العلاج بالصدمات الكهربائية: تفاصيل شاملة

العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT): فهم شامل لإحدى أهم تقنيات الطب النفسي الحديث

العلاج بالصدمات الكهربائية (Electroconvulsive Therapy – ECT) يُعدّ من أكثر العلاجات إثارةً للجدل في تاريخ الطب النفسي، إلا أنّه ما زال يُستخدم حتى يومنا هذا بوصفه أحد الخيارات الفعّالة لعلاج بعض الاضطرابات النفسية المقاومة للعلاج الدوائي، وعلى رأسها الاكتئاب الحاد، والفصام، واضطراب الهوس الاكتئابي (الاضطراب ثنائي القطب). هذا العلاج، الذي ظهر لأول مرة في ثلاثينيات القرن العشرين، تطوّر بمرور الزمن بشكل ملحوظ، من تقنية بدائية ذات آثار جانبية مروعة إلى إجراء طبي آمن وفعّال يُجرى تحت التخدير الكامل ووفق ضوابط صارمة.

ماهية العلاج بالصدمات الكهربائية

العلاج بالصدمات الكهربائية هو إجراء طبي يُستخدم فيه تيار كهربائي يُمرَّر إلى الدماغ من خلال الأقطاب الموضوعة على فروة الرأس. هذا التيار يُحفز نوبة تشنج قصيرة ومضبوطة تُشبه النوبات التي تحدث في حالات الصرع، ويُعتقد أن هذه النوبات تُحدث تغييرات كيميائية في الدماغ تساهم في تحسين الأعراض النفسية.

يُجرى العلاج عادةً تحت تأثير التخدير العام، ويُستخدم مرخٍ عضلي لمنع حدوث التشنجات الجسدية القوية. تستغرق النوبة المُحرّضة كهربائيًا عادةً بين 20 إلى 60 ثانية، بينما يستغرق الجلسة بأكملها نحو 10 إلى 15 دقيقة.

تطور التقنية وأمانها الحديث

في بدايات استخدام العلاج بالصدمات الكهربائية، كان يتم دون تخدير أو مرخيات عضلية، ما أدى إلى آثار جانبية شديدة ككسور في العظام وفقدان ذاكرة دائم. إلا أنّه مع التقدم الطبي والتكنولوجي، أصبح العلاج يُجرى في بيئة طبية محكمة، بإشراف أطباء التخدير والأعصاب والنفسية.

التقنيات الحديثة تُراعي عوامل الأمان بشكل صارم. فالمريض يُفحص بدقة قبل إجراء العلاج، وتُضبط جرعة الكهرباء بعناية لتكون أقل ما يمكن مع تحقيق أقصى فعالية. كما تُجرى اختبارات دورية لوظائف القلب والدماغ لتقييم سلامة الإجراء.

دواعي استخدام العلاج بالصدمات الكهربائية

1. الاكتئاب الشديد المقاوم للعلاج

يُستخدم العلاج بالصدمات الكهربائية في الحالات التي لا تستجيب للعلاج الدوائي أو العلاج السلوكي المعرفي. وتشمل الحالات التي يُحتمل أن تُستفيد من ECT:

• الاكتئاب الحاد المصحوب بأفكار انتحارية.

• الاكتئاب الذهاني (الذي تصاحبه هلاوس أو أوهام).

• اكتئاب ما بعد الولادة الحاد.

2. الاضطراب ثنائي القطب

يُستخدم ECT في علاج نوبات الهوس الشديدة أو نوبات الاكتئاب المرتبطة بالاضطراب ثنائي القطب، خصوصًا في الحالات التي تتسم بفقدان الاستبصار أو خطورة سلوك المريض.

3. الفصام

رغم فعالية الأدوية المضادة للذهان، إلا أنّ بعض حالات الفصام المقاوم قد تستجيب للعلاج بالصدمات، لا سيما تلك المصحوبة بأعراض اكتئابية شديدة أو تثبيط حركي.

4. الكاتاتونيا (الجمود الحركي)

تُعدّ الكاتاتونيا من أقوى المؤشرات الإيجابية لاستخدام العلاج بالصدمات الكهربائية، حيث يُحدث تحسنًا سريعًا وملحوظًا.

5. أمراض عصبية ونفسية أخرى

أشارت بعض الدراسات إلى فعالية ECT في حالات مثل مرض باركنسون، والذهان العضوي، واضطرابات المزاج المرتبطة ببعض الحالات العصبية، وإن لم يكن الاستخدام في هذه الحالات واسع الانتشار.

كيفية إجراء الجلسات العلاجية

أ. التحضير قبل الجلسة

• صيام المريض عن الطعام والشراب لمدة 6 إلى 8 ساعات.

• تقييم شامل للحالة الصحية العامة، ووظائف القلب، والتحاليل الدموية.

• شرح مفصل للمريض وأسرته حول الإجراء، والموافقة الخطية على العلاج.

ب. إجراء الجلسة

• يُعطى المريض تخديرًا عامًا سريع المفعول.

• يُحقن بمرخٍ عضلي لمنع التشنج الجسدي المؤذي.

• توضع أقطاب كهربائية على الرأس (أحادية الجانب أو ثنائية الجانب).

• يُمرر تيار كهربائي مضبوط لمدة لا تتجاوز عدة ثوانٍ.

• يُراقب نشاط الدماغ، وتُسجل النوبة المُستحثة.

ج. ما بعد الجلسة

• يُراقب المريض في غرفة الإنعاش حتى زوال تأثير التخدير.

• قد يشعر المريض بتشوش مؤقت أو صداع.

• يُسمح له بمغادرة المستشفى خلال ساعات، أو يبقى إذا كان العلاج يُجرى ضمن برنامج علاجي شامل.

عدد الجلسات وفترات العلاج

غالبًا ما يتطلب الأمر من 6 إلى 12 جلسة علاجية، تُجرى بمعدل 2 إلى 3 جلسات أسبوعيًا. في بعض الحالات المزمنة أو الشديدة، قد يستمر العلاج لفترة أطول ضمن ما يُعرف بالعلاج الصيانتي (Maintenance ECT)، حيث تُجرى جلسة كل أسبوعين أو شهر حسب الحاجة.

الفوائد العلاجية المتوقعة

أ. التحسن السريع

أحد أبرز مزايا العلاج بالصدمات الكهربائية هو فعاليته السريعة، خصوصًا في حالات الاكتئاب الحاد والانتحار الوشيك، حيث قد تبدأ العلامات الإيجابية في الظهور بعد الجلستين الأوليين.

ب. بديل للأدوية في حالات خاصة

يُعدّ خيارًا مهمًا للحوامل، أو المرضى الذين يعانون من عدم تحمل الأدوية النفسية، أو تداخلات دوائية مع أمراض أخرى.

ج. تحسين نوعية الحياة

عندما يُستخدم في بيئة طبية مناسبة وتحت إشراف مختصين، يُساهم ECT في تحسين الأداء الوظيفي والاجتماعي للمريض، ويُعيد له القدرة على التفاعل مع الحياة.

الآثار الجانبية والمضاعفات المحتملة

رغم تطور الإجراء وسلامته العالية، إلا أن العلاج بالصدمات الكهربائية لا يخلو من بعض الآثار الجانبية، ومنها:

1. الآثار المؤقتة

• صداع بعد الجلسة.

• تشوش ذهني مؤقت.

• غثيان خفيف.

• آلام عضلية بسيطة.

2. الاضطرابات الذاكرية

• يُعدّ فقدان الذاكرة المؤقت (خصوصًا الذاكرة القريبة) من أشهر الآثار المرتبطة بالعلاج.

• غالبًا ما يتحسن هذا التأثير خلال أسابيع إلى أشهر بعد انتهاء العلاج.

• في بعض الحالات النادرة، قد يحدث فقدان ذاكرة طويل الأمد.

3. مضاعفات نادرة

• اختلاجات مطوّلة أو غير قابلة للسيطرة.

• اضطرابات نظم القلب.

• تفاعلات تحسسية نادرة تجاه أدوية التخدير.

مقارنة بين العلاج بالصدمات الكهربائية والعلاجات الأخرى

الجوانب القانونية والأخلاقية

في معظم الدول، يُنظم العلاج بالصدمات الكهربائية ضمن أطر قانونية صارمة. ويُشترط ما يلي:

• الحصول على موافقة خطية واعية من المريض أو وليّه الشرعي.

• تقييم نفسي شامل.

• إشراف طاقم طبي متعدد التخصصات.

• تسجيل كل جلسة وتوثيق الأعراض والاستجابات.

نظرة المجتمع والوصمة المرتبطة بالعلاج

أحد التحديات الكبرى التي تواجه استخدام ECT هو النظرة السلبية والوصمة الاجتماعية التي ترتبط به، والتي تغذّيها وسائل الإعلام والأفلام السينمائية، حيث يُصوّر العلاج غالبًا كوسيلة تعذيب لا علاج. هذه الصورة النمطية لا تمتّ للواقع الطبي الحديث بصلة، حيث يُجرى العلاج ضمن بروتوكولات علمية دقيقة، وبنتائج علاجية ملموسة.

مستقبل العلاج بالصدمات الكهربائية

تتجه الأبحاث الحديثة إلى تطوير بدائل أقل تدخلاً للعلاج بالصدمات الكهربائية، مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS) والتحفيز العميق للدماغ (DBS). إلا أنّ ECT لا يزال حتى الآن الخيار الأكثر فعالية وسرعة في التعامل مع الاضطرابات النفسية المقاومة.

كما يجري العمل على تطوير تقنيات ECT ذات موجات قصيرة النطاق، وتحديد الأمواج المثالية التي تُحدث التغيرات الإيجابية دون إحداث ضرر على خلايا الذاكرة.

الخلاصة

العلاج بالصدمات الكهربائية ليس وسيلة عقابية أو أسلوبًا بدائيًا كما يُشاع في الثقافة العامة، بل هو إجراء طبي متكامل يُنقذ حياة كثيرين ممن يُعانون من اضطرابات نفسية شديدة ومزمنة. ومع التقدم التكنولوجي والوعي المجتمعي، يُتوقع أن يُنظر لهذا العلاج نظرة علمية بعيدة عن التهويل أو التخويف، مع احترام كامل لكرامة الإنسان وسلامته النفسية.

المراجع:

1. American Psychiatric Association. (2010). The Practice of Electroconvulsive Therapy: Recommendations for Treatment, Training, and Privileging.

2. UK NICE Guidelines (2019) on Electroconvulsive Therapy.