الفرق بين الواجب والفرض

الفرق بين الواجب والفرض

تعدّ الأحكام الشرعية من الأسس الجوهرية التي يقوم عليها بناء الشريعة الإسلامية، والتي يتم من خلالها تحديد ما يجب على المسلم فعله وما لا يجوز له التخلي عنه. ومن بين هذه الأحكام، يبرز التمييز بين “الواجب” و”الفرض”، حيث يختلف كل منهما في دلالته الشرعية وحكمه الشرعي. في هذا المقال، سوف نتناول بالتفصيل الفرق بين الواجب والفرض من خلال استعراض معانيهما، وأمثلة على كل منهما، والأحكام التي يترتب عليها كل واحد منهما، بالإضافة إلى الأدلة الشرعية التي تبيّن الفروق بينهما.

تعريف الواجب

الواجب في اللغة العربية هو ما يجب على الإنسان أن يقوم به أو يؤديه. أما في الاصطلاح الشرعي، فإن الواجب هو كل ما أمر الشارع (الله سبحانه وتعالى) به وألزم المسلم بفعل ذلك، ولكنه لا يعد من الدرجة العليا مثل الفرض. وبالتالي، فإن الواجب هو فعل يتعين على المسلم القيام به، ولكن في بعض الحالات، قد يترتب على عدم فعله عقاب دون أن يكون العقاب مثل العقاب المترتب على ترك الفرض.

تعريف الفرض

الفرض في اللغة يأتي من الجذر “فرض” الذي يعني إلزام الشيء فرضاً، أي جعله واجباً أو مفروضاً. وفي الاصطلاح الشرعي، الفرض هو ما أمر الله سبحانه وتعالى به وجعل فعله ضرورة لا يمكن للإنسان أن يتخلى عنها، حيث يتعين عليه أداؤه على وجه الإلزام. وفي حال ترك الفرض عن عمد، يُحكم على الشخص بالكفر أو المعصية حسب درجة الفرض. وبالتالي، يعتبر الفرض أشد أهمية من الواجب ويترتب على تركه عقوبة أكبر.

الفروق الأساسية بين الواجب والفرض

رغم أن كلاً من الواجب والفرض يشيران إلى الأعمال التي يجب على المسلم القيام بها، إلا أن هناك فروقاً جوهرية بينهما، نذكر منها ما يلي:

1. الدرجة الشرعية:

   • الفرض هو أعلى درجة من الواجب، بمعنى أن الفرض هو من الأمور التي لا يجوز تركها تحت أي ظرف، وتعتبر ضرورية للعبادة أو الحياة الإسلامية.

   • الواجب هو عمل شرعي يجب على المسلم أداؤه، ولكنه يمكن أن يكون أقل أهمية من الفرض، حيث يمكن دفعه بعذر شرعي أو رخصة.

2. الجزاء المترتب على تركه:

   • إذا ترك المسلم الفرض عمداً من غير عذر شرعي، فإن العقاب يكون شديداً وقد يصل إلى حد الكفر أو الإثم الكبير.

   • أما إذا ترك المسلم الواجب، فقد يتعرض لعقوبة ولكنها أقل شدة من عقوبة ترك الفرض، مع مراعاة وجود أعذار شرعية قد تُعفى عنه.

3. أمثلة على الفرض:

   • الصلاة: تعتبر الصلاة فرضاً على المسلم. لا يجوز للإنسان أن يتخلى عنها بأي حال من الأحوال.

   • الزكاة: فرض الزكاة على المسلم الغني، وهي إحدى أركان الإسلام التي لا يمكن للمسلم أن يهملها أو يتجاهلها.

   • الصوم في شهر رمضان: يعتبر صيام شهر رمضان فرضاً على المسلمين البالغين القادرين.

   • الحج: فرض الحج على المسلم مرة واحدة في العمر إن توفرت له القدرة المالية والبدنية.

4. أمثلة على الواجب:

   • صلاة الوتر: تعتبر صلاة الوتر واجباً على المسلم. في حين أن تركها لا يترتب عليه كفر، إلا أن تركها دون عذر قد يكون إثماً.

   • الزكاة في بعض الحالات الخاصة: تعتبر الزكاة واجبة في بعض الحالات الخاصة، كالزكاة التي تجب على المال إذا بلغ النصاب وتعدى عاماً كاملاً.

   • إفطار يوم عرفة: يعتبر الإفطار في يوم عرفة واجباً على من لا يملك قدرة على الصيام بسبب المرض أو الضعف.

أنواع الفرض والواجب

من خلال تعريف الفرض والواجب، يمكن تصنيف كل منهما إلى عدة أنواع أو درجات تختلف بحسب حكم الشريعة.

أنواع الفرض

1. الفرض العيني: هو ما يجب على كل مسلم بشكل فردي، مثل الصلاة المفروضة أو الصوم في رمضان.

2. الفرض الكفائي: هو الفرض الذي إذا قام به البعض من الأمة سقط عن البقية، مثل الجهاد في سبيل الله أو تعليم العلم.

أنواع الواجب

1. الواجب العيني: هو ما يجب على المسلم فردياً، مثل إتمام الصلاة أو صلاة الفجر.

2. الواجب الكفائي: هو ما يجب على الجماعة، مثل إقامة شعائر معينة أو أداء بعض الأعمال الاجتماعية.

حالات يُعفى فيها المسلم من أداء الفرض أو الواجب

في بعض الحالات، قد يعفى المسلم من أداء الفرض أو الواجب بسبب أعذار شرعية معترف بها في الإسلام. هذه الأعذار تكون مبنية على الرحمة والتخفيف من الشريعة وتختلف بين الفرض والواجب.

• الفرض: في حالة الضرورة القصوى، يمكن للمسلم أن يعفى من أداء الفروض، مثل الصلاة في حالة المرض الشديد أو أثناء السفر الطويل، حيث يمكن أداء الصلاة بأقل درجة من الكمال (مثل الصلاة قاعداً أو على متن الطائرة).

• الواجب: يخفف عن المسلم أداء الواجب في بعض الحالات مثل المرض أو السفر، ولكن يظل المسلم مطالباً بتعويض ذلك إذا كان في استطاعته في المستقبل.

الفرق في حكم ترك الواجب والفرض

إن ترك الفرض من غير عذر شرعي يعتبر كبيرة من الكبائر في الشريعة الإسلامية، بينما ترك الواجب يعتبر خطأ أو إثم، ولكن العقوبة عليه أقل شدة من ترك الفرض. على سبيل المثال، إذا ترك المسلم الصلاة المفروضة بشكل كامل عن عمد، فهذا يُعد كفراً أو معصية، بينما إذا ترك صلاة الوتر أو إحدى السنن النفلية، فلا يرتقي ذلك إلى مرتبة الكفر ولكن يعتبر نقصاً في إيمانه.

دليل شرعي على الفرق بين الواجب والفرض

من الأدلة التي تبيّن الفرق بين الواجب والفرض، يمكن الاستناد إلى عدة آيات قرآنية وأحاديث نبوية.

• الفرض: قال الله تعالى في سورة النساء: (وَأَقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَٰةَ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [النساء: 59]. هذه الآية تبين أن الصلاة والزكاة فرضان على المسلم.

• الواجب: في الحديث النبوي الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “من ترك الوتر فقد ترك خيراً كثيراً”. هذا الحديث يدل على أن صلاة الوتر واجبة ولكنها ليست في مرتبة الفرض.

الخاتمة

الفرق بين الواجب والفرض في الشريعة الإسلامية يعتبر من المواضيع الهامة التي يجب على كل مسلم فهمها بشكل صحيح. فكل من الواجب والفرض له حكم شرعي خاص به، ويتم تحديد ما يجب على المسلم فعله بناءً على هذه الأحكام. وعلى الرغم من أن كلاً منهما يعد من الأعمال التي يجب القيام بها، إلا أن الفرض يرتقي إلى درجة أعلى من الواجب من حيث الإلزام العقابي، في حين أن الواجب يظل ضرورياً ولكن مع إمكانية العذر في بعض الحالات.