الظهار: مفهومه، أحكامه، وأثره في الشريعة الإسلامية
يعد الظهار من المفاهيم التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية، وهو من الألفاظ التي كانت شائعة في الجاهلية، قبل أن يطرأ عليها التعديل في الإسلام لتصبح جزءًا من التشريع الإسلامي، مما يجعله موضوعًا ذا أهمية كبيرة في فقه الأسرة الإسلامي. يتضمن الظهار معنى من معاني التحريم في العلاقات الزوجية، ولكن الإسلام وضع له ضوابط وشروطًا تضمن التعامل معه بطريقة تضمن العدالة وحماية حقوق المرأة.
تعريف الظهار في اللغة والشرع
الظهار في اللغة يأتي من الجذر “ظهر”، ويعني الظهر في البدن أو ما ظهر من شيء. وفي اصطلاح الشريعة الإسلامية، الظهار هو أن يقول الرجل لزوجته: “أنتِ عليَّ كظهر أمي”، أو “أنتِ عليَّ كظهر أختي”، أو ما يشابه ذلك من الألفاظ التي تعني تحريم الزوجة على الرجل كتحريم أمه أو قريبته. وقد كان هذا اللفظ منتشرًا في الجاهلية حيث كان الرجل إذا غضب على زوجته أو أراد أن يهينها، يقول لها: “أنتِ عليَّ كظهر أمي”، مما يعني أنه لا يمكنه أن يطأها كما يطأ أمه، ويعد ذلك تحريمًا مؤقتًا حتى يتراجع.
لكن الإسلام جاء ليعدل هذه الممارسة بشكل كامل، حيث يعتبر الظهار من الألفاظ التي تترتب عليها أحكام شرعية، وتُعتبر كفارة إذا تم إيقاعها.
الظهار في الجاهلية
قبل الإسلام، كان الظهار يعد من العادات الشائعة بين العرب، وكان يُعتبر وسيلة للتحكم في النساء والتخلص منهن دون طلاق. وكان الرجل عندما يضيق ذرعًا بزوجته، يقول لها: “أنتِ عليَّ كظهر أمي”، وبالتالي يصبح لا يستطيع أن يتزوجها أو يمارس حقوقه الزوجية معها. وكان لهذا التصريح نتائج خطيرة على المرأة، حيث تُحرم من حقوقها الزوجية، وكان الرجل لا يُطالَب بأية كفارة أو جزاء على هذا التصرف.
ومع ظهور الإسلام، قرر الله تعالى أن يضع حدًا لهذه العادة الجاهلية التي كان فيها ظلمٌ كبير للمرأة، وأرسل القرآن الكريم ليفصل في هذا الأمر.
الظهار في الإسلام
الظهار في الإسلام جاء ليعالج هذه المشكلة التي كانت سائدة في الجاهلية، حيث حرّم الإسلام على الرجل أن يعامل زوجته بهذه الطريقة، وأضاف عليه أحكامًا جديدة تتعلق بكيفية تصرف الرجل إذا وقع في هذا الفعل.
في القرآن الكريم، ورد تحريمه في سورة المجادلة، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: “وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّـهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ” (سورة المجادلة، الآية 2). ومن خلال هذه الآية، يتبين أن الظهار لا يعني تحريماً ديموميًا كما كان في الجاهلية، بل هو قولٌ مُنكَر يُوجب الكفارة لتطهير الفاعل.
أحكام الظهار في الشريعة الإسلامية
في الشريعة الإسلامية، يعتبر الظهار فعلًا مكروهًا في البداية، ولكنه إذا وقع، فقد وضع الإسلام له شروطًا جزائية لتطهير الفاعل وإعادة العلاقة الزوجية إلى وضعها الطبيعي. تشمل أحكام الظهار ما يلي:
-
الكفارة: بمجرد أن يقوم الرجل بالظهار، يُلزَم بكفارة كبيرة كنوع من التطهير له ولعلاقته مع زوجته. وفقًا للحديث النبوي، فإن الكفارة تكون إما صيام شهرين متتاليين أو إطعام 60 مسكينًا إذا لم يتمكن من الصيام.
-
عدم جواز العودة إلى الزوجة: لا يجوز للرجل أن يعود إلى زوجته بعد الظهار إلا بعد أن يؤدي الكفارة، وعليه أن يُظهر التوبة على هذا الفعل.
-
إباحة العودة بعد الكفارة: بعد إتمام الكفارة، يجوز للرجل العودة إلى زوجته والعيش معها بشكل طبيعي.
كيف يُعتبر الظهار في الواقع العملي؟
الظهار هو إذًا من الأفعال التي تندرج ضمن التوبة والاعتراف بالخطأ في الشريعة الإسلامية. حيث إنه ليس فقط مجرّد تصريح لفظي من الرجل ضد زوجته، بل يتطلب تصرفًا عمليًا، وهو أداء الكفارة والرجوع إلى العلاقة الزوجية بعد إتمامها. الكفارة التي تم وضعها ليست عقوبة، بل هي وسيلة لتطهير الرجل من الفعل الذي أوقعه.
وإذا كان الرجل في حالة لا تسمح له بأداء الكفارة في وقتها، فيمكن له أن يلتزم بها في وقت لاحق. ولكن يجب عليه أن يبذل جهدًا لامتثال الشريعة في تطهير العلاقة من الخطأ الذي وقع فيه. إن الظهار لا يجعل العلاقة بين الزوجين نهائية، بل يشير إلى ضرورة تصحيح الموقف الشرعي.
الظهار في الفقه الإسلامي
تعددت آراء الفقهاء حول الظهار بين المذاهب الإسلامية المختلفة، ولكن عامةً تتفق المذاهب الأربعة على أن الظهار يوجب الكفارة كما ورد في القرآن الكريم، ولكن مع بعض الاختلافات في التفاصيل:
-
في المذهب الحنفي: يُعتبر الظهار غير صحيح إذا كان الرجل يظن أن الأمر لا يستدعي جزاء. كما أن المذهب الحنفي يشترط وقوع الكفارة على الفور بعد وقوع الظهار.
-
في المذهب المالكي: يرى المالكية أن الظهار هو قول الرجل لزوجته: “أنتِ عليَّ كظهر أمي”، وأنه يُلزم الكفارة من دون تفرقة بين الألفاظ.
-
في المذهب الشافعي: يتشدد الشافعية في ضرورة أداء الكفارة، ويعتبرون أن الظهار يوجب كفارة صيام شهرين متتابعين أو إطعام 60 مسكينًا.
-
في المذهب الحنبلي: تتفق الحنابلة مع باقي المذاهب في أن الظهار يوجب الكفارة، ولكنهم يركزون على الشروط التفصيلية في كيفية تطبيق الكفارة.
أثر الظهار في العلاقات الزوجية
الظهار يمكن أن يكون له أثر كبير في الحياة الزوجية إذا تم إيقاعه، حيث إنه يخلق فجوة بين الزوجين نتيجة الفهم الخاطئ أو الاستعمال الجائر لهذا اللفظ. إذ كان الظهار في الجاهلية من وسائل الضغط والتحكم، ولذلك فإن الإسلام جاء ليراعي حقوق المرأة والعدالة بين الزوجين. من خلال فرض الكفارة، يشجع الإسلام على إعادة الأمور إلى نصابها، وإزالة أي تأثيرات سلبية قد تحدث جراء هذا الفعل.
الختام
الظهار هو أحد المفاهيم التي تطرقت إليها الشريعة الإسلامية لتصحيح بعض الممارسات التي كانت منتشرة في الجاهلية. وعلى الرغم من أن هذا اللفظ كان يمثل طلاقًا مؤقتًا في الجاهلية، إلا أن الإسلام جاء ليضع حدودًا واضحة له من خلال فرض الكفارة على الرجل الذي يقع في هذا الخطأ. بذلك يحافظ الإسلام على حقوق المرأة ويعزز من العلاقات الزوجية بين الرجل والمرأة، ويحث على التوبة والتطهير النفسي بعد وقوع الألفاظ الجائرة.
