لماذا يضرب الأزواج زوجاتهم، ولماذا تسكت الزوجات؟

تُعدّ ظاهرة العنف الزوجي إحدى أبرز القضايا الاجتماعية المعقدة التي تمس النسيج الأسري بشكل مباشر، وتنعكس آثارها السلبية على الفرد والمجتمع في آن واحد. العنف الجسدي واللفظي الذي يمارسه بعض الأزواج ضد زوجاتهم لا ينبع من فراغ، بل يُعتبر نتيجة تراكمات ثقافية، نفسية، اجتماعية واقتصادية، تكرّست عبر أجيال، وتُغذّى أحيانًا بمنظومات قانونية أو دينية أو اجتماعية تُطبّق بشكل خاطئ أو مجتزأ. ومن جهة أخرى، فإن سكوت الزوجات عن هذا العنف لا يقلّ تعقيدًا عن ممارسته، إذ يرتبط بعدة عوامل متشابكة تتراوح بين الخوف، والعجز، والموروث الثقافي، والضغوط الاقتصادية، والافتقار إلى الدعم القانوني أو المجتمعي.

الخلفيات التاريخية والثقافية للعنف الزوجي

ارتبطت بعض المجتمعات بنظرة ذكورية تضع الرجل في مرتبة أعلى من المرأة، وتمنحه سلطة مطلقة داخل الأسرة. هذه السلطة، التي يراها البعض “حقًا شرعيًا”، تتحوّل أحيانًا إلى وسيلة لإخضاع الزوجة وترويضها. عبر التاريخ، كان من الشائع في بعض الثقافات أن يُنظر إلى المرأة ككائن ناقص، ضعيف، تابع للرجل في فكره وسلوكه وكيانه. ومع أن العديد من المجتمعات تقدّمت في مجال حقوق المرأة، إلا أن بقايا هذه العقائد القديمة ما زالت تلوّن العلاقة الزوجية في عدد كبير من البيئات.

في بعض الدول، كان العنف الجسدي يُبرَّر تحت مسمّى “التأديب”، ويُستند إلى تفسيرات دينية أو أعراف تقليدية تعطي للرجل هامشًا واسعًا لممارسة السيطرة على زوجته. هذه التأويلات المغلوطة كانت ولا تزال تُستخدم لتبرير الضرب، على الرغم من أن المفاهيم الدينية الصحيحة ترفض العنف وتحضّ على المعاملة الحسنة والرحمة.

العوامل النفسية المسببة للعنف

من بين أهم العوامل التي تدفع بعض الأزواج إلى ممارسة العنف ضد زوجاتهم، العامل النفسي. فكثير من الرجال الذين يمارسون الضرب يعانون من اضطرابات شخصية مثل النرجسية، أو السادية، أو العدوانية المتأصلة. وقد يكون العنف نتيجة لتجربة قاسية في الطفولة، كأن يكون الزوج قد شهد العنف بين والديه، فترسّخت في لاوعيه فكرة أن القوة والعنف وسيلتان لحلّ النزاعات.

الضغط النفسي الناتج عن البطالة، أو الفشل المهني، أو الفقر، أو التعرض للضغوط المجتمعية، قد يدفع بعض الرجال إلى التنفيس عن غضبهم في الحلقة الأضعف في الأسرة: الزوجة. في هذه الحالة، لا يكون الضرب موجّهًا ضد تصرفات محددة للزوجة، بل يُعدّ نتيجة لفقدان الرجل السيطرة على ذاته.

الدور الاجتماعي في تكريس العنف

في العديد من المجتمعات، يُنظر إلى الرجولة من زاوية القوة والتسلّط. يُربّى الذكور منذ الطفولة على أن البكاء ضعف، واللين تهاون، والحزم يعني الصوت العالي واليد القوية. وعلى النقيض، تُربّى الفتيات على الطاعة، والصبر، والتنازل، وتحمل الظلم من أجل “الحفاظ على البيت”. هذه التربية الثنائية تخلق فجوة في وعي كل من الرجل والمرأة، وتُرسّخ نمطًا من العلاقات يُسهّل ممارسة العنف من طرف ويسكت الطرف الآخر عنه.

كما تُسهم وسائل الإعلام أحيانًا في تكريس صور نمطية للعلاقة الزوجية تقوم على تحمّل الزوجة لكل سلوكيات الزوج بدعوى الحب أو التضحية أو التماسك الأسري، وهو ما يعزز ثقافة السكوت عن العنف.

الآثار النفسية للعنف على المرأة

تؤدي ممارسة العنف ضد المرأة إلى تدمير شخصيتها تدريجيًا، إذ يبدأ الأمر بفقدان الثقة بالنفس، ثم تتطور الحال إلى الشعور بالذنب، والاكتئاب، والقلق الدائم، واضطرابات في النوم، وقد يصل الأمر إلى التفكير في الانتحار أو رفض الحياة الزوجية تمامًا. الضرب لا يترك أثرًا على الجسد فحسب، بل يغرس جروحًا عميقة في الوجدان والذاكرة.

كما أن المرأة المُعنَّفة قد تُصاب بما يُعرف بمتلازمة “الضحية المتعاطفة”، حيث تبدأ في تبرير عنف الزوج، وتراه رد فعلٍ طبيعي على تقصيرها أو سلوكها، ما يربطها به ارتباطًا مرضيًّا يصعّب عليها مغادرة العلاقة المؤذية.

الأسباب التي تجعل الزوجات تسكت عن العنف

رغم قساوة التجربة، تسكت الكثير من الزوجات عن تعرّضهن للضرب، وتتحملن هذا الواقع بصمت قاتل. هذا السكوت له أسبابه المتنوعة:

1. الخوف من الطلاق أو فقدان الأطفال

في العديد من الثقافات، تكون حضانة الأطفال من حق الأب بعد الطلاق، خصوصًا إذا كانت الأم بلا عمل أو دخل مستقل. كما أن النظرة السلبية للمطلقة تدفع المرأة إلى تحمّل العنف حفاظًا على “استقرار شكلي” للأسرة.

2. الاعتماد الاقتصادي الكامل على الزوج

المرأة غير العاملة أو التي تعاني من الفقر تفتقر إلى القدرة على الاستقلال، ما يجعلها مضطرة لتحمل الأذى من أجل تأمين احتياجاتها واحتياجات أطفالها.

3. الضغوط العائلية والمجتمعية

في كثير من الحالات، لا تجد الزوجة دعمًا من أسرتها إذا أرادت الانفصال، بل تُطلب منها “الصبر من أجل الأولاد” أو “عدم فضح الزوج”. هذا الضغط يدفعها للسكوت حتى لا تكون منبوذة أو معيبة.

4. الموروثات الدينية المغلوطة

بعض النساء يعتقدن – نتيجة تفسير خاطئ للنصوص الدينية – أن من حق الزوج ضرب زوجته، أو أن ذلك واجبٌ عليهن تحمله كنوع من “الابتلاء” أو “الصبر في سبيل الجنة”، وهي مفاهيم شوهتها تفسيرات بشرية لا تتفق مع جوهر الرحمة في الدين.

5. الخوف من تفاقم العنف

في أحيان كثيرة، تخشى المرأة أن يؤدي اعتراضها أو التبليغ عن زوجها إلى زيادة الضرب أو حتى القتل، خصوصًا إذا كان الزوج ذا سوابق عدوانية أو يملك سطوة اجتماعية أو عائلية.

الآثار الممتدة للعنف الأسري على المجتمع

العنف الزوجي لا يقتصر أثره على الزوجة وحدها، بل يمتد ليشمل الأطفال، الذين قد يشهدون العنف أو يعيشون في بيئة مشحونة بالرعب والتوتر. هؤلاء الأطفال قد يتحولون بدورهم إلى أشخاص عدوانيين أو منغلقين نفسيًا أو فاقدي الثقة بالعلاقات الإنسانية. كما أن النساء المُعنّفات يصبحن أقل قدرة على العطاء الأسري والمجتمعي، ما يقلل من فاعلية نصف المجتمع ويؤثر على التنمية البشرية.

المعالجات المقترحة للحد من هذه الظاهرة

لمعالجة هذه الظاهرة، لا بد من مقاربة شاملة متعددة المستويات:

• الإصلاح القانوني: يجب سنّ قوانين رادعة تعاقب أي عنف يُمارس ضد المرأة، وأن تُفعَّل آليات التبليغ والحماية والإيواء بسرعة وفعالية.

• التمكين الاقتصادي للمرأة: يجب دعم النساء للحصول على فرص عمل ومصادر دخل مستقلة، حتى لا يكنّ رهينات للعنف نتيجة الحاجة المادية.

• التثقيف المجتمعي: من الضروري نشر الوعي بحقوق المرأة، وبمفاهيم العلاقة الزوجية الصحيحة، من خلال المدارس، والإعلام، والمؤسسات الدينية، والبرامج الاجتماعية.

• العلاج النفسي: توفير الدعم النفسي للزوجات المُعنّفات، وكذلك للرجال الذين يمارسون العنف، أمر حيوي في كسر دوائر التكرار والعدوى السلوكية.

• الوقاية من خلال التربية: يجب أن تبدأ الوقاية من العنف في مرحلة الطفولة، من خلال تعليم الأولاد قيم الاحترام، والمساواة، والتواصل الصحي، بدلًا من التسلط والعنف كوسيلة لحل المشكلات.

جدول يوضح المقارنة بين الأسباب التي تدفع الأزواج إلى العنف والأسباب التي تدفع الزوجات إلى السكوت عنه

الخاتمة

ظاهرة ضرب الأزواج لزوجاتهم، وصمت الزوجات عن هذا الانتهاك، تمثل مأساة إنسانية معقدة تحتاج إلى تكاتف الجهود من جميع الأطراف المعنية: القانون، والمجتمع، والمؤسسات التربوية، والدينية، والإعلام. فكسر دائرة العنف يتطلب فهمًا عميقًا لأسبابه، وإرادة جماعية لمعالجته، وتمكينًا حقيقيًا للمرأة كي تتجاوز موقع الضحية إلى موقع الفاعل والحرّ في حياتها.

المراجع:

• World Health Organization. (2021). Violence against women prevalence estimates, 2018.

• UN Women. (2023). Measuring the shadow pandemic: Violence against women during COVID-19.