العيوب المانعة في الأضحية

شرح حديث: العيوب التي لا تجزئ في الأضحية – دراسة فقهية تفصيلية

تعد الأضحية من الشعائر العظيمة التي شرعها الإسلام إحياءً لسنة إبراهيم عليه السلام، وتأكيدًا للتقوى والطاعة والامتثال لأوامر الله تعالى. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أحكام الأضحية بالتفصيل، ووضح العيوب التي تمنع الإجزاء في الأضحية، من خلال أحاديث نبوية صحيحة ثابتة. ويُعتبر حديث البراء بن عازب رضي الله عنه من الأحاديث الجامعة في هذا الباب، حيث بيّن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم العيوب الأربعة التي لا تُجزئ معها الأضحية. هذا المقال يتناول شرحًا فقهيًا مفصلاً لهذا الحديث، مع استعراض أقوال العلماء والفقهاء في المسألة، ومناقشة الأحكام المرتبطة بها.

نص الحديث الشريف ودلالته الفقهية

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:

“أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسير التي لا تنقي”

رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، وصححه الألباني.

هذا الحديث يُعد أصلًا في بيان العيوب التي تمنع إجزاء الأضحية. وقد ورد بصيغ متعددة، لكن كلها تدور حول تحديد العيوب الأربعة التي لا تُجزئ معها الأضحية. وقد استنبط العلماء من الحديث وما يتفرع عنه من روايات فقهًا غنيًا يشكل أساسًا لمعايير قبول الأضحية.

الشرح المفصل للعيوب الأربعة

1. العوراء البين عورها

العور: هو فقد البصر في إحدى العينين. والبين: ما كان ظاهرًا لا يُخفى على الناظر.

ومعنى “العوراء البين عورها”: هي الشاة التي يظهر في عينها فقد البصر أو النقصان الشديد فيه، بحيث يتغير شكل العين ويظهر عليه العمى بوضوح. أما إذا كان العور خفيًا أو لا يؤثر في سير الحيوان ولا في صحته، فإن الأضحية قد تجزئ عند بعض العلماء.

وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن العور البين مفسد للأضحية لأنه ينقص من بهاء وسلامة الحيوان، وهو من مقاصد الشريعة في الأضحية أن تكون كاملة الجسم خالية من العيوب الظاهرة.

2. المريضة البين مرضها

المرض البين هو الذي تظهر أعراضه وآثاره على البهيمة، مثل الهزال الشديد، أو الحمى، أو خروج القيح من الأنف أو العين، أو اضطراب المشي، أو الامتناع عن الأكل والشرب.

والمرض سبب في ضعف الأضحية وفساد لحمها، ولذلك كان من المعايير التي لا تجزئ معها الأضحية. ويُفهم من الحديث أن المرض إذا لم يكن ظاهرًا أو مؤثرًا، فقد تُجزئ الأضحية عند بعض الفقهاء، على اعتبار أن المقصود هو كمال المنفعة وسلامة الخِلقة.

3. العرجاء البين ظلعها

العرج هو اضطراب في حركة الحيوان بسبب إصابة أو مرض في أحد أطرافه.

ومعنى “العرجاء البين ظلعها”: التي يظهر في مشيها أنها لا تستخدم إحدى أرجلها استخدامًا طبيعيًا. أما إن كان العرج خفيفًا بحيث لا يؤثر في سيرها بشكل واضح، فإن ذلك لا يمنع من إجزائها.

وقد نص العلماء على أن الحكم يدور مع الوصف البين، فإذا اختفى الأثر أو زال العرج، صحّت الأضحية.

4. الكسيرة التي لا تُنقي

الكسير: هي الضعيفة أو الهزيلة جدًا التي لا تحتوي على مخ داخل العظام بسبب شدة هزالها.

و”لا تُنقي”: أي لا تملأ عظامها بالمخ لهزالها الشديد. وهذا وصف بالغ في الضعف، وهو دال على مرض مزمن أو سوء تغذية شديد.

ويُعتبر هذا العيب من أشد العيوب لأنه يدل على فساد بنية الأضحية، وضعف لحمها ومخها، مما يخرجها عن مقصود الشريعة في اختيار الأضاحي الطيبة النافعة.

القياس على هذه العيوب وما يلحق بها

أجمع العلماء على أن العيوب المذكورة في الحديث لا تُجزئ في الأضحية، كما أنهم توسعوا في ذكر عيوب أخرى قاسوها على هذه العيوب، بناءً على قاعدة: “القياس على المعنى”.

من العيوب التي ألحقها العلماء بالمذكورة في الحديث:

وقد استدل الفقهاء في هذا بالإجماع والمعقول؛ لأن المقصود من الأضحية التقرب إلى الله بالطيب الكامل، وهذه العيوب تنقص من قدر القربان وتضرّ بمقاصد الشريعة.

مذهب الفقهاء في العيوب المانعة من الإجزاء

الحنفية

يرون أن الأضحية لا تجزئ إذا كان في البهيمة عيب يذهب بعض لحمها أو يؤثر في صحتها. وقد فصّلوا العيوب المانعة واعتبروا الهزال الشديد، والعرج البين، والعور الفاحش، وأمثالها من الموانع. كما أجازوا الأضحية بما لا يؤثر في صلاحية اللحم أو لا يُلاحظ ظاهريًا.

المالكية

اشترطوا السلامة من العيوب البينة، واعتبروا الأضحية سنة مؤكدة يُستحب أن تكون كاملة من كل وجه. وقد ألحقوا بعض العيوب غير المذكورة في الحديث بالمذكورة قياسًا على تأثيرها على المنفعة والطيب.

الشافعية

قالوا بعدم إجزاء كل ما كان به عيب فاحش يُنقص من البهيمة أو يُذهب شيئًا من أعضائها أو قوتها. وفسّروا الحديث على أنه تحديد للأمثلة وليس للحصر، ويجوز القياس عليها.

الحنابلة

اعتبروا العيوب الأربعة المذكورة في الحديث مانعة من الإجزاء بنص الحديث، وألحقوا بها كل ما كان بمعناها أو أشد منها. واشتهر مذهبهم بالاهتمام بظاهر النصوص والعمل بها مع فقه دقيق لمعانيها.

التعامل مع الأضحية إن وُجد بها عيب بعد الشراء

إذا اشترى المسلم أضحية سليمة، ثم أصابها عيب قبل الذبح بدون تفريط منه، فإنها تجزئ، لأن العيب لم يكن موجودًا وقت التعيين أو الشراء، ولا ذنب له فيه. أما إن كان العيب بسبب تفريط، أو تعمد إهمال، فإن عليه أن يستبدلها بأخرى سليمة.

وهذا الحكم من باب رفع الحرج عن الناس، وتحقيق مقاصد الشرع في عدم تحميل المسلم ما لا يطيق. وقد اتفقت المذاهب الفقهية على ذلك.

الحكمة من اشتراط السلامة في الأضحية

اشترط الإسلام السلامة من العيوب الظاهرة في الأضاحي لتحقيق عدة مقاصد شرعية عظيمة:

1. تعظيم شعائر الله
   
   قال تعالى: “ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” [الحج: 32]. ومن تعظيم الشعيرة تقديم أفضل ما يُملك.

2. إظهار البذل والنية الصالحة
   
   فإهداء حيوان كامل سليم يعبر عن الرغبة في التقرب إلى الله بأفضل القربات.

3. الانتفاع الكامل بلحم الأضحية
   
   إذ إن المقصود منها هو طعام للفقراء والمساكين، فلا يصح أن يُطعموا من بهيمة مريضة أو ناقصة.

4. اتباع السنة النبوية
   
   فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يختار أطيب الأضاحي، وقد قال: “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا”.

الفرق بين العيوب المانعة من الإجزاء والعيوب المكروهة

ينبغي التنبه إلى أن بعض العيوب لا تمنع صحة الأضحية لكنها تُكره، مثل:

• قطع جزء يسير من الأذن أو الذيل.

• كسر في القرن لا يؤثر في البهيمة.

• كبر السن دون تأثير في الصحة.

فهذه العيوب تُجزئ معها الأضحية، لكنها لا تفضل، إذ الأفضل في الأضاحي ما كان أكمل خلقًا وأجمل منظرًا.

الضوابط الشرعية لاختيار الأضحية

ينبغي للمسلم عند اختيار الأضحية أن يراعي ما يلي:

• أن تكون من بهيمة الأنعام: الإبل، البقر، الغنم.

• أن تبلغ السن المشروع: جذعة من الضأن، وثنية من غيره.

• أن تكون خالية من العيوب المانعة.

• أن تُشترى من مال حلال.

• أن تُذبح في الوقت المحدد: بعد صلاة العيد إلى غروب شمس آخر أيام التشريق.

الخاتمة

يتضح من خلال دراسة حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن الشريعة الإسلامية وضعت معايير دقيقة لاختيار الأضحية، وحرصت على أن تكون كاملة سالمة من العيوب الظاهرة التي تُنقص من قيمتها وحُسنها. كما أن الحديث يعتبر من الأحاديث الجامعة في باب الأضاحي، ويُستدل به على كثير من الأحكام المتعلقة بسلامة الأضاحي وإجزائها. وقد تعامل الفقهاء مع هذا الحديث بعناية كبيرة، فاستنبطوا منه ومن غيره من النصوص قواعد فقهية تعزز من مقاصد الشريعة في باب العبادات.

المصادر والمراجع:

1. “المجموع” للنووي، دار الفكر، بيروت.

2. “المغني” لابن قدامة، مكتبة القاهرة.