الشيخ زايد: مؤسس الأمة

الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: قائد مؤسس ورمز للوحدة والتنمية

مقدمة

يُعتبر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، أحد أبرز القادة الذين أسهموا في نهضة وتطوير دولة الإمارات العربية المتحدة. فمن خلال رؤيته الحكيمة وعزمه الراسخ، أسس دولة حديثة ومتقدمة، استطاعت أن تضع نفسها على خريطة العالم كدولة عصرية ومرموقة، تحترم تقاليدها وتاريخها العريق وفي الوقت نفسه تواكب أحدث التطورات العالمية. كان الشيخ زايد رمزاً للقيادة الحكيمة، والتواضع، والإنسانية، والعدل، وقد سطر له التاريخ صفحة مشرفة من الإنجازات على مستوى الدولة والعالم العربي.

النشأة والتعليم

وُلد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في 6 مايو 1918 في مدينة العين بمنطقة أبوظبي، وهو الابن الأكبر للشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، أحد حكام إمارة أبوظبي، وحصة بنت محمد بن خليفة آل نهيان. نشأ الشيخ زايد في بيئة صحراوية قاسية، حيث كانت حياة البادية مليئة بالتحديات. إلا أن هذه البيئة، على الرغم من صعوبتها، كانت قد شكلت جزءاً أساسياً في تشكيل شخصيته. فقد تعلم منذ صغره فنون البقاء في الصحراء والاعتماد على النفس، وهي قيم ستظل حاضرة في مسيرته القيادية.

تعلم الشيخ زايد في مدرسة الفلاح التي كانت تُدرس فيها العلوم الشرعية واللغوية في بيئة بسيطة ومتواضعة، وهو ما جعل له تعلقاً عميقاً بتاريخ وطنه ودينه.

رحلة الشيخ زايد إلى القيادة

بدأت رحلة الشيخ زايد في عالم السياسة عندما تولى حكم إمارة أبوظبي في عام 1966 بعد وفاة والده الشيخ سلطان بن زايد. كان حينها في الثامنة والأربعين من عمره، ووجد نفسه أمام تحديات كبيرة على مستوى إمارة أبوظبي والدولة بشكل عام. تولى الشيخ زايد حكم الإمارة في فترة كانت فيها الإمارات العربية غير موحدة، وكان لكل إمارة هيكلها السياسي والاقتصادي المستقل. ولكن بفضل حكمته وحنكته، بدأ الشيخ زايد يعمل على وحدة الإمارات ودفعها نحو المستقبل.

لقد أظهر الشيخ زايد خلال السنوات الأولى من حكمه قدرة فائقة على التفوق في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية. ومنذ توليه الحكم، بدأ بتطوير أبوظبي من خلال تنفيذ مشاريع كبيرة في مجالات التعليم، الصحة، والبنية التحتية، وهو ما جعلها تشهد تحولات جذرية في تلك الفترة القصيرة.

التحولات الكبرى في عهد الشيخ زايد

كان الشيخ زايد حريصًا على أن تواكب الإمارات التحولات العالمية في مجالات الاقتصاد والسياسة، وخصوصاً في حقول النفط، الذي كان يمثل المصدر الأساسي للثروة. بدأ الشيخ زايد في تطوير قطاع النفط بشكل كبير، وحسن استخدامه لتعزيز الاقتصاد الوطني ورفع مستوى المعيشة للمواطنين. كما عمل على تحقيق التنمية المستدامة، واهتم بإقامة العديد من المشاريع الزراعية التي كانت أساسية في تحسين مستوى الحياة في الإمارات.

عُرف الشيخ زايد بشغفه الكبير بالتعليم، حيث كان يعتبره أحد الأركان الأساسية لبناء المجتمع. بدأ الشيخ زايد بتأسيس العديد من المدارس والجامعات في مختلف أنحاء الإمارات، كما حرص على تعليم المرأة وتوفير الفرص لها في جميع المجالات.

بالإضافة إلى ذلك، كان الشيخ زايد يشرف شخصيًا على تطوير البنية التحتية في الإمارات، بما في ذلك بناء الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس. كما أن إمارة أبوظبي شهدت في فترة حكمه قفزات كبيرة في التنمية الحضرية، فتم إنشاء العديد من المدن الحديثة والمشاريع المعمارية التي عكست رؤية الشيخ زايد للمستقبل.

التاريخ السياسي والمساهمة في تأسيس الاتحاد

لا يمكن الحديث عن الشيخ زايد دون ذكر دوره الكبير في تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة. فبعد توليه حكم أبوظبي، بدأ الشيخ زايد يسعى بشكل جاد إلى توحيد الإمارات السبع التي كانت تتكون منها شبه الجزيرة العربية، وهي أبوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، الفجيرة، ورأس الخيمة. استغرق الشيخ زايد بضع سنوات من المفاوضات والحوارات مع حكام الإمارات الأخرى قبل أن يتوصلوا إلى اتفاق لإنشاء اتحاد يهدف إلى تحقيق الاستقرار والتنمية.

في 2 ديسمبر 1971، أعلن عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان الشيخ زايد هو أول رئيس لها، ليبدأ بذلك مرحلة جديدة من العمل المشترك بين الإمارات. كانت رؤيته واضحة: بناء اتحاد قوي ومتقدم يتيح لكل إمارة الحفاظ على خصوصياتها، بينما يضمن لها التنسيق والعمل المشترك في المجالات المختلفة. وبفضل جهود الشيخ زايد، تم تأسيس مؤسسات الدولة الاتحادية التي تجمع الإمارات تحت راية واحدة.

الدبلوماسية والعلاقات الدولية

كان للشيخ زايد دور مهم في السياسة الدولية، فقد كان يُعتبر من أبرز القادة في العالم العربي والإسلامي، وكان له حضور قوي في الساحة الدولية. حافظ الشيخ زايد على سياسة خارجية متوازنة، وكان يحترم مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بينما كان حريصاً على تعزيز التعاون الدولي في مجالات التنمية والسلام.

كانت الإمارات في عهده حاضرة بقوة في مؤسسات التعاون الإقليمي والدولي مثل مجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية. وقد سعى الشيخ زايد إلى تقديم الدعم للأشقاء في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي، حيث ساهمت الإمارات في تقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية للعديد من الدول.

التأثير الإنساني والعطاء الخيري

لا يقتصر إرث الشيخ زايد على الجانب السياسي والاقتصادي فحسب، بل كان له دور كبير في العمل الخيري والإنساني على الصعيدين المحلي والدولي. كان الشيخ زايد، رحمه الله، من أبرز الشخصيات التي قدمت مساعدات طبية وتعليمية وإنسانية لمجتمعات محتاجة، وهو ما جعله يحظى باحترام عالمي.

اهتم الشيخ زايد بتطوير المجتمع من خلال مشاريع تنموية تساهم في رفع مستوى الحياة للمواطنين والمقيمين. كما كانت الإمارات في عهده من أبرز المساهمين في مجال الإغاثة الإنسانية، حيث تم إرسال العديد من البعثات الطبية والطعام والدواء إلى مختلف مناطق النزاع والفقر في العالم.

الشيخ زايد والبيئة

كان الشيخ زايد يهتم بشكل كبير بالقضايا البيئية وكان يُعتبر من الأوائل الذين أدركوا أهمية الحفاظ على البيئة في منطقة الخليج. أسس العديد من المبادرات البيئية التي تهدف إلى الحفاظ على البيئة الصحراوية وزيادة المساحات الخضراء في الإمارات. كان يؤمن أن التوازن بين التنمية والحفاظ على البيئة هو السبيل إلى الاستدامة.

الشيخ زايد: الإرث الذي لا يُنسى

بعد رحيل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في 2 نوفمبر 2004، ترك وراءه إرثاً عظيماً لا يُنسى. فقد أسس دولة الإمارات العربية المتحدة لتصبح واحدة من أكثر دول العالم تطوراً وازدهاراً، وكان له دور كبير في تعزيز قيم الوحدة، التعاون، والعدل. وُضِع اسمه في سجل التاريخ كقائد حكيم ومؤسس دولة، ومؤثر إيجابي في مجالات عدة على مستوى العالم.

لقد تواصلت الإمارات العربية المتحدة في عهد خلفه، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، بتوجيهات الشيخ زايد التي ركزت على الاستمرار في مسار التنمية المستدامة، والاهتمام بالإنسان، والحفاظ على بيئة طبيعية صحية. ولا يزال الشعب الإماراتي يذكره بكل فخر، ويعترف بفضله الكبير في جعل الإمارات ما هي عليه اليوم.