الدورة الشهرية بعد الولادة: كل ما تحتاجين معرفته
تُعدّ مرحلة ما بعد الولادة من أكثر الفترات تعقيدًا وتغيرًا في حياة المرأة، حيث تطرأ تغيرات جسدية ونفسية كبيرة نتيجة الولادة والرضاعة والتغيرات الهرمونية. ومن بين أبرز هذه التغيرات تأتي الدورة الشهرية بعد الولادة، إذ تختلف طبيعتها وتوقيتها وحدتها من امرأة إلى أخرى، بحسب عوامل متعددة تشمل نوع الولادة، وطريقة الرضاعة، والصحة العامة للمرأة. هذا المقال يعرض شرحًا شاملًا وموسعًا لكل ما يتعلق بالدورة الشهرية بعد الولادة، بدءًا من أسباب تأخرها أو عودتها المبكرة، مرورًا بالتغيرات التي قد تطرأ عليها، وصولًا إلى الأعراض المصاحبة لها وكيفية التعامل معها بشكل صحي وآمن.
عودة الدورة الشهرية بعد الولادة: التوقيت والعوامل المؤثرة
تختلف الفترة التي تعود فيها الدورة الشهرية بعد الولادة من امرأة إلى أخرى بشكل كبير. وقد تعود بعد أسابيع قليلة من الولادة أو قد تتأخر لعدة أشهر أو حتى سنة، وذلك نتيجة للتغيرات الهرمونية التي تحدث في الجسم بعد الولادة.
أولاً: تأثير الرضاعة الطبيعية
يُعدّ العامل الأبرز في توقيت عودة الدورة الشهرية هو الرضاعة الطبيعية. فهرمون البرولاكتين (Prolactin) المسؤول عن إنتاج الحليب يثبط مؤقتًا إنتاج الهرمونات المسؤولة عن التبويض، وبالتالي يمنع حدوث الدورة الشهرية أو يؤخرها.
-
الرضاعة الطبيعية الحصرية: في هذه الحالة، قد تتأخر الدورة الشهرية لمدة تتراوح من 4 إلى 12 شهرًا أو حتى أكثر، لأن البرولاكتين يكون في أعلى مستوياته.
-
الرضاعة الطبيعية الجزئية أو الرضاعة الصناعية: تؤدي إلى انخفاض مستوى البرولاكتين في الجسم، وبالتالي يمكن أن تعود الدورة في وقت مبكر، غالبًا بين 6 إلى 8 أسابيع بعد الولادة.
ثانيًا: نوع الولادة
-
الولادة الطبيعية: لا تؤثر مباشرة على توقيت عودة الدورة، ولكن التعافي يكون أسرع مما قد يؤثر بشكل غير مباشر على التوازن الهرموني.
-
الولادة القيصرية: قد يؤدي الجرح والتعافي الأبطأ إلى تأخر طفيف في عودة الدورة الشهرية، خاصة في حال حدوث مضاعفات أو التهابات.
ثالثًا: الصحة العامة والوزن والتغذية
-
الوزن الزائد أو النقص المفرط في الوزن يمكن أن يؤثر على توازن الهرمونات وبالتالي يؤخر أو يغير نمط الدورة الشهرية.
-
التغذية السيئة أو الأنيميا الناتجة عن فقدان الدم أثناء الولادة قد تؤثر على انتظام الدورة.
-
الإجهاد النفسي وقلة النوم – وهي أمور شائعة بين الأمهات الجدد – قد تؤثر أيضًا على عودة الدورة وانتظامها.
مواصفات الدورة الشهرية بعد الولادة: كيف تختلف عن السابق؟
بعد الولادة، قد تلاحظ المرأة تغيرًا كبيرًا في طبيعة الدورة الشهرية مقارنة بما كانت عليه قبل الحمل. هذه التغيرات لا تدعو غالبًا للقلق، ولكن فهمها يساعد في التكيف معها بشكل أفضل.
أولاً: كمية النزيف
-
قد تكون الدورة أثقل في الأشهر الأولى بعد عودتها، ويُعزى ذلك إلى اتساع الرحم وزيادة سماكة بطانته أثناء الحمل.
-
في بعض الأحيان، قد تكون الدورة أخف مما كانت عليه سابقًا، خاصة إذا كانت المرأة تُرضع رضاعة طبيعية.
ثانيًا: مدة الدورة
-
قد تطول مدة الدورة أو تقصر عن المعتاد، ويحتاج الجسم لبعض الوقت ليعود إلى نمطه الطبيعي السابق.
-
يمكن أن تختلف المدة الزمنية بين دورتين من شهر لآخر، خاصة في الشهور الأولى بعد الولادة.
ثالثًا: الأعراض المصاحبة
-
التقلصات قد تكون أشد أو أضعف.
-
تقلب المزاج يكون أكثر وضوحًا، خاصة في وجود اكتئاب ما بعد الولادة.
-
قد تُعاني بعض النساء من تغيرات في البشرة، زيادة حب الشباب أو تساقط الشعر.
الفترة النفاسية والدورة الشهرية: تمييز بينهما
من الضروري التفريق بين نزيف النفاس والدورة الشهرية بعد الولادة:
| العنصر | نزيف النفاس | الدورة الشهرية بعد الولادة |
|---|---|---|
| التوقيت | يبدأ فور الولادة | قد يبدأ بعد 6-12 أسبوعًا أو أكثر |
| اللون | أحمر غامق ثم بني ثم أصفر | أحمر طبيعي أو داكن |
| المدة الزمنية | من 4 إلى 6 أسابيع | من 3 إلى 7 أيام غالبًا |
| السبب | بقايا المشيمة وبطانة الرحم | تبويض غير مخصب |
| ارتباطه بالرضاعة | لا علاقة مباشرة | يتأخر إذا كانت الأم ترضع طبيعيًا |
هل الدورة الشهرية بعد الولادة منتظمة؟
في معظم الحالات، لا تكون الدورة منتظمة فور عودتها بعد الولادة. قد يمر الجسم بعدة أشهر من الدورات غير المنتظمة قبل أن يستقر النمط الهرموني.
-
تختلف مدة الدورة وشدتها بين شهر وآخر.
-
قد تغيب الدورة شهرًا وتعود في الشهر التالي.
-
تبدأ في الانتظام غالبًا بعد فطام الطفل أو تقليل عدد الرضعات اليومية.
هل من الطبيعي الشعور بآلام شديدة أثناء الدورة بعد الولادة؟
بعض النساء يشعرن بتحسن في أعراض الدورة بعد الولادة، بينما تُعاني أخريات من تشنجات أكثر حدة. يعود ذلك إلى التغيرات في شكل وحجم الرحم، أو وجود حالات مثل بطانة الرحم المهاجرة أو الالتصاقات بعد الولادة القيصرية.
إذا كانت الآلام لا تُحتمل أو تُصاحبها أعراض غير طبيعية مثل الحمى أو إفرازات كريهة، يجب مراجعة الطبيب لاستبعاد وجود عدوى أو مشاكل في بطانة الرحم.
الدورة الشهرية والخصوبة بعد الولادة
عودة الدورة الشهرية لا تعني بالضرورة عودة الخصوبة بشكل كامل، ولكن التبويض يمكن أن يحدث حتى قبل ظهور الدورة الأولى، وهذا ما يجعل الحمل ممكنًا في أي وقت بعد الولادة، حتى مع غياب الدورة.
الرضاعة الطبيعية كمانع حمل طبيعي
تُعرف هذه الطريقة باسم “الرضاعة الطبيعية المنظمة” أو “طريقة أمنوراه الرضاعيّة”، ولكنها تتطلب شروطًا دقيقة لكي تكون فعّالة:
-
الرضاعة الحصرية (بدون أي سوائل أو أغذية أخرى).
-
عدم انقطاع الرضعات لأكثر من 4 ساعات نهارًا أو 6 ساعات ليلًا.
-
عمر الطفل أقل من 6 أشهر.
-
لم تعُد الدورة الشهرية بعد.
حتى في هذه الحالة، فإن معدل الفشل لهذه الطريقة يصل إلى 2-10%، ولذلك ينصح باستخدام وسائل منع حمل إضافية في حال عدم الرغبة بالحمل.
أفضل وسائل منع الحمل بعد الولادة
تتنوع الخيارات بحسب الحالة الصحية للأم وطريقة الرضاعة:
-
اللولب الرحمي: يُعدّ من أكثر الوسائل فعالية، ويمكن تركيبه بعد 6 أسابيع من الولادة.
-
حبوب منع الحمل الخاصة بالرضاعة (البروجستين فقط): لا تؤثر على الحليب.
-
الواقي الذكري أو الأنثوي: خيار آمن وفعال مؤقت.
-
الحقن الهرمونية أو الزرع تحت الجلد: طويلة المفعول وتناسب من لا يرغب في تذكر موعد الحبوب يوميًا.
علامات غير طبيعية يجب الانتباه لها
رغم أن التغيرات الهرمونية بعد الولادة تُسبب اضطرابات في الدورة الشهرية، إلا أن هناك بعض العلامات التي تستوجب الاستشارة الطبية:
-
نزيف حاد جدًا يستمر أكثر من 7 أيام أو يتطلب تغيير الفوط الصحية كل ساعة.
-
غياب الدورة لأكثر من 6 أشهر دون رضاعة طبيعية.
-
آلام شديدة جدًا لا تزول بالمسكنات.
-
خروج تجلطات دموية كبيرة الحجم.
-
حمى أو إفرازات مهبلية كريهة.
نصائح عامة لتنظيم الدورة الشهرية بعد الولادة
-
الحصول على قسط كافٍ من النوم.
-
التغذية المتوازنة الغنية بالحديد والمغذيات.
-
شرب كميات كافية من الماء.
-
ممارسة الرياضة الخفيفة بعد الحصول على موافقة الطبيب.
-
تقليل التوتر والضغوط النفسية قدر الإمكان.
-
استشارة الطبيب بانتظام، خاصة إذا كانت الدورة غير منتظمة لمدة طويلة.
الخلاصة
الدورة الشهرية بعد الولادة تمر بتحولات طبيعية متأثرة بعدة عوامل مثل الرضاعة الطبيعية، نوع الولادة، التغذية، والحالة الصحية العامة. تعود تدريجيًا إلى طبيعتها مع مرور الوقت، ولكن من المهم مراقبة أي أعراض غير طبيعية والتواصل مع الطبيب عند الحاجة. الفهم الجيد لهذه المرحلة يمكن أن يخفف من القلق ويُمكّن المرأة من التعامل معها بثقة ووعي، بما يدعم صحتها الجسدية والنفسية في فترة ما بعد الولادة.
المراجع:
-
American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG). “Postpartum Birth Control.” www.acog.org
-
Mayo Clinic. “Periods After Pregnancy: What to Expect.” www.mayoclinic.org
