الفرق بين البخل والشح
البخل والشح مصطلحان يكثر استخدامهما في الحياة اليومية والكتب الأدبية والشرعية، وكثيراً ما يتم الخلط بينهما بسبب تشابه المعنى بينهما في اللغة العربية، لكن من الناحية الاصطلاحية والشرعية، فإن هناك فرقًا كبيرًا بين المفهومين. للتمييز بين البخل والشح، يجب دراسة كل مصطلح على حدة، ثم فهم الفرق بينهما من حيث المعنى اللغوي والدلالات النفسية والشرعية والاجتماعية.
تعريف البخل والشح
البخل في اللغة العربية هو الامتناع عن الإنفاق أو تقديم المال أو المساعدة في المواقف التي تتطلب ذلك، ويقال “بخل الرجل” أي امتنَع عن العطاء رغم القدرة على ذلك. البخل هو نوع من التقتير الذي يُظهره الإنسان تجاه الآخرين في الأمور المالية أو حتى في الأمور المعنوية، مثل المشاعر أو الوقت.
أما الشح، فهو يعد أحد أسوأ أنواع البخل وأشده. يرتبط الشح بعدم الإنفاق، لكن بصفة أكثر تطرفًا. الشخص الشحيح لا يكتفي بالبخل بل يمتد تحكمه حتى في أبسط الأمور مثل الأوقات والمشاعر. في اللغة، يأتي الشح بمعنى الحرص الشديد على المال أو النعمة، بل يصل إلى درجة الطمع المفرط ورفض المشاركة في أي شيء حتى وإن كان ذلك يعود عليه بالنفع.
البخل في القرآن الكريم والسنة النبوية
في القرآن الكريم، ذُكر البخل في عدة آيات، منها قوله تعالى: “وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ” (النساء: 38)، وهذا يشير إلى أن البخل ليس فقط سلوكًا يتعامل به الفرد مع الآخرين، بل هو ضرر يعود على نفسه أولاً وأخيرًا. وهذا يوضح أن البخل يُنظر إليه على أنه سلوك سلبي يضر الفرد والمجتمع، لأنه يؤدي إلى قسوة القلب وحرمان الآخرين من الحقوق.
وقد ورد في الحديث النبوي الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “إياك والبخل، فإنه أهلك من كان قبلكم” (رواه مسلم). في هذا الحديث، يوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن البخل يمكن أن يؤدي إلى هلاك الفرد، لأنه ينعكس سلبًا على العلاقات الاجتماعية ويؤدي إلى قسوة القلب.
الشح في القرآن الكريم والسنة النبوية
أما الشح، فيحمل معنى أشد وأكثر قسوة من البخل. في القرآن الكريم، نجد قوله تعالى: “وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ” (الحشر: 9)، حيث يُعتبر الشح من الصفات التي يجب تجنبها، لأنه يدل على أقصى درجات الأنانية والطمع.
وقد ورد في الحديث النبوي الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كان المال في يد البخيل فهو شر من المال في يد الشحيح”، ويعني ذلك أن الشخص الشحيح قد يعطل نفسه عن فعل الخير أو يحرمه من ماله خوفًا من فقدانه، بينما البخيل قد يقدّر المال لكنه يبخل في توزيعه أو مشاركته مع الآخرين.
الفرق بين البخل والشح
1. البخل هو قلة الإنفاق:
البخل يعنى أن الإنسان يبخل بما في يديه من مال أو موارد على الآخرين، لكن هذا البخل يقتصر غالبًا على المال أو الممتلكات المادية فقط. يمكن للبخيل أن يكون شخصًا يتجنب الإنفاق على نفسه أو الآخرين في مواقف معينة رغم توفر الموارد لديه. البخل يمكن أن يكون أيضًا في الوقت أو في مشاعر الحب أو العطف. ومن المهم أن نذكر أن البخيل قد يُظهر من حين لآخر بعض الكرم أو السخاء، لكنه في الغالب يظل محاصرًا بالحرص على المال.
2. الشح هو الطمع المفرط والأنانية:
الشح يتجاوز البخل في درجاته، فهو يعني أن الشخص يُحجم عن أي نوع من العطاء أو المشاركة، سواء كان ذلك مالًا أو وقتًا أو حتى مشاعر. الشحيح لا يشعر بالراحة في مشاركة ما يمتلكه مع الآخرين، بل يُصر على التمسك بما لديه بأي ثمن، حتى وإن كان ذلك سيعود عليه بضرر. بمعنى آخر، الشح هو البخل المُدعم بأنانية مُفرطة وطمع لا نهاية له. الشح لا يشمل فقط تقتير المال، بل أيضًا يمكن أن يظهر في أي سياق يتطلب العطاء والمشاركة.
3. البخل قد يكون محدودًا في موقف معين:
البخيل قد يظهر كرمه في بعض الحالات التي تتطلب الإنفاق، لكنه يبخل في الحالات الأخرى. قد يكون البخل أحيانًا نتيجة لظروف معينة كالفقر أو التخوف من المستقبل، لكن لا يعني بالضرورة أن الشخص سيظل على هذه الحال دائمًا. بالمقابل، الشح يُعتبر سلوكًا مستمرًا يصعب تغييره، وهو حالة نفسية تؤثر على الشخص طوال حياته.
4. الشح في العلاقات الإنسانية:
الشحيح لا يُظهر أي نوع من العاطفة تجاه الآخرين. على العكس من البخيل، الذي قد يكون قاسيًا في تصرفاته لكن يمكنه أن يظهر بعض العطف أو الحنان في أوقات معينة، نجد أن الشح يتجلى في قلب قاسٍ لا يتجاوب مع احتياجات الآخرين. الإنسان الشحيح قد يعجز عن تقديم حتى أقل أنواع العون، مثل إظهار التعاطف مع الآخرين أو تقديم النصح، بينما قد يكون البخيل أكثر مرونة في مواقف معينة.
5. البخل قد يكون نتيجة للخوف أو الشك:
البخل أحيانًا يكون ناتجًا عن خوف الشخص من المستقبل أو من ضياع المال. قد يُظهر الشخص البخيل تحسُّنًا في سلوكه إذا شعر بالأمان المالي أو إذا شعر بأن ماله في أيدٍ أمينة. أما الشح فهو حالة نفسية معمقة، حيث يرى الشحيح أن المال أو الموارد التي يمتلكها هي غايته القصوى، ولا يمكنه تصور فكرة تقديم أي شيء للآخرين مهما كانت الظروف.
التأثيرات الاجتماعية والنفسية للبخل والشح
البخل:
-
الانعزال الاجتماعي: البخل يؤدي إلى الانعزال الاجتماعي، لأن الناس يبتعدون عن الشخص البخيل نتيجة لجشعه وعدم رغبتهم في التعامل معه.
-
قساوة القلب: البخل يؤدي إلى قسوة القلب وتبلده، بحيث يصبح الشخص البخيل غير قادر على الإحساس بمعاناة الآخرين أو تقديم العون لهم.
-
تأثير سلبي على العلاقات الأسرية: البخل قد يؤثر على العلاقة بين الزوجين أو بين الآباء والأبناء.
الشح:
-
تدمير العلاقات الإنسانية: الشح قد يؤدي إلى تدمير العلاقات الإنسانية. الشخص الشحيح قد يفقد أصدقاءه بسبب انعدام العطاء أو التعاون في الحياة اليومية.
-
الانعزال التام: إذا استمر الشح في حياة الفرد، قد ينتهي به الأمر إلى العيش في حالة من العزلة التامة، حيث يصبح غير قادر على المشاركة في أي نشاط اجتماعي أو إنساني.
-
النفور الداخلي: قد يؤدي الشح إلى شعور الشخص بالفراغ الداخلي، حيث يُحرم من التفاعل الإنساني الحقيقي الذي يعزز الشعور بالانتماء والرحمة.
الخاتمة
البخل والشح من الصفات السيئة التي تضر الفرد والمجتمع، رغم أن الفرق بينهما قد يبدو بسيطًا إلا أنه يحمل دلالات عميقة. فالبخل هو الامتناع عن العطاء بشكل عام، بينما الشح هو أكثر تطرفًا حيث يصل إلى درجة الأنانية والطمع المفرط. من المهم أن يعي الإنسان تأثير هذه الصفات السلبية على حياته الشخصية والاجتماعية، وأن يسعى للتخلي عنها والعمل على نشر روح الكرم والعطاء التي تحسن من العلاقات الإنسانية وتساهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا.
