الفرق بين الماء الطهور والطاهر

الفرق بين الماء الطاهر والطهور

يُعدّ موضوع الطهارة من أهم الموضوعات التي احتلت مكانة مركزية في الفقه الإسلامي، لما للطهارة من ارتباط مباشر بالعبادات، وعلى رأسها الصلاة التي هي عماد الدين. ومن المسائل الأساسية التي تناولها الفقهاء بالتفصيل: التفريق بين “الماء الطهور” و”الماء الطاهر”، وهي مسألة دقيقة تستند إلى النصوص الشرعية والاجتهادات الفقهية، وتؤثر بشكل مباشر على صحة الطهارة والعبادة. وتكمن أهمية هذا التمييز في أن الطهارة شرط أساسي لصحة كثير من العبادات، وأن استخدام الماء غير المناسب في التطهر قد يؤدي إلى فساد العبادة، إن لم يراعِ المسلم الأحكام الفقهية الدقيقة المرتبطة بأنواع المياه.

في هذا المقال المطوّل سيتم تناول الفرق بين الماء الطهور والطاهر من حيث التعريف، والأقوال الفقهية، والأمثلة التطبيقية، والحالات الخاصة، وأثر كل نوع على الطهارة، مع الاستدلالات الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة الأربعة.

أولاً: تعريف الماء الطهور

الماء الطَّهور -بفتح الطاء- هو الماء الباقي على أصل خلقته، أي لم يتغير أحد أوصافه (اللون أو الطعم أو الرائحة) بأي مؤثر خارجي طارئ يخرجه عن طبيعته، بشرط ألا يكون التغير ناتجًا عن نجاسة. وهو الماء الذي يجوز استعماله في رفع الحدث وإزالة الخبث، ويشمل ماء السماء، والأنهار، والبحار، والآبار، والعيون، والثلج، والبرد، والندى.

وقد ورد في القرآن الكريم الدلالة على طهوريّة هذا الماء في قوله تعالى:

“وأنزلنا من السماء ماءً طهورًا” [الفرقان: 48]،

و”الطهور” هنا يعني الطاهر في ذاته، المطهّر لغيره.

وقد عرّف العلماء الماء الطهور بأنه:

“كل ماء نزل من السماء أو نبع من الأرض، ولم يخالطه ما يخرجه عن إطلاق اسم الماء، ولم تغيّره نجاسة.”

أمثلة على الماء الطهور:

• ماء المطر.

• ماء البحر.

• ماء النهر الجاري.

• ماء البئر.

• الثلج والماء الذائب منه.

• ماء العين العذب.

ثانياً: تعريف الماء الطاهر

أما الماء الطاهر فهو الماء الذي يظل طاهرًا في ذاته، لكنه لا يصلح لرفع الحدث، أي لا يُتوضّأ به ولا يُغتسل به، بسبب تغيره بمادة طاهرة تُخرجه عن صفة الطهورية. فمثلاً، إذا تغير الماء الطهور بشيء طاهر مثل الورود أو الصابون أو الكافور، وأصبح يحمل اسمه أو جزءًا من صفاته بوضوح، فإنه يصبح طاهرًا لكنه غير مطهّر.

وقد أجمع العلماء على أن الماء الطاهر لا يُزيل الحدث، ولكن اختلفوا في إزالة النجاسة به، فبعضهم يجوّز ذلك بشرط أن تُزال أوصاف النجاسة، وبعضهم يشترط أن يكون الماء مطلقًا.

أمثلة على الماء الطاهر:

• الماء المتغير بورق الشجر إذا غلب على أحد أوصافه.

• الماء الممزوج بمواد طاهرة كالصابون أو ماء الزهر.

• الماء الذي أُعيد استعماله بعد الطهارة (عند بعض الفقهاء).

• الماء الذي استُعمل في طهارة واجبة (عند الشافعية).

ثالثاً: الفرق الجوهري بين الماء الطهور والطاهر

رابعاً: آراء المذاهب الأربعة

1. الحنفية:

يرون أن الماء الطهور هو الذي لم يتغير عن أصل خلقته، ولم يخالطه شيء طاهر أو نجس يغير أحد أوصافه. أما الماء الطاهر فهو الذي خالطه شيء طاهر غيّر لونه أو طعمه أو رائحته، ولا يُرفع به الحدث، لكنه يُزيل النجاسة.

2. المالكية:

يميلون إلى التقليل من التفريق بين الطهور والطاهر، ويعتبرون أن الماء ما دام لم تتغير صفته بسبب نجاسة فهو طهور. عندهم، حتى الماء المتغير بشيء طاهر ما دام كثيرًا وظل على إطلاقه فيجوز التطهر به.

3. الشافعية:

يفرقون بين الطهور والطاهر بدقة. فالماء إذا تغيّر تغيّرًا بيّنًا بمخالطة طاهر فإنه يصبح طاهرًا غير مطهّر، ولا يصح استعماله في رفع الحدث. وهذا رأي دقيق جدًا عند الشافعية، خصوصًا في مسألة الماء المستعمل.

4. الحنابلة:

يوافقون الشافعية إلى حد كبير، ويقسمون المياه إلى ثلاثة أقسام: طهور، طاهر، ونجس. والطاهر عندهم لا يرفع الحدث، لكنه يجوز في إزالة النجاسة في بعض الحالات بشروط.

خامساً: الماء المتغير وحكمه الفقهي

إذا تغيّر الماء بسبب مخالطة مادة طاهرة، فالحكم يختلف بناءً على مدى التغير:

• تغير يسير لا يخرجه عن اسمه الأصلي: يبقى طهورًا.

• تغير بيّن بمادة طاهرة: يصير طاهرًا غير مطهّر.

• تغير بنجاسة: يصبح نجسًا إذا كان قليلاً وتغيّر، أو كثيرًا وتغيّر.

وقد نص الفقهاء على أن ما يسمى بـ”الماء المطلق” هو الذي يُطلق عليه اسم الماء مجردًا دون إضافة، كأن يقال “ماء” فقط، دون قيد أو وصف، أما إن تغير وصار يقال له “ماء ورد” أو “ماء صابون” فقد خرج عن كونه ماء مطلقًا.

سادساً: الماء المستعمل

من أكثر المسائل الجدلية في الفقه مسألة الماء المستعمل، أي الذي استُعمل في طهارة شرعية، كالوضوء أو الغُسل.

• الشافعية والحنابلة: يرون أن الماء المستعمل في رفع الحدث يصبح طاهرًا غير مطهّر، ولا يجوز إعادة التطهر به.

• الحنفية والمالكية: يجوز عندهم استعماله مرة أخرى إذا لم يتغير وكان قدره كثيرًا.

هذه المسألة توضح دقة التفريق بين الطهور والطاهر، لأن الماء المستخدم بقي طاهرًا، لكنه فقد قدرته على التطهير.

سابعاً: أثر التفريق بين الطهور والطاهر في العبادات

التمييز بين الماء الطهور والطاهر يترتب عليه نتائج مهمة جدًا في حياة المسلم اليومية، خصوصًا في العبادات مثل الصلاة والطواف ومس المصحف. فلو تطهّر المسلم بماء طاهر غير مطهّر، كالماء المتغير بالصابون مثلًا، فإن طهارته لا تصح، وبالتالي تكون عبادته باطلة إذا كانت مشروطة بالطهارة.

كما أن بعض الناس يظن أن أي ماء طاهر يمكن أن يُتوضأ به، وهذا خطأ قد يؤدي إلى فساد الصلاة، مما يجعل من الضروري التفقه في هذا الباب.

ثامناً: أهمية هذا التقسيم في فقه الطهارة

يهدف الفقه الإسلامي من وراء هذا التفصيل إلى حفظ الطهارة الحقيقية للمسلم، التي لا تقتصر على النظافة الحسية بل تشمل المعنوية أيضًا. فالماء الطهور ليس مجرد مادة تنظيف، بل هو وسيلة للاتصال الروحي بالله عز وجل، من خلال الوضوء والغسل وغيرهما من العبادات التي تُبنى على الطهارة.

ولذلك، فإن هذا التفصيل بين الطهور والطاهر يُظهر حرص الشريعة على تنقية الجسد والروح معًا، وعلى تعليم المسلم كيف يحافظ على عبادته بشكل صحيح، حتى في الأمور الدقيقة كنوع الماء الذي يستخدمه.

المصادر والمراجع:

1. ابن قدامة، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل.

2. النووي، المجموع شرح المهذب.