الشاي الأخضر والوقاية من سرطان الرئة

الشاي الأخضر يقي من سرطان الرئة

يُعد سرطان الرئة من أخطر أنواع السرطانات التي تصيب الإنسان، نظرًا لارتفاع معدل الوفيات الناتجة عنه، وتفاقم الأعراض في مراحل متقدمة من المرض. وفي ظل التزايد المستمر في عدد الإصابات حول العالم، تسعى الأوساط العلمية والطبية إلى اكتشاف سبل جديدة للوقاية، بجانب الأساليب التقليدية مثل الامتناع عن التدخين والتقليل من التعرض للملوثات. في هذا السياق، أظهرت مجموعة متزايدة من الدراسات أن الشاي الأخضر، وهو مشروب تقليدي واسع الانتشار في الثقافة الآسيوية، قد يلعب دورًا وقائيًا فعالًا ضد سرطان الرئة، وذلك بفضل تركيبته الكيميائية الغنية بالمركبات المضادة للأكسدة والمضادة للالتهاب.

التركيب الكيميائي للشاي الأخضر

الشاي الأخضر يتميز بمحتواه الغني من البوليفينولات، ولا سيما مركبات الكاتيكين (Catechins)، وهي مضادات أكسدة قوية. من بين الكاتيكينات، يعتبر “إبيغالوكاتيشين غالات” (EGCG) هو المركب الأكثر فعالية وتأثيرًا في تثبيط العمليات التي تؤدي إلى نشوء وتطور السرطان. يعمل EGCG على كبح انقسام الخلايا غير الطبيعي، والتقليل من الإجهاد التأكسدي، وتحفيز آليات موت الخلايا المبرمج (Apoptosis) في الخلايا السرطانية.

آلية الوقاية من السرطان عبر الشاي الأخضر

تمت دراسة الآليات البيولوجية التي يساهم بها الشاي الأخضر في الوقاية من السرطان، وخصوصًا سرطان الرئة، ووجد أن هذه الآليات متعددة الجوانب وتشمل:

• تثبيط نمو الخلايا السرطانية: مركبات الكاتيكين تثبط الإنزيمات التي تعزز نمو وتكاثر الخلايا غير الطبيعية.

• تنشيط الجينات الكابحة للورم: EGCG يعزز التعبير الجيني للجينات التي تمنع تحول الخلايا إلى خلايا سرطانية.

• تقليل الالتهاب الرئوي المزمن: الالتهاب المزمن يعد من العوامل المحفزة لنشوء السرطان، والشاي الأخضر له خصائص قوية مضادة للالتهاب.

• منع تكون الأوعية الدموية الجديدة في الأورام (Anti-angiogenesis): وهي عملية مهمة في نمو الورم وانتشاره، ويعمل الشاي الأخضر على إيقافها.

الأدلة الوبائية والسريرية

أظهرت دراسات واسعة النطاق أجريت على مجموعات سكانية في اليابان والصين، حيث يستهلك الشاي الأخضر بكميات كبيرة يوميًا، أن معدلات الإصابة بسرطان الرئة لدى هؤلاء الأشخاص كانت أقل من غيرهم، حتى مع وجود نسبة من المدخنين ضمن هذه الفئات.

في دراسة منشورة بمجلة Cancer Epidemiology, Biomarkers & Prevention، تمت متابعة أكثر من 40,000 فرد ياباني على مدى 10 سنوات، وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يستهلكون ما لا يقل عن خمس أكواب من الشاي الأخضر يوميًا تقل لديهم احتمالية الإصابة بسرطان الرئة بنسبة تصل إلى 25% مقارنة بمن يشربون أقل من كوب يوميًا.

دراسة أخرى من الصين شملت مدخنين وغير مدخنين أظهرت أن استهلاك الشاي الأخضر ارتبط بانخفاض واضح في المؤشرات البيولوجية المرتبطة بتكوين الأورام في الرئة، خاصة لدى المدخنين الذين لديهم استعداد وراثي للإصابة.

الفروقات بين الشاي الأخضر وغيره من المشروبات

بالمقارنة مع أنواع الشاي الأخرى مثل الشاي الأسود أو الشاي الأولونغ، يتميز الشاي الأخضر بكونه لا يخضع لعملية الأكسدة الكاملة، مما يسمح بالحفاظ على مركبات الكاتيكين بتركيزات عالية. كما أن الشاي الأخضر يحتوي على نسبة أقل من الكافيين، مما يجعله أكثر أمانًا للاستهلاك اليومي، ولا يسبب الآثار الجانبية المرتبطة بزيادة الكافيين مثل الأرق أو ارتفاع ضغط الدم.

تأثير الشاي الأخضر على جينات السرطان

في مجال الأبحاث الجينية، أظهرت التجارب المخبرية أن مركبات الشاي الأخضر تقوم بكبح تفعيل بعض الجينات المحفزة للسرطان مثل EGFR وKRAS، والتي تعتبر شائعة في العديد من حالات سرطان الرئة، خاصةً في سرطان الرئة غير صغير الخلايا (NSCLC).

كذلك، فإن الشاي الأخضر يحفز التعبير عن الجينات المرتبطة بإصلاح الحمض النووي، مما يقلل من تراكم الطفرات الجينية التي قد تؤدي إلى السرطان على المدى الطويل.

الشاي الأخضر وتقليل خطر السرطان عند المدخنين

رغم أن التدخين يعد العامل الأول في الإصابة بسرطان الرئة، إلا أن الدراسات تشير إلى أن الاستهلاك المنتظم للشاي الأخضر يمكن أن يخفف من الأضرار الناتجة عن السموم المسرطنة الموجودة في التبغ. فمضادات الأكسدة الموجودة في الشاي الأخضر تعمل على إزالة الجذور الحرة الضارة التي تفرز نتيجة احتراق التبغ، وتقلل من تأثيرها التراكمي على خلايا الرئة.

الجرعة اليومية الموصى بها للوقاية

تشير معظم الدراسات إلى أن الجرعة المثلى للحصول على التأثير الوقائي تتراوح بين ثلاث إلى خمس أكواب يوميًا من الشاي الأخضر، ويفضل أن يكون محضرًا بطريقة تقليدية دون إضافات مثل السكر أو الحليب، حتى لا تتداخل مع امتصاص المركبات النشطة. وللحصول على أفضل النتائج، يُنصح بنقع أوراق الشاي في ماء لا يغلي (حوالي 80 درجة مئوية) لمدة 2-3 دقائق فقط.

الجدول التالي يوضح الفروقات في محتوى بعض المركبات النشطة بين أنواع الشاي:

الاحتياطات والتحذيرات

رغم الفوائد المثبتة للشاي الأخضر، إلا أن الإفراط في تناوله قد يسبب آثارًا جانبية في بعض الحالات، مثل تهيج المعدة بسبب حمضيته، أو تقليل امتصاص الحديد من الغذاء، لذلك يُنصح بتناوله بعيدًا عن الوجبات الرئيسية، خاصةً لدى الأشخاص المصابين بفقر الدم. كما يجب على المرضى الذين يتناولون أدوية مميعة للدم مثل الوارفارين استشارة الطبيب قبل إدخاله ضمن النظام اليومي، لأن الكاتيكينات قد تتداخل مع مفعول هذه الأدوية.

الاستخدامات التكميلية للشاي الأخضر

بجانب شربه كمشروب، يُمكن استخدام مستخلص الشاي الأخضر على هيئة كبسولات كمكمل غذائي، ولكن يجب الحرص على اختيار منتجات موثوقة، واتباع الجرعات الموصى بها، حيث أن التركيز العالي قد يسبب سمية كبدية في بعض الحالات.

تستخدم أيضًا مستخلصات الشاي الأخضر في تصنيع مستحضرات طبية ودوائية، تدخل في تركيبات علاجية وأبحاث وقائية ضد الأورام، خاصة في الأوساط المتقدمة في مجال العلاج المناعي والطب التكاملي.

الخلاصة العلمية

الشاي الأخضر يُعد واحدًا من أكثر المشروبات الطبيعية فعالية في الوقاية من الأمراض السرطانية، وخصوصًا سرطان الرئة، نظراً لاحتوائه على مركبات فعالة تؤثر على المسارات الجزيئية التي تتحكم في نمو الخلايا، وتنشط آليات الحماية الخلوية. ولا يُمثل الشاي الأخضر علاجًا بديلاً، بل مكملاً استراتيجياً لأنماط الحياة الصحية، ما يجعله عنصراً واعداً ضمن الخطط العالمية للوقاية من السرطان، وخاصة في الفئات الأكثر عرضة للإصابة.

المراجع:

1. Yang CS, Wang H, Li GX, et al. Cancer prevention by tea: Evidence from laboratory studies. Pharmacol Res. 2021.

2. Sun CL, Yuan JM, Koh WP, et al. Green tea, black tea and lung cancer risk: a prospective study. Cancer Epidemiol Biomarkers Prev. 2006.