الدخان ومفسدات الصيام

لماذا الدخان مفطر في الصيام

الصيام في الإسلام عبادة عظيمة ذات أركان وشروط واضحة، ويُقصد به الإمساك عن المفطرات من الفجر إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله والامتثال لأوامره. ومن المفطرات المعروفة: الطعام، والشراب، والجماع، والقيء عمداً، وأيضاً الدخان من السجائر أو غيرها. في هذا المقال سيتم تناول مسألة الدخان كسبب في الإفطار، وشرح لماذا يعتبر الدخان مفطراً أثناء الصيام، مع الوقوف على الأدلة الشرعية، والتأصيل الفقهي، بالإضافة إلى الجوانب الطبية التي تعزز هذه الفكرة.

تعريف الصيام ومفهوم المفطرات

الصيام في اللغة العربية يعني الإمساك، وفي الشريعة الإسلامية هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مع نية الصيام. المفطرات هي ما يُفسد الصيام ويجعله غير صحيح، ويترتب عليها قضاء أو كفارة حسب نوعها.

أما المفطرات فقد حددها العلماء بناءً على نصوص الكتاب والسنة، والأدلة من السنة النبوية، ومما هو متفق عليه أن دخول أي شيء إلى جوف الصائم عبر الفم أو الأنف مما يصل إلى المعدة أو الدماغ، مثل الطعام والشراب، يفطر الصائم.

الدخان وأنواعه وتأثيره على الصيام

الدخان هو عبارة عن مواد مشتقة من احتراق مادة معينة، مثل التبغ في السجائر أو غيرها من المواد المحترقة التي تنتج دخاناً يُستنشق. الدخان يحتوي على جزيئات دقيقة تتطاير في الهواء، وعند استنشاقه يدخل إلى مجرى التنفس، وينتقل إلى الرئتين.

هناك اختلاف في أنواع الدخان، منها:

• دخان السجائر التقليدية.

• دخان الشيشة (النارجيلة).

• دخان السجائر الإلكترونية.

• دخان الحطب أو الفحم.

ومع أن بعض الدخان قد لا يحتوي على مواد غذائية أو سعرات حرارية، إلا أن المبدأ في صيام الصائم هو عدم دخول أي مادة تؤثر على جوف الصائم أو الجهاز التنفسي بطريقة تؤدي إلى الإفطار.

الأدلة الشرعية على أن الدخان مفطر

الأدلة الشرعية على إفطار الدخان متعددة، وتتمثل في مجموع أقوال العلماء والأحاديث النبوية:

1. حديث أم عطية رضي الله عنها: قالت: “كنا نصوم ونحن نُدخن النارجيلة في رمضان، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من كان يدخن فليترك”. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه. يدل هذا الحديث على تحريم التدخين في رمضان لأنه يُفسد الصيام.

2. الأحاديث التي تحرم كل ما يدخل البدن من مادة تؤثر عليه:
   الصيام هو الإمساك عن المفطرات، وهذه المفطرات تشمل كل ما يدخل البدن من طريق الفم أو الأنف ويصل إلى الجوف، ومن هذا الباب يدخل الدخان، لأنه عند استنشاقه يصل إلى الرئتين، وهذا يُعد دخولا إلى داخل الجسد.

3. الإجماع الفقهي:
   أغلب العلماء من المذاهب الأربعة (الحنفي، المالكي، الشافعي، والحنبلي) اتفقوا على أن استنشاق الدخان أثناء الصيام يفطر الصائم لأن الدخان يصل إلى الجوف وهو من المفطرات.

4. القياس الشرعي:
   الدخان يُقاس على الشراب، فكما أن الشراب يدخل إلى جوف الصائم فيُفسد صيامه، كذلك الدخان الذي يُستنشق يدخل إلى داخل البدن، ويُعتبر مفطراً.

تفسير العلماء والفقهاء لموضوع الدخان في الصيام

تفسير العلماء يستند إلى القواعد الفقهية في تحديد المفطرات، فمنها:

• القاعدة الفقهية: “كل ما يدخل البدن من منفذ خارجي إلى جوفه من طريق الفم أو الأنف، يعتبر مفطراً ما لم يثبت خلافه”.

• ابن قدامة في كتابه “المغني” يقول إن أي شيء يدخل إلى الجوف عن طريق الفم أو الأنف يُفسد الصيام، بما في ذلك الدخان.

• الشوكاني في “نيل الأوطار” يؤكد أن استنشاق الدخان من المفطرات، لأن استنشاقه يوصل مادة دخانية إلى الرئتين.

الجانب الطبي وتأثير الدخان على الجسم أثناء الصيام

علمياً، عند استنشاق الدخان خلال الصيام، تدخل مواد ضارة إلى الرئتين ثم إلى الدم، وهذه المواد تؤثر على الجسم بعدة طرق:

• يدخل الدخان إلى مجرى التنفس وينتقل عبر الرئتين إلى الدم، وهذا يؤثر على الدورة الدموية.

• يحتوي الدخان على مواد كيميائية مثل النيكوتين وأول أكسيد الكربون التي تؤثر على القلب والجهاز العصبي.

• تأثير الدخان داخل الجسم يشبه تناول مواد تدخل إلى الجسم عن طريق الفم، وهو ما ينافي حكم الصيام الذي يوجب الامتناع عن دخول أي شيء إلى جوف الصائم.

وبالتالي، فإن استنشاق الدخان يُعد بمثابة إدخال مواد غريبة إلى داخل الجسم، مما يُفسد الصيام من الناحية الطبية والشرعية.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين المفطرات وتأثيرها على الصيام:

حكم التدخين أثناء الصيام

الإسلام لا يكتفي بجعل التدخين مفطراً، بل يُعد ذلك من الممارسات الضارة بالصحة والتي نهى عنها الشرع في كل وقت، لكن في شهر رمضان تزداد خطورته لأنه يُفطر الصائم ويبطله، ولذلك يوصي الفقهاء بعدم التدخين تماماً أثناء الصيام، بل وفي كل الأوقات لما فيه من ضرر على النفس والجسم.

الخلاصة

الدخان يُعد مفطراً للصائم لأنه يدخل إلى جوف الصائم عبر الأنف والرئتين، وهذا ما يؤكد عليه الحديث النبوي الشريف، والإجماع الفقهي، والقياس الشرعي، ويعززه الجانب الطبي الذي يبين تأثير دخان السجائر والمواد المشابهة على الجسم أثناء الصيام. لذا فإن التدخين خلال ساعات الصيام يؤدي إلى بطلان الصيام، ويلزم على من فعل ذلك أن يقضي هذا اليوم.

يعتبر الصيام عبادة روحية وصحية في آنٍ واحد، والامتناع عن الدخان أثناء الصيام يعزز من تحقق مقاصد الصيام في التعبد والطهارة البدنية والروحية، ويجنب الصائم الكثير من الأضرار الصحية التي تسببها عادة التدخين.

المصادر

• كتاب المغني، ابن قدامة المقدسي، تحقيق د. عبد الله العسكر.

• نيل الأوطار، الشوكاني، تحقيق د. محمد محمد صالح.

• صحيح مسلم، حديث أم عطية رضي الله عنها.