الفرق بين المماليك البحرية والبرجية

الفرق بين دولة المماليك البحرية والبرجية

لقد شكلت دولة المماليك في مصر أحد الفترات التاريخية الأكثر إثارة في تاريخ المنطقة، حيث تمثل فترة حكمهم تغييرات جذرية في بنية الدولة المصرية والعلاقات الإقليمية. وبينما يعتبر المماليك بشكل عام أحد أبرز القوى السياسية والعسكرية في العالم الإسلامي في العصور الوسطى، فإن الفرق بين دولتين من أبرز عصور المماليك، وهما دولة المماليك البحرية ودولة المماليك البرجية، يمثل تحولاً عميقاً في السياسة والعسكرية والاجتماعية.

مقدمة عن المماليك

في البداية، من الضروري أن نفهم من هم المماليك وكيف ظهرت هذه الطبقة في تاريخ مصر. “المماليك” هو مصطلح عربي يعني “الملك” أو “الملك المُستعبد”، وكان يشير إلى العبيد الذين جلبوا من مناطق مختلفة مثل القوقاز وبلاد ما وراء النهر، ومن ثم تم تدريبهم عسكرياً ليصبحوا جنوداً مخلصين للسلطان. المماليك لم يكونوا فقط جنوداً، بل أصبحوا حكاماً في فترات مختلفة من تاريخ مصر، بدءاً من العصر الفاطمي وصولاً إلى العصر المملوكي.

تاريخ المماليك يمتد في ثلاثة فترات رئيسية:

1. المماليك البحرية (1250-1382 م)

2. المماليك البرجية (1382-1517 م)

3. المماليك العثمانية بعد سقوط الدولة المملوكية.

في هذا المقال، سوف نتناول الفرق بين دولتين من أهم فترات المماليك: دولة المماليك البحرية ودولة المماليك البرجية، والتي تمثلان مرحلتين متميزتين في تاريخ الدولة المملوكية.

دولة المماليك البحرية (1250-1382 م)

نشأتها

تأسست دولة المماليك البحرية بعد أن تمكن السلطان شجر الدر من القضاء على آخر حكام الدولة الأيوبية في مصر، توران شاه، الذي كان آخر حكام الأيوبيين في مصر. المماليك البحرية كانوا مجموعة من المماليك الذين جلبهم السلاطين الأيوبيون من مناطق مثل القوقاز والشام، وسكنوا في جزيرة الروضة بالقاهرة، ومن هنا جاء اسمهم “البحرية” نسبة إلى موقعهم الجغرافي بالقرب من البحر.

حكمهم وطبيعة الدولة

كان الحكام في هذه الفترة في البداية يتم انتخابهم من قبل الجنود المماليك، ولكن مع مرور الوقت، أصبح السلاطين يقيمون سلالاتهم الخاصة. ركزت سياسة المماليك البحرية على الحفاظ على الاستقرار في مصر بعد سقوط الأيوبيين، وتحقيق القوة العسكرية التي مكنت الدولة المملوكية من مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. وقد شهدت هذه الفترة أهم المعارك ضد المغول والصليبيين، مثل معركة عين جالوت في 1260 م، والتي كانت واحدة من أعظم انتصارات المماليك ضد المغول.

كان المماليك البحرية أكثر استقرارًا في بداياتهم، حيث كانوا يتمتعون بنظام حكم قوي يشرف عليه السلطان، الذي كان يحظى بدعم كبير من الجنود المماليك. لكن بمرور الوقت، بدأت تظهر بعض التوترات الداخلية نتيجة للصراعات بين الفصائل المختلفة في صفوف المماليك البحرية.

الاقتصاد والتنظيم الإداري

اهتم المماليك البحرية بتعزيز الاقتصاد من خلال الحفاظ على شبكة التجارة، ورفعوا من مستوى الزراعة والري في مصر. كما تم إنشاء نظام إداري معقد يشمل مجموعة من الوظائف الإدارية التي كانت تحت إشراف المماليك.

ومع ذلك، ورغم ما تحقق من استقرار في البداية، إلا أن الحكم المملوكي بدأ يشهد تراجعات في هذه الفترة بسبب الانقسامات والصراعات داخل صفوف المماليك.

دولة المماليك البرجية (1382-1517 م)

نشأتها

تأسست دولة المماليك البرجية بعد سقوط دولة المماليك البحرية، وكان ذلك بفضل الصراعات الداخلية التي أدت إلى انهيار السلطة البحرية. بدأت مرحلة المماليك البرجية عندما تمكن السلطان الناصر حسن من التغلب على آخر الحكام المماليك البحرية، السلطان منصور قلاوون، مما أدى إلى تدهور الدولة المملوكية البحرية وصعود المماليك البرجية. هذه الفئة من المماليك كانت قد استقرت في برج القاهرة، وهو برج عسكري يختلف عن موقع المماليك البحرية الذي كان يقع في جزيرة الروضة.

حكمهم وطبيعة الدولة

السلطنة المملوكية البرجية شهدت العديد من التغيرات السياسية مقارنة بالمماليك البحرية، حيث كانت تتميز بتعدد الحكام الذين سيطروا على البلاد نتيجة للصراعات الداخلية. كانت سياسة المماليك البرجية تعتمد على الفتن الداخلية التي كانت تضعف قوة السلطنة، خاصة أن الحاكم المملوكي في هذه الفترة لم يكن يحظى بالاستقرار كما كان الحال في المماليك البحرية.

ومع ذلك، فإن هذه الفترة شهدت بعض الإنجازات العسكرية والاقتصادية، رغم الاضطرابات. مثل المماليك البحرية، كان المماليك البرجية يواجهون تهديدات كبيرة من المغول والفرنجة، لكنهم تمكنوا من الحفاظ على السيطرة على مصر لبعض الوقت.

الاقتصاد والتنظيم الإداري

من الناحية الاقتصادية، كانت المماليك البرجية تواجه تحديات بسبب الفساد الداخلي والصراعات على السلطة. ورغم ذلك، تم تحسين بعض القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والتجارة، إلا أن مشكلات إدارة الأراضي والانقسام بين الحكام المحليين كانت تقوض الاستقرار.

أهم الفروق بين المماليك البحرية والبرجية

1. التأسيس والانتقال السياسي

• المماليك البحرية: تم تأسيس الدولة المملوكية البحرية بعد انهيار الدولة الأيوبية وظهور المماليك كقوة سياسية مستقلة. كانت هذه الفترة بداية ظهور المماليك كحكام لمصر، وكانت بداية سلسلة من الإنجازات العسكرية.

• المماليك البرجية: جاء المماليك البرجية بعد فترة من الاضطرابات والانقسامات بين فصائل المماليك البحرية، مما أدى إلى ظهور سلالة جديدة من المماليك التي استقرت في برج القاهرة.

2. الاستقرار السياسي

• المماليك البحرية: شهدت فترة حكمهم نوعاً من الاستقرار في البداية، خاصة في وقت معركة عين جالوت. ومع ذلك، بدأت التوترات والصراعات الداخلية تظهر مع مرور الوقت.

• المماليك البرجية: تميل فترة المماليك البرجية إلى الفوضى والصراع الداخلي، حيث تميزت بفترات طويلة من عدم الاستقرار السياسي والصراعات بين القادة العسكريين.

3. الاقتصاد والتنظيم الإداري

• المماليك البحرية: كانت هذه الفترة أكثر استقراراً من الناحية الاقتصادية والتنظيمية، حيث شهدت تحسينات في الإدارة العامة وتعزيز الإنتاج الزراعي والتجارة.

• المماليك البرجية: اقتصرت هذه الفترة على تدهور اقتصادي تدريجي، نتيجة لتعدد الحكام وتفشي الفساد داخل الدولة.

4. المواجهة مع القوى الخارجية

• المماليك البحرية: شهدت فترة المماليك البحرية انتصارات هامة ضد المغول والصليبيين، وكانوا يمتلكون قوة عسكرية منضبطة.

• المماليك البرجية: في حين أن المماليك البرجية تمكنوا من المحافظة على الأراضي المملوكية، إلا أنهم كانوا في صراع مستمر مع القوى الخارجية وضعفوا أمام تهديدات المغول والصليبيين في فترة معينة.

5. الصراعات الداخلية

• المماليك البحرية: كانت هناك فصائل متنافسة بين المماليك البحرية، لكنها كانت أكثر قدرة على التماسك بفضل الهيكل الإداري المتماسك.

• المماليك البرجية: كانت هناك صراعات عميقة بين الحاكم والأمراء المماليك، مما أدى إلى انقسامات عديدة داخل السلطة السياسية في مصر.

الخاتمة

الفترة المملوكية بشكل عام، سواء في المرحلة البحرية أو البرجية، تمثل مرحلة محورية في تاريخ مصر والعالم الإسلامي. إذا كانت المماليك البحرية قد شكلت بداية حكم المماليك واستقرارهم في مصر، فإن المماليك البرجية كانت مرحلة تمثل الانحدار التدريجي لهذه الدولة العريقة، التي كانت تمثل عهداً من الصراعات الداخلية وتحديات الحكم. على الرغم من الصعوبات التي واجهتها دولة المماليك البرجية، فإن كلا الفترتين كان لهما تأثيرات عميقة في تاريخ المنطقة، حيث كانتا تشكلان فصلاً مهماً في تاريخ الدولة الإسلامية وفي الحروب ضد المغول والصليبيين، بالإضافة إلى الحفاظ على مكانة مصر كقوة إقليمية في العصر الوسيط.