العقيقة عند المالكية: المفهوم، الأحكام، والدلائل الشرعية
المقدمة
تُعد العقيقة من السنن التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي سنة مؤكدة من السنة النبوية تتعلق بالأبناء الذين يولدون للوالدين. تُؤدى العقيقة عادةً بعد الولادة، وتُعتبر تعبيرًا عن الشكر لله تعالى على نعمة الولد، وهي احتفال ديني يختلف في تفاصيله من مذهب إلى آخر. من بين هذه المذاهب، مذهب الإمام مالك بن أنس له أحكام ومفاهيم متميزة فيما يتعلق بالعقيقة. هذا المقال يعرض مفهوم العقيقة في المذهب المالكي، ويتناول الأحكام الفقهية المتعلقة بها، وكذلك الدلائل الشرعية التي استند إليها المالكية في تحديد شروطها وأركانها.
مفهوم العقيقة في المذهب المالكي
العقيقة، كما في المذهب المالكي، هي شاة أو شاتان تُذبحان احتفالًا بمولد الطفل، وذلك سواء كان المولود ذكرًا أو أنثى. يُعتبر هذا الفعل بمثابة شكر لله تعالى على نعمة الولد، وهو من السنن التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث الشريفة. على الرغم من كونها سنة، فإن المالكية يرون فيها فائدة كبيرة تتعلق بالتقرب إلى الله تعالى، إضافة إلى ما يُمكن أن يحمله ذلك من بركة للطفل.
في المذهب المالكي، تعتبر العقيقة من السنن التي يُستحب أن يؤديها الوالدان، وإن كانت لا تُعد من الواجبات. ومع ذلك، يُشدد على أهمية الأداء في اليوم السابع من ولادة الطفل إذا أمكن، وذلك تطبيقًا للسنة النبوية في ذلك الشأن.
حكم العقيقة عند المالكية
وفقًا للمذهب المالكي، العقيقة ليست واجبة ولا فرضًا، بل هي سنة مؤكدة. ويشدد المالكية على أنها سنة مستحبة، وتُؤدى بعد الولادة للتعبير عن شكر الوالدين لله تعالى على نعمته عليهما بالمولود. يؤكد المالكية على أن العقيقة تعتبر من سنن الفطرة التي يُحبذ القيام بها، ولكن في حال لم يقم الوالدان بالعقيقة، فلا يقع عليهما إثم.
ومن جهة أخرى، فإن المالكية يعتبرون العقيقة من السنن التي يجدر بالمسلم أن يحافظ عليها، خاصة إذا كان المولود هو الأول أو إذا كانت الأسرة قادرة على أداء هذا الفعل.
وقت العقيقة عند المالكية
وفقًا لرأي المالكية، يُستحب أداء العقيقة في اليوم السابع من ولادة الطفل. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه” (رواه أحمد). وهذا الحديث يحدد الوقت المناسب لتنفيذ العقيقة، ويعتبر هذا اليوم من الأيام المفضلة لتنفيذ هذا الفعل.
ولكن في حال تعذر أداء العقيقة في اليوم السابع، فإنه يمكن إجراؤها في وقت لاحق، ويُفضّل أن تتم قبل بلوغ الطفل سن الرشد، أي قبل أن يتجاوز السبع سنوات. ولا بأس بتأخير العقيقة إلى وقت لاحق إذا كان الأمر يستدعي ذلك.
عدد الشياه في العقيقة
يختلف عدد الشياه التي يتم ذبحها في العقيقة باختلاف جنس الطفل في المذهب المالكي. إذ يُفضل أن يُذبح شاة واحدة إذا كان المولود أنثى، بينما يُستحب ذبح شاتين إذا كان المولود ذكرًا. وهذا استنادًا إلى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: “عن الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، واذبحوا له شاة” (رواه البخاري).
ويُعتبر هذا التفصيل في المذهب المالكي لتكريم المولود الذكر بشكل أكبر من المولود الأنثى، وهو رأي يتماشى مع بعض التفاسير الفقهية التي تشير إلى أن الشاتين تمثل تكريمًا خاصًا للذكر. لكن مع ذلك، يمكن أيضًا أداء العقيقة بشاة واحدة في حالة العجز عن توفير شاتين.
شروط العقيقة في المذهب المالكي
توجد بعض الشروط التي يجب توافرها لأداء العقيقة بشكل صحيح في المذهب المالكي، وهذه الشروط تتعلق بكل من الذبيحة والطريقة التي يتم بها الذبح. نذكر أبرز هذه الشروط:
-
أن تكون الذبيحة من الإبل أو البقر أو الغنم: يُشترط في العقيقة أن تكون الذبيحة من أحد هذه الحيوانات الثلاثة. وبذلك، لا يجوز أداء العقيقة بالدجاج أو الطيور الأخرى.
-
أن تكون الذبيحة سليمة: يجب أن تكون الذبيحة خالية من العيوب الكبيرة، مثل العور أو العرج أو المرض. فالذبيحة التي تحتوي على عيوب مؤثرة لا تصلح للعقيقة.
-
النية: من الضروري أن تكون نية العقيقة موجهة إلى الله تعالى، وأن يُخلص الشخص في هذا العمل لله، ابتغاء مرضاته. أي أن الذبيحة يجب أن تتم بنية العقيقة، لا بنية التصدق أو النزهة.
-
التوقيت: يُفضل أن تُذبح العقيقة في اليوم السابع من ولادة الطفل، كما سبق ذكره. وإذا تأخر ذلك فلا مانع من تأخيرها إلى وقت لاحق.
-
الذبح من قبل ولي الأمر: العقيقة ينبغي أن تذبح على يد الأب أو الوصي الشرعي للطفل، وذلك لتحقيق المصلحة الشرعية والتأكد من صحة الذبح.
كيفية توزيع لحوم العقيقة
بعد ذبح العقيقة، يجب أن يُتبع ترتيب معين في توزيع لحومها حسب ما ورد في السنة النبوية. ويُستحب أن يتم توزيع اللحم على الفقراء والمحتاجين، كما يمكن للوالدين تناول جزء من اللحم. بشكل عام، يُفضل توزيع ثلثي العقيقة على الفقراء والمساكين، في حين يجوز للوالدين أن يتناولا الثلث المتبقي. يمكن أيضًا إرسال اللحم إلى الأقارب والجيران كنوع من الهدايا.
العقيقة في المذهب المالكي والتقرب إلى الله
على الرغم من أن العقيقة ليست فرضًا في المذهب المالكي، إلا أن المالكية يرون أن فيها تقربًا لله تعالى، حيث تعتبر من السنن التي تساعد المسلم في تعزيز علاقته مع الله، وتقديم شكر لله على النعمة العظيمة التي رزق بها. كما أن العقيقة تعكس اهتمام المسلم بالمولود ورغبة في توفير بيئة صحية ومحفزة للطفل، بدءًا من أول يوم في حياته.
الاستثناءات والتيسيرات في العقيقة
كما هو الحال مع العديد من السنن في الإسلام، يُدرك المالكية وجود حالات قد تُعفي الشخص من القيام بالعقيقة أو تجعلها غير ممكنة. مثلًا، في حال كان الأب فقيرًا أو غير قادر على تحمل تكاليف العقيقة، فإن المذهب المالكي يُجيز عدم أداء هذه السنة. كما لا يُلزم المذهب المالكي المرأة التي تلد بشكل غير شرعي بالعقيقة.
الخاتمة
يظل موضوع العقيقة في المذهب المالكي من المواضيع التي تثير اهتمام الكثير من المسلمين الذين يتبعون هذا المذهب. فهو يشمل مجموعة من الأحكام الفقهية التي تضمن أداء هذه السنة النبوية بشكل صحيح ومفيد. في الوقت ذاته، تبقى العقيقة سُنة من السنن التي تساهم في تقوية الروابط العائلية والاجتماعية، من خلال توزيع اللحوم على الفقراء والمحتاجين، مما يعزز من قيم التكافل الاجتماعي.
على الرغم من أن العقيقة لا تعتبر فرضًا في المذهب المالكي، إلا أن أداءها له مكانة كبيرة في الشريعة الإسلامية، إذ تعكس استجابة الوالدين للنعمة التي رزقها الله تعالى بهما. وبذلك، تظل العقيقة سنة ذات بعد روحي واجتماعي هام في حياة المسلم.
