الدرهم المغربي: العملة الوطنية

اسم عملة المغرب: الدرهم المغربي – دراسة موسعة

يُعد النظام النقدي أحد أهم الأعمدة التي تستند إليها البنية الاقتصادية لأي دولة، إذ يعكس استقرار الاقتصاد وقوته، كما يربط بين المعاملات التجارية الداخلية والخارجية. وفي السياق المغربي، يُشكل “الدرهم المغربي” الدعامة الأساسية للحركة المالية في البلاد، وله جذور تاريخية عميقة، كما يتمتع بخصائص فنية وتنظيمية تجعل منه عنصراً محورياً في المشهد الاقتصادي المغربي المعاصر.

الدرهم المغربي: التعريف والتداول

الدرهم المغربي، والذي يُرمز إليه بالرمز MAD في الأسواق المالية، هو العملة الرسمية للمملكة المغربية. يُصدره بنك المغرب، وهو البنك المركزي المسؤول عن السياسة النقدية وإصدار العملة وتنظيم القطاع المصرفي. ينقسم الدرهم إلى 100 سنتيم، وهي وحدة فرعية نادراً ما تُستخدم فعلياً في التداولات اليومية نظرًا لقيمتها المتدنية في ظل التضخم والتغيرات الاقتصادية المتتالية.

تتوفر العملة المغربية في شكلين رئيسيين:

• العملة الورقية: تتراوح فئاتها بين 20، 50، 100 و200 درهم.

• العملة المعدنية: تتراوح بين 1، 2، 5 و10 دراهم، إضافة إلى الفئات الفرعية كـ10، 20، 50 سنتيمًا، والتي تُستخدم على نطاق محدود.

النظام النقدي المغربي: خلفية تاريخية

يعود استخدام مصطلح “درهم” في المغرب إلى العصور الإسلامية الأولى، إذ كان الدرهم وحدة نقدية مستخدمة في الدولة الأموية والعباسية، وانتقل استعماله إلى المغرب عبر التجارة والتأثير الديني والثقافي. غير أن الدرهم المغربي بشكله الحالي لم يظهر إلا في فترة ما بعد الاستقلال.

خلال فترة الحماية الفرنسية والإسبانية (1912–1956)، كانت العملة المستخدمة في المغرب هي الفرنك المغربي تحت الإشراف الفرنسي، بينما استخدمت مناطق النفوذ الإسباني عملات أخرى متفرعة من النظام النقدي الإسباني. ومع حصول المغرب على استقلاله عام 1956، بدأت المملكة المغربية بتأسيس نظام نقدي مستقل، ما أدى إلى إصدار أول درهم مغربي رسمي عام 1960، ليحل تدريجياً محل الفرنك المغربي.

تصميم العملة المغربية ومحتواها الرمزي

تحمل تصاميم الدرهم المغربي دلالات ثقافية، تاريخية، وسياسية، تعكس هوية المملكة وثراءها التراثي. وغالباً ما تتضمن الأوراق النقدية صوراً لملك البلاد، الملك محمد السادس حالياً، إلى جانب رموز وطنية مثل:

• برج الحسن في الرباط

• قوس النصر في مراكش

• الخط المغربي والزخارف الأندلسية

• صور عمرانية تعكس التنوع الجغرافي والحضاري

تُصنع الأوراق النقدية باستخدام تقنيات متقدمة للحماية من التزوير، بما في ذلك الطباعة الدقيقة، الخيوط الأمنية، والعلامات المائية، أما العملات المعدنية فهي مصنوعة من مزيج من النيكل والنحاس والألومنيوم، وتُصمم أيضاً لتسهيل التعرف عليها بصريًا ولمسيًا.

قيمة الدرهم المغربي أمام العملات الأجنبية

تتبع المغرب نظام سعر صرف مُدار مرن، يسمح بتقلب الدرهم ضمن نطاق معين أمام العملات الأجنبية، وهو ما يوازن بين الحفاظ على استقرار العملة وتشجيع التنافسية الاقتصادية. ويُعد اليورو والدولار الأمريكي أبرز العملات التي يُقارن بها الدرهم في الأسواق العالمية.

في يناير 2018، شرعت المملكة المغربية في سياسة تعويم تدريجي للعملة، بدأت بالسماح لها بالتحرك ضمن نطاق ±2.5% حول سعر الصرف المرجعي المحدد من بنك المغرب، ثم توسعت النطاقات لاحقًا. ويهدف هذا الإصلاح إلى تعزيز مرونة الاقتصاد المغربي في مواجهة الصدمات الخارجية، وزيادة تنافسيته.

الجدول الآتي يُظهر متوسط قيمة الدرهم المغربي مقابل العملات الرئيسية لعام 2024:

الدور الاقتصادي للدرهم المغربي

يمثل الدرهم المغربي أكثر من مجرد أداة لتبادل السلع والخدمات؛ فهو مرآة للاقتصاد المغربي، ويُستخدم كوسيلة رئيسية في السياسة النقدية للدولة. ومن خلال التحكم في المعروض النقدي وسعر الفائدة، يستطيع بنك المغرب التأثير في معدلات التضخم والنمو الاقتصادي.

كما أن استقرار الدرهم يُعد عاملاً أساسياً لجذب الاستثمارات الأجنبية، خصوصاً في قطاعات الصناعة، السياحة، والطاقة المتجددة. وتُظهر المؤشرات الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة قدرة المغرب على الحفاظ على استقرار نسبي في عملته، رغم الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا وتقلبات أسعار النفط.

بنك المغرب ودوره في إدارة العملة

يُعد بنك المغرب (Bank Al-Maghrib) المؤسسة المسؤولة عن إصدار العملة الوطنية وضمان استقرارها. ويقع مقره الرئيسي في العاصمة الرباط، وله فروع في مختلف مدن المملكة.

من بين مهام بنك المغرب الأساسية:

• تنفيذ السياسة النقدية وفق أهداف النمو والتضخم

• إدارة الاحتياطات من النقد الأجنبي

• تنظيم ومراقبة البنوك والمؤسسات المالية

• إصدار العملة وضمان جودتها وأمنها

كما أن البنك يلعب دوراً استراتيجياً في تحسين الشمول المالي، من خلال تعزيز استخدام وسائل الدفع الرقمية، وتوسيع قاعدة الخدمات البنكية، خاصة في المناطق الريفية.

الدرهم المغربي والتحويلات الدولية

تلعب التحويلات المالية من الجالية المغربية المقيمة بالخارج دوراً جوهرياً في الاقتصاد المغربي، إذ تُعد أحد أهم مصادر العملة الأجنبية. ويُستخدم الدرهم في تحويل هذه الأموال إلى السوق المحلي، مما يُعزز الطلب عليه ويُساهم في دعم ميزان المدفوعات.

في عام 2023، وصلت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج إلى مستويات قياسية، تجاوزت 110 مليار درهم، مما أسهم بشكل كبير في استقرار احتياطيات النقد الأجنبي، وفي دعم قيمة الدرهم أمام العملات الأخرى.

التحديات المرتبطة بالدرهم المغربي

رغم الاستقرار النسبي الذي يشهده الدرهم المغربي، إلا أن هناك مجموعة من التحديات التي تواجه العملة الوطنية:

• تقلبات أسعار النفط والغاز: نظراً لاعتماد المغرب على الاستيراد في هذا المجال، فإن ارتفاع الأسعار يؤثر سلباً على الميزان التجاري ويضغط على قيمة الدرهم.

• تفاوت الميزان التجاري: حيث يُسجل المغرب عجزاً مزمناً في الميزان التجاري، ما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية مقابل الدرهم.

• الدين الخارجي: يُشكّل تحدياً حقيقياً في حال ارتفاع الفوائد العالمية، مما يؤثر على الاستقرار النقدي.

• التضخم العالمي: والذي يؤثر بشكل غير مباشر على القوة الشرائية للدرهم.

الدرهم الرقمي: المستقبل المحتمل للعملة المغربية

مع التطورات المتسارعة في مجال العملات الرقمية والعملات المركزية الرقمية (CBDC)، بدأ بنك المغرب دراسة إمكانية إطلاق نسخة رقمية من الدرهم. ويهدف هذا المشروع إلى تحديث البنية المالية، وزيادة الشفافية، ومكافحة الاقتصاد غير المهيكل.

الدرهم الرقمي لن يُستبدل مباشرة بالعملة الورقية، بل سيكون مكملًا لها، ويُستخدم في المعاملات الرقمية مثل التحويلات، الشراء عبر الإنترنت، والمدفوعات الحكومية.

وقد وقّع بنك المغرب في السنوات الأخيرة عدة اتفاقيات مع مؤسسات مالية دولية لتبادل الخبرات حول إصدار العملات الرقمية، مثل صندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولية.

استخدام الدرهم المغربي في التجارة الإقليمية والدولية

لا يُعد الدرهم المغربي عملة دولية بحد ذاته، لكنه يُستخدم في التجارة الإقليمية مع دول المغرب العربي، وإلى حد ما مع دول إفريقيا جنوب الصحراء التي ترتبط باتفاقيات تجارية مع المغرب، لا سيما عبر بنك إفريقيا، وهو ذراع استثماري مغربي قوي في غرب إفريقيا.

وقد وقّعت المملكة اتفاقيات تعاون مالي مع عدة دول تسمح باستخدام الدرهم المغربي كوسيلة للدفع في بعض المشاريع الثنائية، خاصة في قطاعات البنية التحتية والتكنولوجيا والخدمات البنكية.

العملات التذكارية المغربية

يُصدر بنك المغرب بين الحين والآخر عملات تذكارية، تكون غالباً من الذهب أو الفضة، بمناسبة أحداث وطنية أو إحياء لذكريات تاريخية. وهذه العملات لا تُستخدم في التداول اليومي، لكنها تُعد ذات قيمة رمزية وتاريخية واقتصادية.

من أبرز هذه العملات:

• عملة تذكارية بمناسبة الذكرى الـ50 لتأسيس بنك المغرب

• عملة تخلّد مرور قرن على إنشاء البريد المغربي

• عملات تكريمية لذكرى المسيرة الخضراء

خلاصة: الدرهم المغربي كأداة سيادية واستراتيجية

يمثل الدرهم المغربي أكثر من مجرد وسيلة لتسهيل التبادل؛ فهو عنصر سيادي يعكس هيبة الدولة واستقلال قرارها الاقتصادي. ومن خلال إدارة مدروسة من قبل بنك المغرب، ووسط تحديات الاقتصاد العالمي، تمكن المغرب من الحفاظ على توازن معقول في قيمة عملته، مع السعي إلى تطويرها لتواكب التحولات الرقمية والمالية العالمية.

ولأن الاستقرار النقدي شرط أساسي للنمو الاقتصادي، فإن مستقبل الدرهم المغربي يبقى مرتبطًا باستراتيجيات التنمية المستدامة، وتنويع مصادر الدخل الوطني، وزيادة الصادرات، والدمج التدريجي للعملة في منظومة الاقتصاد العالمي.

المراجع:

1. BAM (Bank Al-Maghrib) – Official Website: www.bkam.ma

2. International Monetary Fund (IMF) – Morocco Reports: www.imf.org