كتاب “Race: How Blacks and Whites Think and Feel About the American Obsession” من تأليف ستدز تيركل، يعالج موضوع العرق في الولايات المتحدة بشكل عميق ومباشر، حيث يناقش قضية تعد واحدة من أكثر المواضيع حساسية وأهمية في السياسة الأمريكية: العلاقات بين الأعراق وكيف تؤثر على حياة الأفراد وعلى مستقبل الأمة ككل. في هذا العمل، يقوم تيركل بجمع أصوات ما يقرب من مائة شخص من خلفيات مختلفة، بما في ذلك رجال دين، طلاب جامعات، أعضاء في جماعات مثل كو كلوكس كلان، وأفراد عاديين، للتحدث بصراحة عن تجاربهم الشخصية ومشاعرهم تجاه قضية العرق.
تم إصدار الكتاب في أبريل 1992، في وقت كانت فيه أمريكا تعيش توترات عرقية متزايدة. ويمثل هذا الكتاب جزءًا من سلسلة أعمال تيركل التي توثق التاريخ الأمريكي من وجهات نظر مختلفة. في هذا الكتاب، يُركز تيركل على الحاضر آنذاك، ويعرض لنا صورة معقدة للولايات المتحدة في لحظة محورية من تاريخها.
التحديات المتجددة:
في مقدمة الكتاب، يشير تيركل إلى أن مسألة العرق لم تتقدم بشكل ملموس منذ ستينيات القرن العشرين، وهي الفترة التي شهدت حركات حقوق الإنسان الكبيرة التي أدت إلى تغييرات في القوانين والمجتمع. وعلى الرغم من تلك المكاسب، فإنه يرى أن “الساعة قد أعيدت إلى الوراء”، حيث عادت أشكال جديدة من العداء والتفرقة إلى الظهور. يعكس الكتاب كيف أن الكثير من الأمريكيين البيض يشعرون بالاستياء والقلق من برامج مثل العمل الإيجابي وتغير ملامح أحيائهم السكانية، في حين أن الأمريكيين السود يشعرون بخيبة الأمل إزاء الآمال الكبيرة التي لم تتحقق بالكامل.
الأصوات المتنوعة:
يتميز الكتاب بجمعه لأصوات مختلفة ومتنوعة. من بين هؤلاء الأصوات، نجد أم إيميت تيل، الذي قُتل بوحشية في جريمة عنصرية في عام 1955، وهي حادثة صدمت أمريكا وأشعلت نار النضال من أجل الحقوق المدنية. تيركل أيضًا يستمع إلى ابن شقيق مؤسس نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ما يقدم بُعدًا عالميًا للعلاقات العرقية وتأثيراتها. كما يُظهر الكتاب أن الآراء حول العرق تتباين بشكل كبير حتى داخل نفس الفئة العرقية، مما يضيف طبقات من التعقيد حول فهم هذا الموضوع.
المشاعر المدفونة والصراحة النادرة:
ما يميز أسلوب تيركل هو قدرته على جلب مشاعر مدفونة إلى السطح وجعل الناس يتحدثون بصراحة غير معهودة. عادة ما يكون الحديث عن العرق في الأماكن العامة محدودًا بالخوف من الحكم أو التداعيات الاجتماعية. لكن من خلال مقابلاته، يجعل تيركل الناس يتحدثون بحرية عن أفكارهم ومخاوفهم وتناقضاتهم الشخصية. العديد من الأفراد الذين تحدث معهم كانوا صريحين حول مواضيع مثل التحيزات الخفية، ومخاوفهم من فقدان الهوية الثقافية، وأحلامهم في المساواة.
الأمل والتفاؤل في وجه الكراهية:
رغم العداء والتوترات التي تملأ صفحات الكتاب، إلا أن تيركل يقدم أيضًا أمثلة على التفاؤل والأمل. يظهر أشخاص يتجاوزون التحيزات والكراهية، ويسعون لبناء مستقبل أفضل. هؤلاء الأفراد، سواء كانوا في علاقات بين الأعراق المختلفة أو يعملون على تغيير المجتمع من خلال النضال الاجتماعي، يُجسدون الأمل في أن التغيير ممكن رغم الصعوبات.
كتاب ذو أهمية معاصرة:
رغم مرور عقود على نشر هذا الكتاب، فإنه يظل ذا صلة كبيرة بوقتنا الحالي. المشاكل التي يناقشها تيركل حول العرق في أمريكا لم تختفِ، بل على العكس، فقد تصاعدت التوترات العرقية في السنوات الأخيرة، مع أحداث مثل الاحتجاجات التي أعقبت مقتل جورج فلويد، والنقاشات المستمرة حول العدالة العرقية والإصلاحات القانونية. يقدم الكتاب تأملات عميقة في كيفية رؤية الأمريكيين لهذه القضايا، ويعطي صوتًا لمن نادرًا ما تُسمع أصواتهم.
الخلاصة:
يعد “Race: How Blacks and Whites Think and Feel About the American Obsession” شهادة قوية على مدى تعقيد القضية العرقية في الولايات المتحدة، ويبرز كيف تؤثر هذه القضية على الحياة اليومية للأمريكيين. من خلال تجميع مجموعة واسعة من الأصوات، يرسم تيركل صورة واضحة للوضع العرقي في أمريكا في أواخر القرن العشرين، وهي صورة تتردد أصداؤها حتى اليوم. يبقى الكتاب مرجعًا هامًا لفهم كيفية تطور العلاقات بين الأعراق في الولايات المتحدة، وهو دليل على أهمية الحوار الصريح والمفتوح في مواجهة التحديات الاجتماعية المعقدة.