الفرق بين الشهب والنيازك

الفرق بين الشهب والنيازك

مقدمة

منذ أن بدأ الإنسان يرفع رأسه نحو السماء ويتأمل النجوم والكواكب، شغله ذلك المشهد المتكرر لأجسام تلمع فجأة في السماء ثم تختفي، وتُعرف هذه الظاهرة منذ القدم باسم “الشهب”، في حين أن بعضها يُعثر عليه لاحقًا على سطح الأرض ويُطلق عليه اسم “النيازك”. ورغم أن الشهب والنيازك يرتبطان بنفس الظاهرة الكونية إلا أنهما يختلفان في عدة نواحٍ تتعلق بالموقع، والتكوين، والحجم، والمصير النهائي. يتطلب فهم هذا الفرق الغوص في عالم الأجسام الفضائية، وطبيعة حركتها، وتأثير الغلاف الجوي الأرضي عليها.

أصل الشهب والنيازك

تنتمي الشهب والنيازك إلى مجموعة من الأجسام التي تُسمى “النيازك الصغيرة” أو “الأجرام السماوية الصغيرة”، والتي تتكوّن من بقايا الكويكبات أو المذنبات التي تجوب الفضاء. عند دخول هذه الأجسام إلى الغلاف الجوي للأرض، يحدث تفاعل بين هذه المادة الصلبة وسرعتها العالية مع الهواء، مما يؤدي إلى احتراقها بفعل الاحتكاك، وتكوين الضوء الذي نراه في السماء.

الاسم الذي يُعطى لهذا الجسم يختلف باختلاف مكانه في هذه العملية:

• قبل دخوله الغلاف الجوي يسمى نيزكًا Meteoroid.

• أثناء احتراقه داخل الغلاف الجوي يسمى شهابًا Meteor.

• إذا لم يتفكك كليًا ووصل إلى سطح الأرض يسمى نيزكًا Meteorit (معربة بـ “نيزك”).

تعريف الشهب (Meteors)

الشهب هي الأثر البصري أو الضوء الناتج عن احتراق نيزك صغير أثناء دخوله الغلاف الجوي بسرعة هائلة، قد تصل إلى عشرات الكيلومترات في الثانية. تحدث معظم الشهب على ارتفاع يتراوح بين 75 إلى 120 كيلومترًا فوق سطح الأرض. في معظم الأحيان، تكون هذه الأجسام صغيرة جدًا، لا تتجاوز حجم حبة الرمل، وتتحلل كليًا في الغلاف الجوي ولا تصل إلى الأرض.

وتُعرف الظاهرة عند حدوث عدد كبير من الشهب في وقت قصير بـ”زخات الشهب”، مثل زخة شهب البرشاويات التي تُرى بوضوح في شهر أغسطس من كل عام.

تعريف النيازك (Meteorites)

النيازك، على عكس الشهب، هي الأجسام التي كانت في الأصل نيازك صغيرة، لكنها لم تحترق بالكامل أثناء دخولها الغلاف الجوي، ونجحت في الوصول إلى سطح الأرض. تختلف النيازك في أحجامها من بضعة غرامات إلى مئات الأطنان، وقد تخلّف عند ارتطامها حفراً ضخمة تسمى “فوهات النيازك”.

تُقسم النيازك عمومًا إلى ثلاث فئات رئيسية:

1. النيازك الصخرية (Stony Meteorites): تحتوي على السيليكات، وتُعدّ الأكثر شيوعًا.

2. النيازك الحديدية (Iron Meteorites): تتكوّن بشكل رئيسي من الحديد والنيكل.

3. النيازك الحجرية-الحديدية (Stony-Iron Meteorites): مزيج من المواد المعدنية والصخرية.

الفرق الجوهري بين الشهب والنيازك

السرعة والدخول إلى الغلاف الجوي

تتحرك النيازك الصغيرة بسرعات عالية جدًا، تتراوح بين 11 إلى 72 كيلومترًا في الثانية. وعند دخولها الغلاف الجوي، تواجه مقاومة كبيرة من جزيئات الهواء، مما يسبب ارتفاعًا حادًا في درجة الحرارة يؤدي إلى احتراقها وإصدار ضوء ساطع يُرى من الأرض.

إذا كان الجسم كبيرًا بما فيه الكفاية، فإنه لا يحترق بالكامل، فيتبقى منه جزء صلب يسقط على سطح الأرض على شكل نيزك. أما إذا احترق كليًا، فلا يترك أي أثر مادي، ويُعرف فقط من خلال الضوء الصادر عنه أي “الشهاب”.

أنواع الشهب بحسب التوهج والانحلال

الشهب لا تتشابه جميعها في مظهرها أو مدتها، ويمكن تصنيفها إلى:

1. الشهب الساطعة (Fireballs): وهي شهب أكثر إشراقًا من المعتاد، يمكن رؤيتها في وضح النهار أحيانًا.

2. الكرات النارية (Bolides): نوع من الشهب الساطعة يتفجر أحيانًا بصوت مسموع بسبب الضغط الجوي.

3. الشهب الخافتة: وهي الأكثر شيوعًا وتظهر كنقاط ضوء عابرة.

أهمية دراسة الشهب والنيازك علميًا

تُعد دراسة هذه الأجسام أمرًا بالغ الأهمية في علم الفلك والجيولوجيا الفضائية لعدة أسباب:

• فهم تكوين النظام الشمسي: لأن النيازك تعتبر قطعًا بدائية من بقايا تكوين الكواكب.

• تحليل المعادن النادرة: حيث تحتوي النيازك على معادن غير موجودة على سطح الأرض.

• مراقبة مخاطر الاصطدام بالأرض: خصوصًا الأجسام الكبيرة التي قد تشكل تهديدًا محتملاً.

النيازك وتأثيراتها على الأرض

عبر التاريخ الجيولوجي للأرض، سقطت نيازك كبيرة تسببت بتغيرات كبيرة في المناخ والبيئة. من أبرز الأمثلة نيزك “تشكسولوب” الذي يُعتقد أنه السبب في انقراض الديناصورات قبل نحو 66 مليون سنة، والذي خلف حفرة قطرها حوالي 180 كيلومترًا في شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك.

وبالرغم من أن معظم النيازك الصغيرة تحترق في الغلاف الجوي، فإن احتمال اصطدام نيزك كبير بالأرض في المستقبل لا يزال قائمًا، مما يدفع وكالات الفضاء إلى تطوير برامج لرصد وتحليل هذه الأجسام باستمرار.

أماكن العثور على النيازك

تُعثر النيازك عادة في الأماكن الجافة أو الصحراوية مثل:

• صحراء أنتاركتيكا: حيث تُسهل خلفية الجليد الأبيض تمييز الصخور الداكنة.

• الصحراء الكبرى وشبه الجزيرة العربية: حيث تحافظ البيئة الجافة على النيازك من التحلل والتآكل.

• الولايات المتحدة (صحراء أريزونا، نيفادا): مناطق مشهورة بكثرة النيازك المكتشفة.

وتُجمع النيازك إما لأغراض علمية، أو حتى لهواة جمع الصخور النادرة، وتُباع أحيانًا بأسعار باهظة.

الشهب في الميثولوجيا والثقافة الشعبية

في الثقافات القديمة، كانت الشهب تُعتبر نُذرًا أو علامات من الآلهة، أو دلالة على أحداث قادمة. بينما في العصر الحديث، احتفظت الشهب بجاذبيتها الرومانسية في الأدب والفن، وغالبًا ما تُرتبط بالأمنيات عندما تُرى في السماء.

أما النيازك، فقد شكّلت مصدر إلهام لأفلام الخيال العلمي التي تصوّر اصطدامها بالأرض كحدث كارثي، مثل فيلم “Armageddon” و”Deep Impact”.

خاتمة

رغم أن الشهب والنيازك ناتجان عن نفس المصدر، فإن الفرق بينهما دقيق ولكنه جوهري: فالشهاب هو الضوء الناتج عن احتراق الجسم الفضائي في الغلاف الجوي، أما النيزك فهو ما تبقى من هذا الجسم بعد أن يخترق الغلاف الجوي ويصل إلى سطح الأرض. إن فهم هذه الفروق لا يسهم فقط في الإثراء المعرفي، بل يُعزز من قدرة البشر على رصد الفضاء واستيعاب المخاطر المحتملة من هذه الأجسام السماوية.

المراجع

1. NASA – Meteorite Information: https://www.nasa.gov/

2. American Meteor Society: https://www.amsmeteors.org/