العمل التطوعي في عمان

العمل التطوعي في سلطنة عمان: واقع متجدد ورؤية مستقبلية واعدة

يشكل العمل التطوعي أحد الركائز الأساسية التي تساهم في بناء المجتمعات وتطويرها، حيث يجسد روح التعاون والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، ويعزز من روح المواطنة الصالحة والانتماء الوطني. وفي سلطنة عمان، حظي العمل التطوعي باهتمام كبير من قِبل الحكومة والمجتمع على حد سواء، مما أدى إلى تنامي هذا النشاط بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة، ليصبح أحد أهم مظاهر العمل الاجتماعي والتنموي في البلاد.

تتجلى أهمية العمل التطوعي في سلطنة عمان من خلال دوره في تعزيز التنمية المستدامة والمساهمة في تحقيق الأهداف الوطنية المنشودة ضمن رؤية عمان 2040، التي تؤكد على أهمية تكامل جهود القطاع الحكومي والخاص والمجتمع المدني، من أجل بناء مجتمع عماني مزدهر قائم على قيم العمل الجماعي والتطوع.

تطور العمل التطوعي في السلطنة

مرت ظاهرة العمل التطوعي في عمان بمراحل تطور متسارعة، حيث بدأت بمبادرات فردية بسيطة في مراحل مبكرة، قبل أن تتطور إلى منظومة متكاملة تشترك فيها مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والجمعيات الأهلية والمبادرات الشبابية. وقد ساعدت المؤسسات الرسمية في السلطنة، مثل وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الشؤون الرياضية ووزارة العمل، على تنظيم وتطوير العمل التطوعي عبر سن التشريعات المناسبة وإنشاء الهيئات الداعمة مثل مركز العمل التطوعي العماني.

في البداية، كان التطوع في عمان مقتصراً على المبادرات الخيرية والاجتماعية التقليدية، مثل تقديم المساعدات للفئات المحتاجة، وتنظيم حملات نظافة في المناطق المختلفة، ودعم المناسبات الوطنية والدينية. مع مرور الوقت، توسعت مجالات العمل التطوعي لتشمل قطاعات عدة منها: التعليم، الصحة، البيئة، الثقافة، الرياضة، وخدمة المجتمع في مختلف جوانبه.

المجالات المختلفة للعمل التطوعي في عمان

يتوزع العمل التطوعي في سلطنة عمان عبر مجموعة واسعة من المجالات التي تعكس أولويات التنمية الاجتماعية والاقتصادية للسلطنة. من أبرز هذه المجالات:

1. التعليم والتدريب
   
   يشارك المتطوعون في تقديم الدعم التعليمي للطلاب المحتاجين، وتنظيم ورش عمل ودورات تدريبية تهدف إلى تنمية المهارات الحياتية والمهنية للشباب، كما يساهمون في حملات التوعية بأهمية التعليم.

2. الصحة والخدمات الطبية
   
   يساهم المتطوعون في تنظيم حملات التوعية الصحية، ودعم المستشفيات والمراكز الصحية، والمشاركة في الأنشطة المتعلقة بالصحة العامة، مثل حملات التبرع بالدم وحملات مكافحة الأمراض المعدية.

3. البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية
   
   ينشط المتطوعون في حملات التنظيف، وزراعة الأشجار، والحفاظ على الحياة البرية، والتوعية بأهمية الاستدامة البيئية، بما يعكس التزام السلطنة بحماية البيئة ضمن إطار التنمية المستدامة.

4. الثقافة والفنون
   
   يشكل العمل التطوعي دعامة قوية للمهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية، التي تعزز من الهوية الوطنية وترسخ القيم الثقافية لدى المجتمع.

5. الرياضة والأنشطة الشبابية
   
   يشارك المتطوعون في تنظيم البطولات الرياضية، ودعم الأندية الشبابية، والمساهمة في تنمية المهارات الرياضية والبدنية لدى الشباب.

6. خدمة المجتمع ودعم الفئات الضعيفة
   
   تشمل جهود المتطوعين مساعدة الأسر الفقيرة، ودعم كبار السن، والعناية بذوي الاحتياجات الخاصة، مما يعكس روح التضامن الاجتماعي التي تميز المجتمع العماني.

التشريعات والدعم الحكومي للعمل التطوعي

أولت الحكومة العمانية أهمية كبيرة لتنظيم العمل التطوعي، حيث صدرت عدة تشريعات تهدف إلى تطوير هذا القطاع وضمان استدامته، من أبرزها قانون الجمعيات الخيرية والتنمية الاجتماعية، الذي ينظم عمل الجمعيات الأهلية والمؤسسات التطوعية ويحدد حقوقها وواجباتها. كما تم تأسيس عدد من الجهات المتخصصة، مثل مركز العمل التطوعي العماني، الذي يقوم بدور المحفز والمنظم لأنشطة التطوع، ويعمل على بناء قاعدة بيانات للمتطوعين وتنظيم حملات التوعية والتدريب.

بالإضافة إلى ذلك، توفر الحكومة تسهيلات متعددة للمتطوعين والمؤسسات التطوعية من حيث التدريب، والتمويل، والدعم اللوجستي، بالإضافة إلى توفير منصات إلكترونية تتيح التواصل والتنسيق بين الجهات المختلفة العاملة في المجال التطوعي.

دور المجتمع المدني والمنظمات التطوعية

تلعب الجمعيات والمؤسسات الأهلية دوراً محورياً في دفع عجلة العمل التطوعي في عمان. فهذه المؤسسات تعمل على تنظيم البرامج والمبادرات التطوعية، وتعزيز ثقافة التطوع بين مختلف الفئات العمرية، وخاصة الشباب. من خلال العمل المشترك بين الجمعيات والقطاعين الحكومي والخاص، تحققت نجاحات كبيرة في تنفيذ مشاريع تنموية متنوعة ساهمت في تحسين جودة الحياة في العديد من المناطق.

كما يتميز المجتمع العماني بتفاني أفراده في العمل التطوعي، إذ يمثل الشباب النسبة الأكبر من المتطوعين، مما يعكس وعيهم بأهمية المشاركة في بناء وطنهم ودعم نهضته الاجتماعية والاقتصادية.

التحديات التي تواجه العمل التطوعي في سلطنة عمان

رغم النجاحات الكبيرة التي حققها العمل التطوعي في السلطنة، فإنه يواجه عدداً من التحديات التي تحتاج إلى معالجتها لتعزيز دوره وتأثيره، من أهمها:

• نقص الوعي والتثقيف: ما زال بعض فئات المجتمع يفتقر إلى الفهم العميق لمفهوم التطوع وأهميته، مما يحد من المشاركة الفاعلة.

• قلة الموارد المالية والبنية التحتية: تحتاج بعض المؤسسات التطوعية إلى دعم مالي أكبر لتوسيع نشاطاتها، كما أن بعض المناطق تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة لتنفيذ برامج تطوعية فعالة.

• التنسيق بين الجهات المختلفة: يتطلب العمل التطوعي وجود آليات فعالة للتنسيق بين الجهات الحكومية والجمعيات الأهلية لضمان استغلال الموارد بشكل أفضل وتجنب التداخل.

• استمرارية العمل التطوعي: يحتاج التطوع إلى بناء قاعدة ثابتة من المتطوعين المدربين والمحفزين، للحفاظ على استمرارية البرامج وتحقيق الأثر المرجو.

مستقبل العمل التطوعي في عمان

ينظر إلى العمل التطوعي في سلطنة عمان باعتباره رافداً هاماً لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز المجتمع المدني. ومن هذا المنطلق، تعمل الجهات المختصة على تطوير استراتيجيات تهدف إلى رفع مستوى المشاركة التطوعية من خلال الاستثمار في التعليم والتدريب، وبناء قدرات المتطوعين، وتبني التكنولوجيا الحديثة لتسهيل التواصل والتنسيق.

تتضمن الرؤية المستقبلية تعزيز دمج العمل التطوعي في المناهج التعليمية، وتشجيع القطاع الخاص على تبني المسؤولية الاجتماعية والتطوعية، بالإضافة إلى توسيع نطاق المشاريع التطوعية لتشمل مجالات جديدة مثل التكنولوجيا، وريادة الأعمال الاجتماعية، والطوارئ والكوارث.

جدول يوضح تطور عدد المتطوعين وأنواع المبادرات في سلطنة عمان خلال السنوات الأخيرة

يبرز من الجدول الزيادة المستمرة في عدد المتطوعين وتنوع المبادرات، مما يؤكد تطور العمل التطوعي وتوسع مجالاته في سلطنة عمان.

خلاصة

يمثل العمل التطوعي في سلطنة عمان تجربة ناجحة ومتطورة تعكس مدى التزام المجتمع والحكومة بمبادئ التكافل الاجتماعي والتنمية المستدامة. إن جهود المتطوعين والمؤسسات التطوعية، بدعم حكومي مستمر، تساهم بشكل فعال في بناء مجتمع قوي ومتماسك قادر على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية الشاملة. كما أن المستقبل يحمل في طياته فرصاً واسعة لتوسيع نطاق العمل التطوعي وتحسين تأثيره عبر دمج التقنيات الحديثة وتعزيز المشاركة المجتمعية في كافة القطاعات الحيوية.

مما لا شك فيه أن تعزيز ثقافة التطوع وترسيخها في المجتمع العماني سيظل ركيزة أساسية للنهوض الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما يضع سلطنة عمان في مصاف الدول التي تعي أهمية هذا العمل في بناء مستقبل مستدام يضمن الرفاه والازدهار لأبنائها.

المراجع

• وزارة التنمية الاجتماعية – سلطنة عمان

• مركز العمل التطوعي العماني، تقرير سنوي 2023