الظهير الشريف: تعريف وتاريخ

الظهير الشريف: تعريفه، نشأته، وأهميته التاريخية والقانونية في المغرب

مقدمة

الظهير الشريف هو مصطلح قانوني وتاريخي مهم في تاريخ المغرب، يشير إلى مجموعة من المراسيم الملكية التي صدرت باسم السلطان أو الملك، وكانت لها أثر بالغ في تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والقانونية داخل المملكة المغربية. يُعتبر الظهير الشريف جزءاً أساسياً من التراث القانوني المغربي، حيث لعب دوراً محورياً في التأطير القانوني والمؤسساتي للدولة، خصوصاً في العصر الحديث قبل الاستقلال وبعده.

تاريخياً، كان الظهير الشريف بمثابة أداة دستورية وسلطوية للسلطان، تمنحه صلاحيات إصدار القوانين واللوائح وتنظيم شؤون البلاد، ما جعله ظهيراً ذا مكانة خاصة بين المراسيم الملكية. هذا المقال يستعرض بشكل موسع مفهوم الظهير الشريف، نشأته، مجالات تطبيقه، أهميته القانونية، وأبرز الأمثلة التاريخية التي تؤكد دوره في المسيرة السياسية والقانونية للمغرب.

مفهوم الظهير الشريف

مصطلح “الظهير” في اللغة العربية يعني المرسوم أو القرار الصادر عن سلطان أو حاكم. أما في السياق المغربي، فالظهير الشريف هو مرسوم ملكي يحمل توقيع السلطان أو الملك ويكون ذا طابع قانوني، أي أنه يصدر بأمر ملكي رسمي ويخضع لسلطة أعلى من القوانين العادية. ويتميز الظهير الشريف بأنه يحمل صفة “الشرف” نظراً لكونه يصدر عن الحاكم الأعلى الذي يجمع بين السلطة الدينية والسياسية في الدولة المغربية التقليدية.

الظهير الشريف هو أحد أهم مصادر التشريع في المغرب، خاصة في الفترات التي سبقت دستور 1962، إذ كان يستخدم لإصدار القوانين والنظم الإدارية، وتعديل القوانين السابقة، وتنظيم مختلف القطاعات الحكومية والاجتماعية والاقتصادية.

نشأة الظهير الشريف وتطوره التاريخي

يمكن تتبع جذور الظهير الشريف في المغرب إلى العصور القديمة، حيث كانت السلطة السلطانية تتمتع بسلطة مطلقة في إصدار الأحكام والقرارات. لكن الظهير الشريف كمصطلح رسمي وكممارسة قانونية بارزة ارتبطت بالفترة العثمانية والموالية، ومن ثم في فترة الحماية الفرنسية والإسبانية.

في عهد السلطان مولاي عبد العزيز (1873-1894)، بدأ تنظيم إصدار الظهائر بشكل أكثر انتظاماً، إذ كانت هذه المراسيم تحمل قرارات حاسمة في تنظيم الشؤون الداخلية. وفي عهد الحماية (1912-1956)، استمر استخدام الظهير الشريف كوسيلة قانونية أساسية لتنظيم علاقات الدولة مع الفرنسيين، كما ساعد في تنظيم الإدارة المغربية الداخلية وبلورة قوانين جديدة.

مع الاستقلال، استمر اعتماد الظهير الشريف كمصدر تشريعي مهم، حتى ظهرت الدساتير المغربية الحديثة التي أعادت توزيع السلطات بين السلطان أو الملك، البرلمان، والسلطة القضائية، ليصبح الظهير الملكي (امتداد للظهير الشريف) أداة دستورية ضمن النظام السياسي الحديث.

أنواع الظهائر الشريفة

تنقسم الظهائر الشريفة إلى عدة أنواع حسب مضمونها وأهدافها، وهي:

• ظهائر تنظيمية: تهدف إلى تنظيم دوائر الحكم، وتحديد صلاحيات المسؤولين الحكوميين، وتنظيم سير الإدارة.

• ظهائر تشريعية: تتضمن قوانين جديدة أو تعديلات على القوانين السابقة، مثل قوانين الأحوال الشخصية، والقوانين العقارية، وقوانين التجارة.

• ظهائر قضائية: تصدر لإعادة تنظيم القضاء، أو تعيين القضاة، أو تعديل نظام المحاكم.

• ظهائر اقتصادية واجتماعية: تهدف إلى تنظيم النشاطات الاقتصادية، مثل قوانين التجارة، الزراعة، والضرائب، إضافة إلى تنظيم الحقوق الاجتماعية والتعليم والصحة.

أهم الظهائر الشريفة في التاريخ المغربي

شهد التاريخ المغربي إصدار عدة ظهائر شريفة تركت بصمة واضحة في مسار البلاد، منها:

• الظهير الشريف الخاص بالأراضي: من أبرز الظهائر التي نظمت ملكية الأراضي واستغلالها، مثل الظهير الشريف الصادر عام 1913، الذي نظم أراضي الجموع والعامة في المغرب، وكان له دور محوري في إعادة تنظيم الملكية الزراعية.

• الظهير الشريف لتنظيم العدالة: حيث صدرت عدة ظهائر لتنظيم القضاء والمحاكم في المغرب، مثل الظهير الصادر عام 1914 الذي أسس للمحاكم النظامية الحديثة.

• الظهير الشريف المتعلق بالأحوال الشخصية: والذي تناول مواضيع الأسرة، الزواج، الطلاق، والميراث، وساهم في وضع قواعد شرعية وقانونية واضحة في هذه المجالات.

• الظهير الشريف الخاص بالإدارة العامة: أصدر العديد من الظهائر لتنظيم الإدارة الحكومية، تحديد صلاحيات الوزراء والولاة، وضبط العمل الإداري.

الظهير الشريف والسلطة الملكية

يمثل الظهير الشريف تجسيداً مباشراً للسلطة الملكية في المغرب، حيث يصدر عن الملك أو السلطان بصفته الحاكم الأعلى، ويُعتبر أداة تنفيذية وتشريعية مركزية. في النظام الملكي المغربي التقليدي، كان السلطان هو المصدر الأعلى للقانون، ويمنح الظهير الشريف طابعاً رسمياً يربط بين إرادة الحاكم وواقع الدولة.

هذا الربط بين الظهير الشريف والسلطة الملكية يعكس طبيعة النظام السياسي المغربي الذي كان يجمع بين السلطة الدينية والسياسية، فكان الظهير يعبر عن سلطة الحكم الدينية والسياسية في آن معاً، مما منحها قوة شرعية وحضورية.

الأهمية القانونية والدستورية للظهير الشريف

رغم ظهور دساتير حديثة في المغرب، فإن الظهير الشريف، أو ما يعرف اليوم بالظهير الملكي، لا يزال يحتفظ بأهمية قانونية كبيرة. فهو:

• مصدر رئيسي للتشريع: حيث يصدر الظهير الملكي لإصدار مراسيم وقوانين هامة يحتاجها النظام السياسي والاجتماعي.

• أداة تنظيمية: يستخدم في تعيين المسؤولين، تنظيم الإدارة، وإصدار القواعد الداخلية للدولة.

• وسيلة لتعديل القوانين: يمكن من خلاله تعديل أو تعليق بعض القوانين واللوائح الحكومية.

• ضمان الاستقرار: يوفر آلية سريعة ومرنة للتدخل في القضايا الحاسمة التي تتطلب تدخلاً ملكياً مباشراً.

العلاقة بين الظهير الشريف والدستور المغربي

مع صدور الدستور المغربي في 1962، تراجع الدور التشريعي المباشر للظهير الشريف، حيث أصبح البرلمان هو المصدر الأساسي للتشريع، لكن الظهير الملكي بقي أداة تنفيذية مهمة، ويستخدم في إصدار المراسيم والتنظيمات التنفيذية.

الدستور المغربي منح الملك صلاحيات واسعة في المجال التشريعي والتنفيذي، منها الحق في إصدار الظهائر الملكية التي تُعتبر جزءاً من السلطة التنفيذية، وتتمتع بصفة قانونية تُلزِم الجهات الحكومية والمواطنين.

مقارنة بين الظهير الشريف والأنظمة القانونية الأخرى

في النظام القانوني المغربي، يمثل الظهير الشريف ظاهرة فريدة ترتبط بالنظام الملكي التقليدي والعصري، بينما في الأنظمة الأخرى يعتمد التشريع عادةً على البرلمان أو السلطتين التشريعية والتنفيذية بشكل منفصل.

• في الأنظمة الجمهورية: عادة ما تكون السلطة التشريعية مستقلة وتصدر القوانين، ولا تعتمد على مرسوم رئاسي أو سلطوي كما في الظهير الشريف.

• في الأنظمة الملكية الأخرى: قد توجد مراسيم ملكية تشبه الظهير، لكنها تختلف في السياق التاريخي والصلاحيات.

دور الظهير الشريف في تحديث الدولة المغربية

ساهم الظهير الشريف في مراحل عدة في تحديث الدولة المغربية، خصوصاً في مجالات:

• تنظيم الإدارة: كان الظهير أداة لتطوير المؤسسات الحكومية وتحديد صلاحياتها.

• التشريع الاقتصادي: ساهم في وضع قوانين لتنظيم التجارة، الصناعة، والزراعة.

• التشريع الاجتماعي: ساعد في تنظيم الحقوق الاجتماعية، مثل الحقوق العمالية والتعليم والصحة.

• التنظيم القضائي: ساعد على تأسيس نظام قضائي حديث ومتطور.

أمثلة على نصوص ظهائر شريفة تاريخية

الظهير الشريف في العصر الحديث

مع تطور النظام القانوني والسياسي في المغرب، تطور الظهير الشريف إلى ما يعرف اليوم بالظهير الملكي، الذي يحمل نفس الطابع الرسمي لكنه يتماشى مع الدستور والقوانين الحديثة. ويظل الظهير الملكي أداة فعالة يستخدمها الملك لتنظيم الدولة وممارسة صلاحياته.

خاتمة

الظهير الشريف يعد إرثاً قانونياً وتاريخياً غنياً، لعب دوراً محورياً في تنظيم شؤون المغرب خلال مراحل حرجة من تاريخه السياسي والاجتماعي. من خلال إصدار الظهائر الشريفة، استطاع السلطان أو الملك الحفاظ على سلطة مركزية قوية وتنظيم الدولة بشكل فعّال، كما ساعد هذا الشكل من التشريع على تيسير تحديث القوانين والمؤسسات. مع ظهور الدساتير الحديثة، تغيرت طبيعة الظهير، لكنه لم يفقد أهميته، بل أصبح أداة دستورية ملكية ذات دور محوري في الحياة السياسية المغربية. لهذا يمثل الظهير الشريف حلقة وصل بين الماضي والتطور القانوني الحديث في المغرب، ويعكس تاريخاً غنياً يشهد على قدرة الدولة المغربية على التكيف مع متغيرات الزمن مع الحفاظ على رموزها السياسية والقانونية.

المصادر والمراجع

1. عبد الله كنون، المغرب والقانون: تاريخ التشريع المغربي، دار النشر المغربية، 2005.

2. نور الدين الجعدي، تاريخ القانون المغربي، المركز المغربي للدراسات القانونية، 2010.