قد يقول عن وظيفة لم تُكتب له: “ما كان لي نصيب فيها”، وهذا صحيح بالمعنى الشعبي، لكن في الحقيقة، ما لم يُكتب له من الوظيفة هو جزء من قدر الله له، الذي يشمل التفاصيل الكبرى والصغرى.

3. المصدر والمفهوم

القدر مفهوم قرآني نبوي متكامل، له أصول راسخة في العقيدة، أما النصيب، فيأتي كفرع أو أثر من آثار القدر، ويرتبط عادةً بالنتائج الظاهرة التي يراها الإنسان في حياته اليومية.

4. علاقة القدر بالنصيب

يمكن القول إن كل “نصيب” هو جزء من “قدر”، ولكن ليس كل قدر يمكن التعبير عنه بأنه نصيب. فالموت، مثلًا، من القدر، لكنه لا يُوصف بأنه نصيب، بينما الزواج يُعد نصيبًا من الرزق، وهو أيضًا داخل في القدر.

رابعًا: أثر الإيمان بالقدر والنصيب في نفس المسلم

التوازن بين العمل والتوكل

الفهم الصحيح للقدر لا يدفع المسلم إلى التواكل أو السلبية، بل يزرع في قلبه الطمأنينة بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وقد جاء في الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ قال:

«…واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك…» [رواه الترمذي].

لكن هذا الإيمان لا يلغي مسؤولية الإنسان في السعي والعمل واتخاذ الأسباب. ففي العقيدة الإسلامية، الأسباب لا تُلغى بالقدر، بل تُعتبر من قدر الله أيضًا. فمن قدّر له الله الرزق قدّر له معه السعي إليه، ومن قدّر له النجاح قدّر له الاجتهاد.

الرضا بالقضاء

إن إدراك الفرق بين القدر والنصيب يعين المسلم على الرضا بما قُدّر له، وعدم التعلق الزائد بما فاته من “نصيب” في أمر من أمور الدنيا. فهو يعلم أن ما كتبه الله له قد كان بحكمة، ولو كرهه الإنسان، قال تعالى:

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 216].

الوقاية من الحسد والاعتراض

الإيمان بأن كل “نصيب” هو جزء من قدر الله يقي المسلم من الحسد والحقد، ويدفعه للنظر إلى ما عند غيره بنظرة رحمة وعدل إلهي، لا اعتراض ولا استنكار. ومن هنا، فإن القول الشائع “هذا نصيبه” يحمل في طياته استسلامًا أو تسليمًا شعبيًا يعكس فهمًا فطريًا لمعاني القدر.

خامسًا: النصيب في الرزق والزواج من منظور شرعي

من أكثر المجالات التي يُستخدم فيها مصطلح “النصيب” هو الزواج والرزق، ويُقال: “كل واحد له نصيبه” أو “الرزق مقسوم”، وهو تعبير لا يخرج عن المعنى الشرعي إذا ما فُهم فَهمًا صحيحًا، أي أن كل شيء خاضع لتقدير الله تعالى.

قال تعالى:

﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف: 32]

كما قال النبي ﷺ:

«إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب» [رواه الطبراني، وصححه الألباني].

وهذا يعني أن النصيب من الرزق أو الزواج لا يمكن لأحد أن يأخذه مكان أحد، فهو مقدر محسوم، ولا يُنقص منه تأخير أو تقصير.

سادسًا: سوء الفهم الشعبي بين النصيب والقدر

في بعض الثقافات، يُحمَّل مفهوم “النصيب” أكثر مما ينبغي، فيُستخدم لتبرير الفشل، أو الإحباط، أو الاستسلام للواقع، وهو انحراف عن الفهم الإسلامي الصحيح. فمثلاً، قد يُقال لمن فشل في مشروع: “لم يكن نصيبك”، دون النظر إلى ضعف التخطيط أو تقصير الأسباب. وهذا النوع من التفكير يرسّخ التواكل، ويُضعف العزيمة، وهو ما نهت عنه الشريعة.

وقد نبّه النبي ﷺ إلى عدم تعليق الفشل على القدر بمعنى الاستسلام، فقال:

«احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز» [رواه مسلم].

سابعًا: النصيب كجزء من حكمة الله في توزيع الأقدار

التفاوت بين الناس في الأرزاق والمصائر هو جزء من الحكمة الإلهية في التقدير. فليس النصيب في الدنيا معيارًا للمكانة عند الله، فقد يكون الحرمان نصيبًا وفيه الخير، كما أن العطاء قد يكون نصيبًا وفيه البلاء. ولذلك قال الله تعالى:

﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ، فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ، كَلَّا﴾ [الفجر: 15–17].

خلاصة الفرق

يُعد “القدر” تصورًا شاملًا ومطلقًا عن علم الله وتقديره وخلقه لكل ما في الكون، في حين أن “النصيب” يُعبر عن نتيجة أو أثر من آثار هذا القدر، فيما يتعلق بجانب من حياة الإنسان. والخلط بين المفهومين قد يؤدي إلى اضطراب في الفهم والسلوك، لذا فإن الرجوع إلى الوحي والتمييز بين المصطلحين ضرورة عقائدية وسلوكية في حياة المسلم.

المراجع

1. ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، تحقيق عبد الرحمن بن قاسم.

2. ابن القيم، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.