الغسل المجزئ وأحكامه في الإسلام

الغسل المجزئ في الإسلام وأحكامه

يُعدّ الغُسل في الإسلام من أعظم شعائر الطهارة التي شرعها الله تعالى لعباده، وهو وسيلة للتطهر من الحدث الأكبر وبلوغ الطهارة التامة التي تؤهل المسلم لأداء العبادات المشروطة بالطهارة مثل الصلاة، والطواف، وقراءة القرآن الكريم. وقد جاءت النصوص الشرعية مقرّرة لفريضة الغُسل في مواضع محددة، ومبيّنةً لأنواعه، ومن بين هذه الأنواع ما يُعرف بالغُسل المجزئ، وهو الحد الأدنى من الغُسل الذي تتحقق به الطهارة الشرعية، دون أن يشتمل على السنن والمستحبات. ويُعد هذا الغسل مقبولًا وصحيحًا في الشريعة الإسلامية متى استوفى أركانه وواجباته.

مفهوم الغسل المجزئ

الغُسل المجزئ هو: الغُسل الذي يقتصر فيه المسلم على أداء الفرض دون المندوبات، أي يكتفي بفعل ما يُحقق الطهارة فقط، دون مراعاة السنن والمستحبات التي تزيد من كمال الغُسل. وبهذا الغُسل ترتفع الجنابة أو الحيض أو النفاس، ويصبح المسلم طاهرًا يَحِلّ له أداء ما لا يجوز فعله على غير طهارة.

وقد اتفق العلماء على أن الغُسل المجزئ يرفع الحدث الأكبر ويجزئ عن الغُسل الكامل، ولكنه يفوّت على صاحبه أجر اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية الغُسل.

الأدلة الشرعية على مشروعية الغسل المجزئ

وردت العديد من النصوص التي تؤصل لمشروعية الغُسل المجزئ وتؤكد أن الطهارة تُنال بتمام تحقق أركان الغُسل، ومنها قول الله تعالى:

{وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]

فالأمر في هذه الآية جاء مطلقًا، لا يُقيّد بكيفية معينة، مما يدل على أن أي غسل يتحقق به التطهر، ولو كان مقتصرًا على الفرض دون السنة، فإنه مجزئ ومحقق للطهارة المطلوبة. كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث اكتفاؤه بغُسل بعض الصحابة لأبدانهم بنية رفع الحدث، دون تفصيل في صفة الغُسل، ولم يُنكَر عليهم.

الفرق بين الغسل المجزئ والغسل الكامل

يتضح من هذا الجدول أن الغُسل المجزئ يحقق الطهارة ويرفع الحدث لكنه يفتقر إلى الكمال الذي تتضمنه صفة غُسل النبي صلى الله عليه وسلم من حيث الترتيب والدلك والسنن.

أركان الغسل المجزئ

الغُسل المجزئ يقوم على ركنين أساسيين لا يصح إلا بهما:

1. النية: وهي أن ينوي المسلم رفع الحدث الأكبر سواء كان جنابة أو حيضًا أو نفاسًا. ومحلها القلب، فلا تُشترط باللسان.

2. تعميم الجسد بالماء: بأن يُوصل الماء إلى جميع الجسد، ظاهرًا وباطنًا، بما في ذلك الشعر، والبشرة، وما تحت الإبطين، وداخل السرة، وبين الأصابع.

ويُستحب عند الغسل فرك الجسد وإزالة ما يمنع وصول الماء، كالشمع أو الطين أو الطلاء، ولكن هذا لا يُعد من أركان الغُسل.

شروط صحة الغسل المجزئ

لا يكون الغُسل المجزئ صحيحًا إلا باستيفاء الشروط التالية:

• الإسلام: فلا يصح الغُسل من غير المسلم إلا في حال إسلامه كغُسل التطهر.

• العقل: فالمجنون لا يُكلّف، ولا يصح غُسله إلا إذا عاد إليه عقله.

• التمييز: وهو أن يكون الشخص مميزًا يعرف مقصود الغُسل ويميز بين العبادة والعادة.

• انقطاع الحدث الموجب للغسل: كتمام انقطاع الحيض أو النفاس أو الجماع أو خروج المني.

• عدم وجود مانع من وصول الماء إلى الجسد: فلا يصح الغُسل بوجود ما يمنع وصول الماء للبشرة مثل الطلاء السميك.

متى يجزئ الغسل المجزئ؟

يجزئ الغُسل المجزئ في الحالات التالية بشرط توافر النية وتعميم الجسد بالماء:

• بعد خروج المني بشهوة، سواء في اليقظة أو المنام.

• بعد الجماع ولو لم يحدث إنزال.

• بعد انقطاع دم الحيض أو النفاس.

• إذا أراد المسلم اعتناق الإسلام وكان على جنابة أو حيض.

• عند غسل الميت.

صفة الغسل المجزئ

تتم صفة الغسل المجزئ على النحو التالي:

1. يبدأ المسلم بالنية في قلبه (ولا يُشترط التلفظ بها).

2. يُفيض الماء على جميع بدنه مرة واحدة أو على دفعات بحيث يغسل جميع أعضائه الظاهرة والباطنة.

3. يُراعى تعميم الماء على الشعر، وإيصال الماء إلى منابت الشعر.

4. لا يُشترط الترتيب أو المضمضة أو الاستنشاق أو غسل الأعضاء ثلاثًا، لأن المقصود رفع الحدث وليس أداء السنن.

أحكام فقهية متعلقة بالغسل المجزئ

أولًا: حكم الصلاة بعد الغسل المجزئ

من اغتسل غُسلًا مجزئًا بنية رفع الحدث الأكبر، فإن له أن يصلي مباشرة بعده، ما دام قد عمم جسده بالماء. ولا يُشترط إعادة الوضوء، لأن الغُسل الكامل المجزئ يَجْمَع بين الغُسل والوضوء.

ثانيًا: حكم الغُسل بدون إزالة النجاسة

إذا كانت هناك نجاسة على البدن، فالأصح أن تزال قبل الغُسل، لكن إن زالت أثناء تعميم الماء على الجسد، وصحّت النية، فإن الغُسل يُجزئ أيضًا.

ثالثًا: إذا نسي جزءًا من الجسد

إن نسي المُغتسل جزءًا من جسده ولم يُصبه الماء، فلا يُعد الغسل صحيحًا، ويجب إعادة الغسل. أما إذا أصابه الماء لاحقًا أثناء الغسل قبل الانتهاء منه وتعميم الماء، فلا حرج.

الغسل المجزئ والوضوء

ذهب جمهور العلماء إلى أن الغُسل المجزئ إذا كان بنية رفع الحدث الأكبر، فإنه يُغني عن الوضوء، لأنه يشمل غسل ما يجب في الوضوء من أعضاء، بل وزيادة. وهذا قول المالكية والشافعية والحنابلة، بشرط أن يتوضأ ضِمن الغُسل أو يُعمم الجسد بالماء بنية رفع الحدث. أما الحنفية، فيرون أن الغُسل لا يُغني عن الوضوء إلا إذا نُوي به رفع الحدثين معًا (الأكبر والأصغر).

فوائد معرفة الغسل المجزئ

تكمُن أهمية معرفة الغُسل المجزئ في تيسير الطهارة على المسلم، وخاصة في حالات العجلة أو السفر أو الخوف من فوات الوقت. ومن فوائد معرفة هذا النوع من الغسل:

• تحقيق المقصود من الطهارة بأبسط الوسائل.

• تعليم الحد الأدنى للطهارة الشرعية للناس عامة.

• الإرشاد الفقهي لمن تعذر عليه الغُسل الكامل.

• التمييز بين الفرض والمندوب في العبادات.

تطبيقات فقهية معاصرة

الغُسل المجزئ في الحج والعمرة

من نزل عليه الجنابة أثناء الإحرام بالحج أو العمرة، واغتسل غُسلًا مجزئًا دون استعمال المنظفات المعطرة أو صابون معطر، أجزأه ذلك دون حرج، وارتفع عنه الحدث وتمكن من متابعة أعمال النسك.

الغُسل المجزئ في المستشفيات

في الحالات الطبية التي يتعذر فيها أداء الغُسل الكامل (كوجود جروح أو أنابيب طبية)، فإن الغُسل المجزئ يكون الحل الشرعي الأمثل لتحقيق الطهارة دون الإضرار بالمريض.

خاتمة

الغُسل المجزئ يُعدّ ركنًا أصيلًا من أركان الطهارة في الإسلام، تتحقق به الطهارة الكبرى على الوجه الذي تبرأ به الذمة وتُصحّ به العبادات. وقد راعت الشريعة الإسلامية في تشريعه التيسير ورفع الحرج، فجعلته كافيًا دون إلزام الناس بالكيفية الكاملة إذا لم يستطيعوها أو كانوا في حال ضرورة. وبهذا يتجلّى فقه الإسلام في إدراكه لحاجات الناس وظروفهم، فشرع من الطهارة ما يرفع الحدث ويُبقي على الكرامة، ويحقق المقصد الأسمى من العبادات، وهو تعظيم الله والامتثال لأوامره.

المراجع:

1. ابن قدامة، المغني، دار الفكر.

2. النووي، المجموع شرح المهذب، دار الفكر.