الشعور بالبرد في الصيف

الشعور بالبرد في عز الصيف: الأسباب، التفسيرات العلمية، والعلاجات الممكنة

رغم ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف، إلا أن بعض الأشخاص يختبرون شعوراً بالبرد المستمر أو المتكرر، حتى عندما تكون درجات الحرارة الخارجية مرتفعة بشكل غير معتاد. هذا الشعور الغريب قد يبدو للوهلة الأولى غير منطقي أو غير مبرر، لكنه في الحقيقة قد يكون مؤشراً مهماً على حالة صحية معينة أو نتيجة لتغيرات في وظائف الجسم أو حتى تأثيرات نمط الحياة. المقال التالي يتناول هذه الظاهرة بشكل مفصل، مع تحليل علمي وطبي دقيق لمسبباتها، وآليات عملها في الجسم، والسبل العملية للتعامل معها.

أولاً: فهم الشعور بالبرد من منظور فسيولوجي

الجسم البشري يتمتع بآلية داخلية محكمة لتنظيم درجة الحرارة تُعرف باسم الموازنة الحرارية (Thermoregulation). وتعمل هذه الآلية على إبقاء درجة حرارة الجسم ضمن نطاق معين (حوالي 37 درجة مئوية) بغض النظر عن الظروف الخارجية. عند ارتفاع حرارة الجو، يُفترض أن الجسم يقوم بعمليات فسيولوجية مثل التعرق وتوسع الأوعية الدموية الجلدية لتبديد الحرارة. وعندما يشعر الشخص بالبرد رغم حرارة الجو، فهذا يعني أن هذه الآليات إما أنها لا تعمل بشكل طبيعي، أو أن هناك عوامل أخرى تؤثر على الإحساس بالحرارة.

ثانياً: الأسباب الشائعة للشعور بالبرد في الصيف

1. قصور الغدة الدرقية (Hypothyroidism)

تُعتبر الغدة الدرقية أحد أهم الغدد المسؤولة عن تنظيم التمثيل الغذائي وإنتاج الحرارة. وعند انخفاض نشاطها، تقل قدرة الجسم على إنتاج الطاقة والحرارة، مما يؤدي إلى الشعور المستمر بالبرد، حتى في بيئة دافئة.

أعراض مصاحبة محتملة:

• زيادة الوزن غير المبررة

• بطء في الحركة والكلام

• جفاف البشرة

• ضعف في التركيز والذاكرة

• اكتئاب خفيف أو شعور بالخمول العام

2. الأنيميا (فقر الدم)

تُعد الأنيميا أحد الأسباب الأساسية للشعور بالبرد، حيث يؤدي انخفاض مستوى الهيموغلوبين أو كريات الدم الحمراء إلى ضعف قدرة الدم على نقل الأوكسجين، مما يسبب ضعفاً عاماً في عمليات الأيض وانخفاضاً في إنتاج الحرارة.

الأنواع المرتبطة بالبرد:

• أنيميا نقص الحديد

• أنيميا نقص فيتامين B12

• أنيميا الأمراض المزمنة

3. ضعف الدورة الدموية

في بعض الحالات، تكون الدورة الدموية ضعيفة أو غير فعالة في إيصال الدم إلى الأطراف، وخصوصاً في اليدين والقدمين، ما يؤدي إلى الإحساس الدائم بالبرودة فيها. هذه الحالة ترتبط بأمراض القلب، ضغط الدم المنخفض، أو استخدام بعض الأدوية الموسعة للأوعية.

4. نقص الكتلة العضلية أو الدهون تحت الجلد

الأنسجة العضلية والدهون تلعب دوراً هاماً في العزل الحراري للجسم. الأشخاص الذين يعانون من نقص شديد في الوزن، أو فقدان العضلات، قد يشعرون بالبرد أكثر من غيرهم.

5. التعرض الطويل لتكييف الهواء

التعرض المزمن والمباشر لهواء التكييف البارد، خصوصاً في أماكن العمل أو أثناء النوم، يمكن أن يُحدث اختلالاً في استشعار الجسم لدرجة الحرارة الطبيعية، مما يؤدي إلى شعور دائم بالبرد حتى بعد مغادرة البيئة المكيّفة.

ثالثاً: الحالات المرضية النادرة المرتبطة بالبرد في الصيف

1. متلازمة رينود (Raynaud’s Syndrome)

وهي حالة تؤثر على الأوعية الدموية، وخصوصاً في الأصابع، وتجعلها تنقبض بشكل غير طبيعي عند التعرض لتغير طفيف في درجة الحرارة أو حتى في حالة التوتر العصبي. في هذه الحالة يشعر المصاب ببرودة شديدة وخدر في الأطراف، حتى في الطقس الحار.

2. اضطرابات هرمونية أخرى

بعض الحالات مثل نقص هرمون الكورتيزول (قصور الكظر) أو الاختلالات الهرمونية المتعلقة بسن اليأس قد تؤدي أيضاً إلى تغيّرات في استجابة الجسم للحرارة والشعور بالبرد غير المبرر.

3. التهابات مزمنة أو أمراض المناعة الذاتية

الأمراض مثل الذئبة الحمراء أو التصلب المتعدد يمكن أن تؤثر على الجهاز العصبي الذاتي الذي ينظم الحرارة، مما يسبب شعوراً غير مبرر بالبرد.

رابعاً: التأثيرات النفسية على الإحساس بالبرد

لا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه الحالة النفسية في تنظيم الإحساس بالحرارة. القلق، التوتر، ونوبات الهلع قد تؤدي إلى برودة الأطراف والشعور بالبرد بسبب ضيق الأوعية الدموية، حتى في درجات حرارة معتدلة.

كما أن الاكتئاب قد يؤدي إلى تباطؤ في التمثيل الغذائي، مما يسبب انخفاضاً في حرارة الجسم الداخلية.

خامساً: أثر التغذية ونمط الحياة

1. نقص السعرات الحرارية

اتباع حميات غذائية قاسية، أو الصيام لفترات طويلة، يؤدي إلى انخفاض في طاقة الجسم المتاحة لتوليد الحرارة. هذا التأثير يتضاعف لدى الأشخاص الذين لا يستهلكون كميات كافية من الدهون والبروتينات.

2. نقص في الفيتامينات والمعادن

• فيتامين B12: ضروري لإنتاج كريات الدم الحمراء

• الحديد: ضروري لنقل الأوكسجين

• المغنيسيوم والزنك: يساهمان في تنظيم حرارة الجسم

3. نمط النوم غير المنتظم

اضطراب النوم يؤثر على الجهاز العصبي المركزي المسؤول عن تنظيم الحرارة، ويؤدي إلى اختلال في الساعة البيولوجية، مما يؤثر على الشعور بالحرارة والبرودة.

سادساً: التفسير المناخي والعوامل البيئية

رغم ارتفاع درجات الحرارة الخارجية، فإن التعرض الطويل للتكييف أو البيئات المعزولة حرارياً يؤدي إلى انخفاض حرارة الجلد تدريجياً، خصوصاً عند الأشخاص ذوي الحساسية الحرارية العالية. بالإضافة إلى ذلك، التغيرات المفاجئة بين بيئة حارة وأخرى باردة تؤثر على الأوعية الدموية وتقلل من مرونتها في التكيف.

سابعاً: طرق التشخيص

عند استمرار الشعور بالبرد رغم حرارة الجو، من الضروري التوجه للطبيب وإجراء الفحوصات التالية:

ثامناً: العلاجات والتوصيات العملية

1. علاج السبب الجذري

• في حال تم تشخيص قصور الغدة الدرقية، يبدأ الطبيب بوصف هرمون الثيروكسين التعويضي.

• لعلاج فقر الدم، يتم وصف الحديد أو B12 حسب السبب.

• في حالات اضطرابات المناعة أو رينود، يُعالج المرض الأساسي بالأدوية المثبطة للمناعة أو موسعات الأوعية.

2. تحسين التغذية

• إدخال وجبات غنية بالبروتين، الدهون الصحية، والفيتامينات.

• تناول الأطعمة الغنية بالحديد (مثل الكبد، السبانخ)

• الحرص على شرب الماء لتجنب الجفاف، والذي بدوره يزيد من الإحساس بالبرد.

3. تنظيم النوم والنشاط البدني

• الالتزام بجدول نوم منتظم لدعم الوظائف البيولوجية

• ممارسة التمارين الرياضية التي تساعد على تحسين الدورة الدموية وزيادة إنتاج الحرارة

4. تقليل التعرض للمكيّف

• ضبط التكييف على درجات معتدلة

• ارتداء ملابس إضافية عند الجلوس في أماكن باردة

• استخدام وسائد أو بطانيات خفيفة في أماكن العمل أو النوم

5. العلاج السلوكي والذهني

• في حال ثبت أن السبب نفسي (مثل القلق أو الاكتئاب)، يوصى بالعلاج المعرفي السلوكي أو جلسات الاسترخاء

• التأمل وتمارين التنفس العميق تساعد في تهدئة الجهاز العصبي وتحسين تدفق الدم

المصادر

• Mayo Clinic. “Hypothyroidism.” https://www.mayoclinic.org

• National Heart, Lung, and Blood Institute. “Anemia.” https://www.nhlbi.nih.gov

هذا المقال يغطي الجوانب الفسيولوجية، الطبية، النفسية، والبيئية للشعور بالبرد في الصيف، ويهدف لتقديم مرجعية علمية متكاملة لفهم هذه الظاهرة وتحديد مسبباتها وكيفية التعامل معها.