العقيقة: مفهومها وأحكامها وطرق أدائها بالتفصيل

العقيقة هي سنة مؤكدة في الإسلام، لها مكانة عظيمة كعبادة تتم بين العبد وربه، وهي تعبير عن الشكر لله تعالى على نعمة المولود الجديد، وحماية له من الشرور والمصاعب التي قد تحيط به. يأتي هذا العمل ضمن السنة النبوية التي حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، وتتعلق بذبح شاة أو أكثر ترفع أجرها للمولود، مع وجود ضوابط محددة وشروط ينبغي الالتزام بها. يتناول هذا المقال شرحًا مفصلًا للعقيقة من حيث معناها، حكمها، أوقاتها، شروطها، وأفضل الطرق لأدائها وفقًا للشريعة الإسلامية.

تعريف العقيقة

العقيقة في اللغة تعني الذبيحة أو ما يُذبح، أما في الاصطلاح الشرعي فهي ذبح شاة أو أكثر تقرب قربانًا عن المولود الجديد تعبيرًا عن الشكر لله تعالى على هذه النعمة، وطلبًا للبركة والحماية من شر الحسد والحاسدين. كانت العقيقة تقام منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أشار إلى مشروعية وأفضلية أداءها.

تُعتبر العقيقة رمزًا من رموز الفرح بالمولود الجديد ومظهرًا من مظاهر البركة، وهي نوع من أنواع الصدقة والتكفير عن المولود، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فآباؤه يشهدون عليه بالعهود، والعقيقة تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه، ويُسمى» (رواه أبو داود والترمذي).

حكم العقيقة في الإسلام

اتفق جمهور العلماء على أن العقيقة سنة مؤكدة، وليست واجبة، ويستحب أداؤها عن كل مولود سواء كان ذكرًا أو أنثى، ويؤكد ذلك الحديث النبوي السابق، إضافة إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من سنن في هذا المجال.

لكن هناك رأي لبعض الفقهاء من الحنفية والمالكية وبعض من الحنابلة الذين ذهبوا إلى أنها واجبة على حسب بعض الظروف، وخاصة في حال استطاعة الأهل أو الولي دفعها، أما إذا لم يكن بمقدورهم فقد تُعتبر سنة مستحبة لا تَحتم فرضيتها.

ومن الجدير بالذكر أن العقيقة تختلف عن الأضحية، فالأضحية خاصة بأيام عيد الأضحى، أما العقيقة فهي مخصوصة بالمولود، ولها أوقاتها وشروطها، ويجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة إذا صادف المولود وقت الأضحى.

أفضل وقت لأداء العقيقة

يستحب أن تُذبح العقيقة عن المولود في اليوم السابع من ولادته، وهذا هو الوقت الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف.

إذا فات اليوم السابع، فيمكن أداءها في أي وقت بعد ذلك، ولا يوجد حد أقصى لتركها. ولكن يُفضل الإسراع في أدائها حتى يتحقق المقصود من وراءها، وهو شكر الله على المولود وطلب البركة له.

في بعض الأحاديث النبوية تم ذكر أن في اليوم السابع يُحلق رأس المولود، وتوزع العقيقة، وتُسمى به، فذلك اليوم له فضل كبير في الإسلام.

شروط وأركان العقيقة

تتوقف صحة العقيقة على مجموعة من الشروط التي ينبغي مراعاتها لضمان قبولها وتمامها شرعًا، وهذه الشروط هي:

1. النية الصادقة

تُشترط نية العقيقة، أي أن يكون الذبح لوجه الله تعالى، تعبيرًا عن الشكر، والتقرب إليه، وليس من باب التفاخر أو غيره.

2. نوع الذبيحة

يجوز في العقيقة ذبح شاة واحدة على الأقل، ومن الأفضل ذبح شاتين للمولود الذكر، وشاة واحدة للمولود الأنثى. ويستحب أن تكون الشاة سليمة من العيوب، كاملة السن، وبدون عيوب في البدن أو الأمراض، كما هو الحال في الأضحية.

3. الذبح الصحيح

يجب أن يُذبح الذبيحة بالطريقة الشرعية، وهي قطع الودجين (القصبة الهوائية والمريء) والساقين، بحيث ينزف الدم، وبهذا يكون الذبح صحيحًا ومقبولًا شرعًا.

4. الوقت المناسب

كما ذكرنا سابقًا، فإن أفضل وقت للعقيقة هو اليوم السابع من ولادة الطفل، مع جواز التأخير إن دعت الحاجة.

5. عدم الجمع بين الأضحية والعقيقة

رغم جواز الجمع، لكن من الأفضل أداء كل ذبيحة في وقتها المخصص، بحيث لا تختلط العقيقة بالأضحية، وذلك لتفصيل الحكم الشرعي على كل منها.

كيف تتم العقيقة خطوة بخطوة؟

1. تحديد عدد الذبائح

إذا كان المولود ذكرًا، يفضل ذبح شاتين، وإذا كان أنثى شاة واحدة تكفي، وهذا بناءً على أحاديث نبوية صحيحة. ولكن لا حرج في ذبح شاة واحدة للمولود الذكر أيضًا، إذا لم يستطع الأهل أكثر من ذلك.

2. اختيار الذبيحة

ينبغي اختيار شاة سليمة لا تعاني من أي عيب ظاهر أو مرض، ولا تكون صغيرة جدًا ولا كبيرة فوق الحد المعتاد، مع مراعاة أن تكون نحيفة أو سمينة حسب المتاح.

3. الاستعداد للذبح

يُجهز مكان الذبح بحيث يكون نظيفًا ومناسبًا، ويُحرص على توجيه الذبيحة نحو القبلة إذا أمكن، مع الاستحضار والتركيز على نية التقرب إلى الله.

4. الذبح بطريقة شرعية

يتم الذبح بسكين حاد، مع قطع الودجين وإراقة الدماء كاملة، مع قول بسم الله والله أكبر قبل الذبح، حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أهمية ذكر الله في الذبح.

5. توزيع اللحم

ينبغي توزيع لحم العقيقة على الأقارب، والفقراء، والمحتاجين، ويُفضل أن لا يُباع اللحم، بل يكون صدقة مستحبة. توزيع اللحم يزيد من أجر المذكي ويعزز روح التكافل الاجتماعي.

6. حلق رأس المولود

عادة ما يتم حلق رأس الطفل في اليوم السابع، ويُوزن الشعر بما يعادل قيمته من الفضة صدقة، وهذا من السنة النبوية.

فوائد العقيقة وآثارها في المجتمع الإسلامي

العقيقة ليست مجرد شعيرة دينية بل تحمل فوائد متعددة على المستويين الروحي والاجتماعي:

• تقوية الروابط الأسرية والمجتمعية: إذ يجتمع الأقارب والجيران والأصدقاء في مناسبة العقيقة، مما يعزز الترابط الاجتماعي ويقوي الروابط الأسرية.

• مساعدة المحتاجين: من خلال توزيع لحم العقيقة على الفقراء والمحتاجين، يتم تحقيق التكافل الاجتماعي والرحمة بين أفراد المجتمع.

• تعليم الأطفال المبادئ الإسلامية: حيث ينشأ الطفل في بيئة يعتاد فيها على العبادات والشكر لله، مما يعزز تقواه ويؤثر إيجابًا في تكوين شخصيته.

• تنمية الشعور بالامتنان: يعلّم الوالدين والأهل التقدير والشكر لله على النعمة العظيمة التي أنعم بها عليهم.

ضوابط مهمة يجب الانتباه لها عند أداء العقيقة

• العقيقة لا تُؤدى عن المولود المتوفى فقط، بل تُستحب لكل مولود حي.

• لا يجوز بيع لحم العقيقة، بل يجب توزيعه صدقةً، لما في ذلك من أجر وثواب عظيم.

• يسن للحلق في اليوم السابع، وإن لم يتم فلا حرج إن تم في وقت لاحق.

• لا تشرع العقيقة دون المولود، فلا يجوز أن تُذبح عقيقةً بدون مولود.

• عند ذبح العقيقة، يفضل الدعاء للمولود بالبركة والصلاح، وهو من السنن المستحبة.

مقارنة بين العقيقة والأضحية

خاتمة

العقيقة من السنن العظيمة التي تعبر عن الفرح بقدوم المولود الجديد وشكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة. لها أحكام واضحة وشروط محددة ينبغي الالتزام بها، لما في ذلك من خير وبركة للمولود وللأسرة. إن أداء العقيقة بالشكل الصحيح يعزز الروابط الاجتماعية ويُشعر الفرد بأهمية الشكر لله، كما يعمل على إدخال السرور على القلوب ويمد الأسرة بالألفة والمحبة. لهذا فإن العقيقة تبقى من أبرز الطقوس الدينية التي تحافظ على استمرارية التواصل بين الإنسان وربه، وبين أفراد المجتمع الواحد.

المصادر والمراجع

• صحيح البخاري، كتاب الأضاحي والذبائح.

• فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية، باب العقيقة.