السلس البولي عند النساء: الأسباب، الأنواع، التشخيص، والعلاج الشامل

يُعد السلس البولي من المشكلات الصحية الشائعة التي تؤثر بشكل كبير على نوعية حياة النساء في مختلف المراحل العمرية. فهو لا يقتصر على فئة عمرية معينة أو على النساء بعد سن اليأس كما يعتقد البعض، بل يمكن أن يصيب النساء في مرحلة الشباب، خصوصًا بعد الحمل والولادة. السلس البولي لا يمثل فقط تحديًا جسديًا وإنما يؤثر نفسيًا واجتماعيًا على المصابات به، إذ يسبب الإحراج والعزلة وقلة الثقة بالنفس، بالإضافة إلى تقييد النشاطات اليومية والاجتماعية. تتعدد أسبابه وتختلف أنواعه، كما تتنوع طرق العلاج بين التمارين السلوكية والتدخلات الطبية أو الجراحية، مما يجعل التوعية والفهم الكامل لهذا الاضطراب أمرًا أساسيًا للحد من آثاره السلبية وتحسين جودة حياة المرأة المصابة.

مفهوم السلس البولي وتعريفه السريري

السلس البولي هو فقدان لا إرادي للبول يتراوح من تسرب بسيط عند السعال أو العطس، إلى فقدان كامل للتحكم في المثانة. يُعد هذا الاضطراب نتيجة لاختلال في التوازن الوظيفي بين المثانة وعضلات قاع الحوض والإشارات العصبية التي تنظم عملية التبول. يُشخّص السلس البولي سريريًا عندما يتكرر تسرب البول بشكل غير طبيعي ويؤثر على النشاطات اليومية للمريضة.

الأنواع الرئيسية للسلس البولي

1. السلس البولي الإجهادي (Stress Incontinence)

يحدث هذا النوع نتيجة ضعف عضلات قاع الحوض أو الصمام الإحليلي، حيث لا تتحمل الضغوط الناتجة عن السعال، أو العطس، أو الضحك، أو ممارسة التمارين الرياضية. يُعد الأكثر شيوعًا بين النساء خاصة بعد الولادة أو انقطاع الطمث.

2. السلس البولي الإلحاحي (Urge Incontinence)

يتميز بالرغبة المفاجئة والقوية للتبول يصعب تأجيلها، مما يؤدي إلى تسرب البول قبل الوصول إلى المرحاض. يرتبط عادة بفرط نشاط المثانة، وقد ينتج عن اضطرابات عصبية أو التهابات مزمنة في المثانة.

3. السلس المختلط (Mixed Incontinence)

يجمع بين النوعين السابقين: الإجهادي والإلحاحي. تُعاني النساء المصابات من تسرب البول أثناء النشاطات البدنية، بالإضافة إلى رغبة ملحة مفاجئة في التبول.

4. السلس الفيضي (Overflow Incontinence)

يحدث عند امتلاء المثانة بشكل مفرط دون أن تستطيع تفريغها بالكامل، مما يؤدي إلى تسرب البول ببطء وبشكل متكرر. يرتبط غالبًا بضعف عضلات المثانة أو انسداد في المسالك البولية.

5. السلس الوظيفي (Functional Incontinence)

لا يكون السبب هنا جسديًا في المثانة، بل في عوامل خارجية مثل محدودية الحركة، أو ضعف إدراك الحاجة للتبول، كما في بعض حالات الخرف أو الإعاقات الحركية.

الأسباب وعوامل الخطر

السلس البولي عند النساء لا يعود إلى سبب واحد بل إلى مجموعة من العوامل المتداخلة التي قد تساهم في ظهوره أو تفاقمه:

• الحمل والولادة المهبلية: تؤدي إلى ضعف عضلات قاع الحوض وتمدد الأعصاب.

• التقدم في العمر: مع التقدم في السن تضعف العضلات ويقل إفراز هرمون الإستروجين.

• السمنة: زيادة الضغط على المثانة والعضلات المحيطة بها.

• انقطاع الطمث: نقص الإستروجين يؤدي إلى ضعف الأنسجة الداعمة للمثانة.

• الجراحات النسائية: كاستئصال الرحم قد تؤثر على الأعصاب الداعمة للمثانة.

• الأمراض العصبية: مثل التصلب اللويحي، والسكتات الدماغية، ومرض باركنسون.

• الإمساك المزمن: يضعف عضلات الحوض مع مرور الوقت.

• تناول بعض الأدوية: مثل مدرات البول أو المهدئات التي تؤثر على وظيفة المثانة.

التشخيص الطبي

تُعد خطوة التشخيص الدقيق حجر الأساس في تحديد نوع السلس وخطة العلاج المناسبة. يبدأ التشخيص غالبًا بأخذ التاريخ المرضي الكامل، ثم إجراء فحص سريري يشمل منطقة البطن والحوض، مع تقييم وظيفة قاع الحوض. يشمل التشخيص:

• تحليل البول للكشف عن وجود التهابات أو دم.

• فحص المثانة بالموجات فوق الصوتية لتقدير كمية البول المتبقية بعد التبول.

• تسجيل يوميات التبول لمدة 3 أيام لتقييم نمط التبول وفترات التسرب.

• اختبار السدادة القطنية الذي يُستخدم لمعرفة نوع السلس أثناء السعال أو الحركة.

• الفحوص الديناميكية للمثانة (Urodynamic tests) لتقييم الضغط والتدفق والقدرة على التحكم.

جدول توضيحي لأنواع السلس البولي وأسبابها المحتملة

العلاجات المتاحة للسلس البولي عند النساء

تتراوح العلاجات بين تغييرات نمط الحياة، والتمارين، والعلاج بالأدوية، والجراحة. غالبًا ما يبدأ العلاج بخيارات محافظة غير جراحية، خاصة في المراحل المبكرة.

1. العلاجات السلوكية

• تمارين كيجل: تقوية عضلات قاع الحوض لزيادة التحكم في المثانة. يُفضل الاستمرار عليها لعدة أشهر لتحقيق نتائج ملموسة.

• تدريب المثانة: يتضمن تحديد أوقات محددة للتبول بغرض إعادة برمجة المثانة.

• تعديل نمط الحياة: تقليل الكافيين، والامتناع عن التدخين، وإنقاص الوزن.

• إدارة السوائل: شرب الماء بانتظام مع تجنب كميات كبيرة في المساء لتقليل التبول الليلي.

2. العلاجات الدوائية

• مضادات الكولين مثل الأوكسيبوتينين والتولتيرودين، تُستخدم لعلاج السلس الإلحاحي.

• مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات مثل الإيميبرامين، تفيد في بعض الحالات المختلطة.

• العلاج بالإستروجين الموضعي: يُستخدم في حالات نقص الإستروجين لتقوية الأنسجة المحيطة بالإحليل.

• أدوية تقوية الإحليل: تُستخدم في حالات السلس الإجهادي الخفيف.

3. العلاجات الجراحية

في حال فشل العلاجات المحافظة، تُستخدم الإجراءات الجراحية التي تختلف حسب نوع السلس:

• جراحة الحزام الإحليلي (Sling Surgery): وهي الأكثر شيوعًا لعلاج السلس الإجهادي، تتضمن زرع شريط داعم للإحليل.

• الحقن بمادة داعمة: تُحقن مواد حول الإحليل لتقليل التسرب.

• تحفيز العصب العجزي: يُستخدم لتحفيز التحكم العصبي بالمثانة.

• استئصال المثانة أو زراعة مثانة اصطناعية: وهي تدخلات نادرة جدًا، وتُستخدم في الحالات المعقدة.

4. الأدوات المساعدة والداعمة

• الفوط الصحية الخاصة بالسلس: لتوفير الراحة اليومية وتقليل الإحراج.

• حلقة المهبل (Pessary): تُستخدم لدعم المثانة لدى النساء المصابات بتدلي الأعضاء التناسلية.

الآثار النفسية والاجتماعية للسلس البولي

يعاني العديد من النساء المصابات بالسلس من آثار نفسية واجتماعية متعددة تشمل:

• القلق والاكتئاب: نتيجة الإحراج المستمر والخوف من التسرب أثناء التواجد في الأماكن العامة.

• العزلة الاجتماعية: تمتنع بعض النساء عن الخروج من المنزل أو المشاركة في النشاطات الاجتماعية.

• تأثر العلاقات الزوجية: قد يؤدي السلس إلى اضطرابات في العلاقة الحميمة بسبب فقدان الثقة بالنفس.

• انخفاض جودة الحياة: السلس يؤثر سلبًا على الحياة اليومية والعملية والنفسية للمرأة.

الوقاية والتثقيف الصحي

الوقاية من السلس البولي تبدأ بالتثقيف الصحي حول أهمية قاع الحوض ومخاطره عند إهماله، وتشمل وسائل الوقاية:

• ممارسة تمارين كيجل بانتظام منذ سن الشباب.

• الاهتمام بوزن الجسم وتجنب السمنة.

• تجنب رفع الأشياء الثقيلة بطريقة خاطئة.

• معالجة الإمساك بشكل دائم.

• الولادة تحت إشراف طبي متخصص لتقليل مضاعفات الحوض.

المراجع

1. Abrams P, Cardozo L, Wagg A, Wein A. Incontinence: 6th International Consultation on Incontinence. International Continence Society, 2017.

2. National Institute for Health and Care Excellence (NICE). Urinary incontinence and pelvic organ prolapse in women: management, 2019.

هل ترغب بمقال مشابه حول مرض نسائي آخر؟