الطفل العسراوي: فهم شامل للأطفال الذين يستخدمون اليد اليسرى

يُشير مصطلح “الطفل العسراوي” إلى الطفل الذي يفضل استخدام اليد اليسرى في أداء معظم الأنشطة اليومية، مثل الكتابة، الرسم، الأكل، والإمساك بالأشياء. وعلى الرغم من أن أغلب الناس حول العالم يستخدمون اليد اليمنى، إلا أن نسبة لا بأس بها من الأطفال تتجه إلى اليد اليسرى، وهو ما يستوجب فهم طبيعة هذا التوجه، أسباب ظهوره، تأثيراته على التعلم والنمو، وأفضل الطرق لدعم هؤلاء الأطفال في حياتهم الدراسية والاجتماعية.

مقدمة عن العسر اليدوي وأسبابه

العسر اليدوي هو ظاهرة طبيعية وبيولوجية تتمثل في تفضيل استخدام يد واحدة على الأخرى لأداء المهام الحركية الدقيقة. يظهر هذا التفضيل غالباً في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث يحدد الطفل بشكل تدريجي اليد التي يشعر براحة أكثر في استخدامها. تشير الدراسات إلى أن حوالي 10% من سكان العالم هم عسراويون، أي أنهم يستخدمون اليد اليسرى بشكل أساسي.

الأسباب البيولوجية والنفسية للعسر اليدوي

تنطوي أسباب تفضيل اليد اليسرى على مجموعة من العوامل البيولوجية والجينية والبيئية، من أبرزها:

• العوامل الجينية: تشير الأبحاث إلى وجود ارتباط وراثي لتفضيل اليد اليسرى، حيث يميل الأطفال إلى أن يكونوا عسراويين إذا كان أحد الوالدين أو كلاهما كذلك.

• وظيفة الدماغ: يختلف نشاط نصفي الكرة المخية في الدماغ بين الأفراد. فبينما يسيطر نصف الدماغ الأيسر على الحركة عند معظم الأشخاص، يهيمن نصف الدماغ الأيمن على حركة العسراويين، وهذا يؤثر على الجانب المفضل للاستخدام.

• العوامل البيئية: في بعض الحالات، قد يؤثر المحيط الاجتماعي والأسري، وكذلك التقاليد الثقافية، على تكوين عادة استخدام اليد، حيث قد يُطلب من بعض الأطفال العسراويين التكيف مع استخدام اليد اليمنى.

تطور الطفل العسراوي ونموه الحركي

الطفل العسراوي يمر بمراحل تطور طبيعية لكن قد تظهر بعض التحديات الحركية بسبب اختلاف استخدام اليد، حيث أن معظم الأدوات والبيئات التعليمية مُعدة للاستخدام من قبل الأطفال اليمنى اليد.

مراحل تطور المهارات الحركية لدى الطفل العسراوي

• الرضاعة واللمس المبكر: تظهر علامات تفضيل اليد مبكراً خلال شهور الرضاعة، حيث يفضل الطفل استخدام يده اليسرى في الإمساك بالحلمات أو الألعاب.

• الزحف والمشي: يظل الطفل يستخدم اليد اليسرى في الاستكشاف والتمسك عند الزحف، ومع بداية المشي يبدأ بالتمييز في استخدام اليد التي يفضلها.

• الكتابة والرسم: في عمر 3-5 سنوات يبدأ الطفل العسراوي في استخدام اليد اليسرى بشكل واضح للكتابة والرسم، وهي من أهم مراحل التعلم التي قد تواجه بعض التحديات.

التحديات التي يواجهها الطفل العسراوي

رغم أن استخدام اليد اليسرى لا يشكل مشكلة صحية بحد ذاته، إلا أن الطفل العسراوي قد يواجه بعض العقبات في بيئة مصممة غالباً للأيمنين، كما قد يواجه سوء فهم أو ضغوطاً اجتماعية، مما يؤثر على تحصيله الدراسي وثقته بنفسه.

التحديات التعليمية

• الكتابة اليدوية: يواجه الطفل العسراوي صعوبة في الكتابة، خصوصاً في اللغات التي تُكتب من اليسار إلى اليمين، إذ قد تميل اليد اليسرى إلى تغطية ما كتبه الطفل بالفعل، مما يسبب تلطيخ الحبر أو الشعور بعدم الراحة.

• استخدام الأدوات المدرسية: غالبية الأدوات مثل المقص، الأقلام، المقاعد، وحتى دفاتر الملاحظات، مصممة بشكل يناسب اليد اليمنى، مما يجعل استخدامها أقل كفاءة للطفل العسراوي.

• الإرهاق البدني: بعض الأطفال العسراويين يشعرون بالإرهاق أسرع أثناء أداء الأنشطة اليدوية مقارنة بزملائهم اليمنى اليد بسبب المحاولات المتكررة للتكيف مع الأدوات.

التحديات النفسية والاجتماعية

• الوصم والتهميش: لا يزال في بعض الثقافات والمجتمعات نظرة سلبية تجاه العسر اليدوي، حيث يُنظر إلى استخدام اليد اليسرى على أنه أمر غير طبيعي أو ضعيف، مما يولد شعوراً بالنقص أو الإحراج لدى الطفل.

• الضغط لتغيير اليد المهيمنة: في بعض الأحيان، يُجبر الطفل على استخدام اليد اليمنى بدل اليسرى، مما قد يؤدي إلى اضطرابات في التعلم أو القلق النفسي.

• تأثير على الثقة بالنفس: بسبب الصعوبات التي قد تواجه الطفل في الأداء الأكاديمي والاجتماعي، قد يتراجع مستوى ثقته بنفسه، ويشعر بالعزلة أو الإحباط.

دعم الطفل العسراوي في البيئة التعليمية والمنزلية

يتطلب دعم الطفل العسراوي تفهماً واعياً من قبل الأسرة والمعلمين لتوفير بيئة مناسبة تتيح له تنمية مهاراته دون عوائق.

استراتيجيات داعمة في المدرسة

• توفير أدوات ملائمة: مثل مقصات وأقلام مخصصة للعسراويين، بالإضافة إلى مقاعد وأماكن جلوس تسمح بالراحة اليدوية.

• تعديل طرق التعليم: تشجيع الطفل على الكتابة بوضعيات مريحة له، وتعليم تقنيات مناسبة لتجنب تلطيخ الحبر، بالإضافة إلى إعطاءه الوقت الكافي لإكمال المهام.

• التوعية بين المعلمين والطلاب: نشر ثقافة تقبل العسر اليدوي، وشرح أن اختلاف اليد المستخدمة لا يعني نقصاً في القدرات.

دعم الأسرة

• القبول والتشجيع: يجب أن يتقبل الوالدان الطفل كما هو، ويشجّعاه على استخدام يده المهيمنة بحرية دون محاولات لإجباره على التغيير.

• تهيئة البيئة المنزلية: توفير أدوات مكتبية وألعاب تناسب اليد اليسرى، وتهيئة زاوية كتابة مريحة.

• المتابعة الطبية والنفسية: في حال وجود صعوبات ملحوظة في التطور الحركي أو التعليمي، يفضل استشارة أخصائي علاج طبيعي أو نفسي للأطفال.

الفوائد والخصائص الخاصة للأطفال العسراويين

على الرغم من التحديات، يمتلك الأطفال العسراويون مزايا وخصائص قد تجعلهم متميزين في مجالات متعددة.

• تفوق في المهارات الإبداعية والفنية: هناك ارتباط بين استخدام اليد اليسرى والإبداع، حيث أظهرت دراسات أن العسراويين غالباً ما يكونون أكثر قدرة على التفكير الابتكاري والقدرة على حل المشكلات بطريقة غير تقليدية.

• مهارات متطورة في التنسيق الحركي: بعض الأطفال العسراويين يمتلكون قدرة مميزة في التحكم الحركي الدقيق بيدهم اليسرى، مما يؤهلهم للنجاح في مجالات مثل الرسم، الموسيقى، والرياضة.

• تفكير متماثل نصفي الدماغ: بسبب نشاط نصفي الكرة الدماغي المختلف، قد يظهر لدى العسراويين توازن أفضل بين الوظائف المنطقية والإبداعية.

الجوانب العلمية حول العسر اليدوي

تمتد الأبحاث العلمية إلى دراسة العسر اليدوي من زوايا متعددة، من بيولوجية إلى نفسية واجتماعية. تؤكد الدراسات الحديثة أن العسر اليدوي ليس مرضاً أو خللاً، بل هو تنوع طبيعي في الطبيعة البشرية.

العسر اليدوي والجينات

أثبتت الدراسات الجينية وجود جينات محتملة مرتبطة بتفضيل اليد اليسرى، إلا أن البيئة المحيطة تلعب دوراً مهماً في تحديد اليد المهيمنة. كما أن العسر اليدوي يظهر أحياناً بشكل متقطع في العائلات، دون أن يكون موروثاً بشكل مطلق.

العسر اليدوي والدماغ

يعمل نصفي الكرة الدماغية بشكل مختلف عند العسراويين. فبينما يسيطر نصف الكرة الأيسر على اللغة والحركات الدقيقة عند الأغلبية اليمنى اليد، يلاحظ لدى العسراويين سيطرة أحياناً لنصف الكرة الأيمن، أو مشاركة متوازنة بين النصفيْن.

العسر اليدوي والصحة النفسية

بعض الدراسات ربطت بين العسر اليدوي ومعدلات أعلى قليلاً من بعض الاضطرابات العصبية مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ولكن هذه العلاقة ليست حاسمة وليست عامة. كما أن الدعم النفسي والاجتماعي المناسب يقلل من أية آثار سلبية محتملة.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين خصائص الأطفال العسراويين والأيمنين:

الخلاصة

الطفل العسراوي هو طفل يستخدم اليد اليسرى كتفضيل طبيعي وشائع في مجتمعاتنا، ويحتاج إلى فهم ودعم خاصين لتجاوز تحديات بيئته التي تركز غالباً على اليد اليمنى. العسر اليدوي ليس عائقاً بل اختلافاً يجب تقبله والاحتفاء به لما يحمله من إمكانيات ومزايا فريدة. بتوفير البيئة المناسبة والدعم النفسي والتربوي، يمكن للأطفال العسراويين أن يحققوا نجاحات كبيرة في مسيرتهم التعليمية والاجتماعية ويبرزوا كأفراد مبدعين وناجحين في المجتمع.

المصادر والمراجع

• McManus, I.C. (2019). The History and Geography of Human Handedness. Handbook of Clinical Neurology, 164, 295-320.

• Bryden, M.P. (2013). Laterality: Functional Asymmetry in the Intact Brain. Academic Press.