العقيقة في الشريعة الإسلامية

الذبيحة التي تذبح عن المولود

تُعد الذبيحة التي تُذبح عن المولود، والمعروفة في الشريعة الإسلامية باسم العقيقة، من السنن المؤكدة التي جاءت بها السنة النبوية، وتُعبر عن شكر العبد لله تعالى على منّة الولد، وهي سنة ماضية من عهد إبراهيم عليه السلام إلى عهد النبي محمد ﷺ، وقد دلّت النصوص على أهميتها وما تحققه من معانٍ دينية واجتماعية عظيمة. يتناول هذا المقال شرحًا تفصيليًا للعقيقة من حيث مشروعيتها، وحكمها، وكيفيتها، وأحكامها، والحكمة منها، مع عرض الأقوال الفقهية والمقارنات بينها في جدول توضيحي.

أولًا: تعريف العقيقة

العقيقة في اللغة مأخوذة من الشق والقطع، ويُقال: عَقَّ الوالدُ عن ولده يعُقّ، إذا ذبح العقيقة. أما في الاصطلاح الشرعي، فهي: الذبيحة التي تُذبح عن المولود شكرًا لله تعالى، عند ولادته، وهي سنة مشروعة على الذكر والأنثى، لكنها مؤكدة أكثر في حق الذكر.

ثانيًا: مشروعية العقيقة وأدلتها

العقيقة مشروعة بالسنة النبوية الثابتة عن النبي ﷺ، ووردت فيها عدة أحاديث صحيحة:

1. ما رواه البخاري من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
   
   “مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى.”

2. وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
   
   “أمرنا رسول الله ﷺ أن نعق عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة.”
   
   رواه الترمذي وصححه.

3. كما ثبت أن النبي ﷺ عقّ عن الحسن والحسين رضي الله عنهما.

كل هذه الأحاديث تدل على مشروعية العقيقة وأنها من السنة النبوية المؤكدة التي يُستحب للمسلم القيام بها إذا وُلد له مولود.

ثالثًا: حكم العقيقة عند العلماء

اختلف الفقهاء في حكم العقيقة على النحو الآتي:

أقوى الآراء الفقهية التي يُعمل بها في عامة بلاد المسلمين هي أنها سنة مؤكدة يُثاب فاعلها ولا يأثم تاركها.

رابعًا: وقت العقيقة

السنة أن تُذبح العقيقة في اليوم السابع من ولادة المولود، فإن لم يُمكن ففي اليوم الرابع عشر، فإن لم يُمكن ففي الحادي والعشرين، كما ورد في الحديث:

عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “العقيقة تُذبح لسبعٍ أو لأربع عشرة أو لإحدى وعشرين.” رواه البيهقي.

وقد ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجوز بعد ذلك، لكن الأفضل ألا تُؤخر عن اليوم الحادي والعشرين إلا لعذر، كما يُستحب أن يُسمى المولود ويُحلق شعره ويتصدق بوزنه فضة في اليوم السابع.

خامسًا: عدد الذبائح وصفتها

جاء في السنة أن يُذبح عن الذكر شاتان، وعن الأنثى شاة واحدة، وهو مذهب جمهور الفقهاء (المالكية، الشافعية، والحنابلة). ويُشترط في الذبيحة أن تكون من بهيمة الأنعام: الضأن أو المعز أو البقر أو الإبل، بشرط أن تكون مستوفية لشروط الأضحية من حيث السن والسلامة من العيوب.

ولا بأس إن ذُبحت شاة واحدة عن الذكر في حال العجز، لكن الأفضل والأكمل شاتان.

سادسًا: شروط صحة العقيقة

1. أن تكون من بهيمة الأنعام كما ذكرنا.

2. أن تبلغ السن المحددة للذبح (ستة أشهر للضأن، وسنة للمعز).

3. أن تكون خالية من العيوب كالعور أو الهزال.

4. أن تذبح في الوقت المستحب (اليوم السابع).

5. أن تُذبح بنية العقيقة.

كما يُستحب أن يُقرأ عند الذبح: “باسم الله، والله أكبر، هذه عقيقة فلان بن فلان”.

سابعًا: الحكمة من العقيقة

تُعد العقيقة من السنن التي تحمل العديد من الحكم الشرعية والاجتماعية والإنسانية، ومنها:

• شكر الله تعالى على نعمة الولد، التي هي من أعظم النعم الدنيوية.

• تحصين المولود من أذى الشياطين، كما ورد في بعض الآثار.

• إظهار الفرح والسعادة في المجتمع الإسلامي بولادة الذرية.

• تعميق روابط التكافل الاجتماعي من خلال توزيع لحم العقيقة على الأقارب والفقراء.

• إحياء السنة النبوية في التفاعل مع مظاهر الحياة المختلفة.

ثامنًا: توزيع لحم العقيقة

يُستحب أن يُقسم لحم العقيقة إلى ثلاثة أقسام، كما في الأضحية:

1. ثلث للأكل

2. ثلث للإهداء

3. ثلث للتصدق

ويجوز أن يُطبخ ويُدعى الناس إليه، أو أن يُوزع نيئًا، ولا يُشترط التقيد بطريقة معينة، ولكن الأفضل أن يُظهر فيه الكرم والتوسعة على الأهل والمحتاجين.

تاسعًا: ما يُستحب فعله مع العقيقة

• تسمية المولود في اليوم السابع، وقد سُمي إبراهيم عليه السلام بعد ولادته مباشرة.

• حلق رأس المولود والتصدق بوزن شعره فضة، كما فعل النبي ﷺ مع الحسن والحسين.

• الدعاء للمولود بالبركة والصلاح، كما ورد: “اللهم اجعله مباركًا أينما كان”.

• التهنئة لأهل المولود، مثل قول: “بارك الله لك في الموهوب لك، وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورُزقت برّه”.

عاشرًا: العقيقة والبدائل المعاصرة

يرى بعض العلماء المعاصرين أنه في حال تعذر ذبح العقيقة في الوقت المحدد لعدم القدرة المادية أو لظروف خاصة، فإن المسلم يمكنه:

• الذبح في وقت لاحق متى استطاع.

• التصدق بقيمتها مالًا، وإن كان الذبح أفضل.

• التوكيل بالذبح في مكان آخر (مثل البلدان الفقيرة) وهو جائز شرعًا.

وفي هذا توسعة على المسلمين، وتيسير لا يتعارض مع مقاصد الشريعة.

الحادي عشر: الفرق بين العقيقة والأضحية والنذر

الثاني عشر: أقوال العلماء في مسائل متفرعة

• هل تُجزئ العقيقة عن الأضحية؟
  
  جمهور العلماء يقولون لا تُجزئ؛ لأن كل واحدة لها سبب مختلف.

• هل يصح الاشتراك في العقيقة؟
  
  لا يصح الاشتراك في الشاة الواحدة، لكن في البقر والإبل يمكن أن يشترك سبعة أشخاص، كالأضحية.

• هل العقيقة عن الكبير جائزة؟
  
  نعم، يجوز العقيقة عن الإنسان الكبير إذا لم يُعقّ عنه والداه، لكن لا يُطلب منه أن يعقّ عن نفسه.

الثالث عشر: العقيقة في المجتمعات الإسلامية

تُعد العقيقة طقسًا اجتماعيًا متجذرًا في المجتمعات الإسلامية، حيث يُقام الولائم، وتُوزع اللحوم على الفقراء، وتُفرح العائلة بالأهل والجيران، ويُعتبر هذا السلوك تعبيرًا عن روح الإسلام في التراحم والتكافل، كما أنه وسيلة للحفاظ على الروابط الاجتماعية وتعزيزها. وتستمر المجتمعات الإسلامية على اختلاف أعراقها ومذاهبها في تطبيق هذه السنة، وإن اختلفت الأساليب الشكلية تبعًا للبيئة والعادات المحلية.

الخاتمة

إن العقيقة من السنن الإسلامية ذات البعد الشرعي والاجتماعي والروحي، وقد شرعت لتكون مظهرًا من مظاهر الشكر على نعمة الولد، وفرصةً لبناء العلاقات الاجتماعية عبر الإطعام والكرم، وتحقيقًا لمقاصد الشريعة في حفظ النسل والنسب والنية الصالحة. وهي سنة نبوية تُثاب الأسرة على إقامتها، وتُعتبر جزءًا من الاحتفال النقي بولادة الحياة في إطار من الطهارة والشكر والإيمان.

المراجع:

1. ابن قدامة، المغني، دار الفكر.

2. النووي، المجموع شرح المهذب، دار الفكر.