الفرق بين إشكالية البحث ومشكلة البحث: تحليل دقيق
يعد تحديد الفروق بين “إشكالية البحث” و”مشكلة البحث” من المواضيع التي تحظى بأهمية خاصة في مجال البحث العلمي، حيث يتطلب الأمر دقة متناهية في تحديد كل مصطلح منهما والوظيفة التي يؤديها كلٌ منهما ضمن سياق البحث. على الرغم من أن المصطلحين قد يُستخدَمان بشكل متبادل في بعض الأحيان، إلا أن هناك اختلافات جوهرية بينهما تتعلق بمحتوى البحث وأسلوب معالجته. في هذا المقال، سيتم تقديم تحليل شامل للفرق بين إشكالية البحث ومشكلة البحث، مع توضيح الأبعاد النظرية والعملية لكل منهما.
تعريف مشكلة البحث
تُعرف “مشكلة البحث” بأنها سؤال أو قضية غير محلولة في مجال معين من المعرفة والتي يسعى الباحث إلى إيجاد حل لها من خلال دراسته. تُعد مشكلة البحث بمثابة نقطة الانطلاق في أي دراسة علمية؛ فهي تعبر عن الموضوع الذي يتطلب استكشافًا أو تحليلاً أو تفسيرًا، وتكون غالبًا محورية في بناء البحث.
مشكلة البحث تتسم بالوضوح والتحديد، حيث يتعين على الباحث أن يُحدد بدقة ما هي الظاهرة أو القضية التي يريد دراستها. تكمن أهمية مشكلة البحث في أنها توجه البحث العلمي نحو هدف محدد، كما أنها تعكس فجوة معرفية أو غموضاً يحتاج إلى تفسير. يمكن أن تكون المشكلة مرتبطة بنظرية علمية أو تطبيق عملي، وتحتاج إلى تحليل من أجل إيجاد إجابة أو حل.
تعريف إشكالية البحث
إشكالية البحث، على الرغم من أنها قد تبدو مشابهة لمشكلة البحث في الظاهر، إلا أنها تحمل بُعدًا أعمق وأكثر تعقيدًا. إذ أن إشكالية البحث تُعتبر مجالًا أوسع من مشكلة البحث، حيث تتناول الإطار العام للمشكلة وتستعرض مختلف جوانبها وأبعادها. كما أنها تتعلق بالمعوقات والتحديات التي قد يواجهها الباحث أثناء محاولته تفسير أو دراسة الظاهرة.
إشكالية البحث تتضمن في الغالب تساؤلات متنوعة تدور حول مشكلة البحث، بحيث يقوم الباحث بمحاولة فهم الأسباب الكامنة وراء المشكلة وأبعادها المتعددة. قد تتطلب الإشكالية تناول منظور متنوع أو منظور متعدد التخصصات، بما يتيح للباحث أن يستكشف الظاهرة من زوايا مختلفة. في هذا الإطار، تبرز الحاجة إلى طرح تساؤلات فرعية وأدوات منهجية متعددة لدراسة المشكلة بعمق أكبر.
الفروق الجوهرية بين إشكالية البحث ومشكلة البحث
بالتأكيد، هنالك فرق كبير بين “إشكالية البحث” و”مشكلة البحث”، ويمكن تلخيص هذه الفروق في النقاط التالية:
-
التعريف والمفهوم:
-
مشكلة البحث هي السؤال أو القضية المحددة التي يرغب الباحث في الإجابة عليها أو حلها.
-
إشكالية البحث هي الإطار الأوسع الذي يحتوي على مجموعة من الأسئلة المتشابكة والمتعلقة بمشكلة البحث، وتتناول جوانب متعددة لهذه المشكلة.
-
-
الطبيعة والتركيز:
-
مشكلة البحث تركز على قضية واحدة بعينها وتتطلب تحديدًا دقيقًا للظاهرة أو القضية.
-
إشكالية البحث تتسم بالتعددية والتعقيد، حيث تتعامل مع أبعاد مختلفة للمشكلة.
-
-
دور الباحث:
-
في مشكلة البحث، يقوم الباحث بتحديد السؤال الأساسي الذي يحتاج إلى إجابة مباشرة.
-
في إشكالية البحث، يقوم الباحث بتحديد المجال الذي يتيح له فحص جوانب مختلفة من المشكلة، وقد يتطلب الأمر استخدام منهجيات متعددة لاستكشاف أبعاد متنوعة.
-
-
الوظيفة:
-
مشكلة البحث هي ما يشكل محرك البحث، أي ما يوجه الدراسة نحو الهدف النهائي.
-
إشكالية البحث تساهم في بناء الإطار النظري للدراسة، مما يساعد على فحص المشكلة من جميع الزوايا الممكنة.
-
-
التركيز الزمني:
-
مشكلة البحث هي نقطة البداية التي تترجم إلى أهداف بحثية، والتي يتم العمل عليها طوال فترة الدراسة.
-
إشكالية البحث تظهر بشكل أوسع، وقد تبقى موضوعًا مستمرًا مع تطور البحث أو حتى في الأبحاث المستقبلية.
-
-
إعادة الصياغة والتطوير:
-
يمكن أن تتغير مشكلة البحث مع تطور الدراسة أو مع التقدم في البحث العلمي.
-
إشكالية البحث تكون أكثر مرونة في تضمين تساؤلات جديدة ومتعددة، وتسمح بإعادة التقييم والتطوير بناءً على النتائج التي تم التوصل إليها.
-
أهمية التمييز بين إشكالية البحث ومشكلة البحث
التمييز بين هذين المصطلحين يعد أمرًا بالغ الأهمية في أي دراسة علمية. من خلال فهم الفارق بين “مشكلة البحث” و”إشكالية البحث”، يمكن للباحث أن يتبع منهجية دقيقة ومتكاملة لدراسة الظاهرة أو القضية محل البحث. في الحقيقة، إشكالية البحث توفر للباحث التوجيه الأمثل في صياغة مشكلته الرئيسية، مما يجعلها أكثر دقة وواقعية.
إذا تم تحديد مشكلة البحث دون النظر إلى الإشكالية الشاملة، قد يؤدي ذلك إلى ترك بعض الجوانب غير المدروسة أو المعقدة من المشكلة. من جهة أخرى، إذا تمت معالجة إشكالية البحث بشكل غير متكامل، فإن ذلك قد يؤدي إلى تضييق نطاق البحث وبالتالي تقليل قدرة الباحث على الوصول إلى نتائج علمية دقيقة وموثوقة.
كيفية صياغة مشكلة البحث وإشكاليته
لصياغة مشكلة البحث، يجب أن يقوم الباحث بتحديد موضوع البحث بدقة شديدة، مع الأخذ في الاعتبار أهمية الوضوح والاختصار. يمكن للباحث استخدام الأدبيات السابقة والتجارب العلمية لتحديد مكان الفجوة المعرفية التي يجب أن يتناولها البحث. ينبغي أن تكون مشكلة البحث قابلة للاختبار من خلال المنهجيات المختلفة سواء كانت كمية أو نوعية.
أما بالنسبة إشكالية البحث، فينبغي أن تتضمن تساؤلات واسعة تخص جوانب متعددة من الموضوع، تشمل السياق التاريخي، الاجتماعي، الثقافي أو العلمي للمشكلة. يجب على الباحث تحديد كيف يمكنه تناول المشكلة من مختلف الزوايا، وكيف ستؤثر هذه الزوايا على نتائج الدراسة.
الختام
لا شك أن التمييز بين إشكالية البحث ومشكلة البحث يُعد جزءًا أساسيًا في بناء أي دراسة علمية محكمة. تتطلب مشكلة البحث توجيهًا دقيقًا نحو الحل أو التفسير المباشر لقضية معينة، بينما تتطلب إشكالية البحث رؤية أوسع تشمل مختلف جوانب القضية. من خلال التعمق في فهم الفروق بين المصطلحين، يمكن للباحث تحسين جودة دراسته العلمية وضمان تأثير نتائجها في مجالات متعددة.
