فيلم “الدافع” (The Motive): دراسة نفسية حول الإلهام والأخلاق
يعتبر فيلم “الدافع” (The Motive) من الأفلام الإسبانية-المكسيكية التي تركت أثراً في السينما العالمية من خلال تناولها لقضايا النفس البشرية والإبداع الأدبي، ويعتبر هذا العمل الفني من إخراج المخرج الإسباني مانويل مارتن كوينكا. الفيلم يُعرض في تصنيف “الكوميديا”، “الدراما”، و”الأفلام الدولية”، ويجمع بين طابع المواقف الساخرة والمعقدة النفسية التي تثير تساؤلات حول الحدود الأخلاقية في عملية الإبداع.
القصة:
تدور أحداث فيلم “الدافع” حول شخصية “خافيير” الذي يؤدي دوره الممثل الإسباني خافيير غوتيريز. خافيير هو كاتب مبتدئ وطموح، يواجه أزمة إبداعية عميقة حيث يعاني من نقص حاد في الخيال. مع هذا الصراع الداخلي، يشعر أنه لا يستطيع الكتابة بشكل حقيقي أو مؤثر. مما يدفعه إلى البحث عن مصادر إلهام غير تقليدية.
تبدأ القصة عندما يقرر خافيير استغلال حياته اليومية بشكل غير أخلاقي في سبيل الحصول على الأفكار التي يعتقد أنها ستغني روايته. يتوجه للحي الذي يسكن فيه، ويبدأ في التلاعب بحياة جيرانه وتفاصيلهم، مُستغلاً معاناتهم ومشاكلهم الشخصية لكتابة فصول روايته. يستخدم علاقاته مع جيرانه كأساس لأفكار قصته، متلاعبًا بهم بشكل غير مرئي لتحقيق مآربه الأدبية.
الفيلم يستعرض تطور شخصية خافيير من كاتب مهووس بطموحاته الأدبية إلى شخص قد فقد أي ارتباط بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الآخرين. تجسد القصة الصراع الداخلي بين رغبة الكاتب في تحقيق النجاح ووسائل الوصول إليه، مهما كانت التكلفة على حساب الآخرين.
الشخصيات:
- خافيير غوتيريز (خافيير): يؤدي دور شخصية الكاتب المبتدئ الذي يسعى للوصول إلى الإلهام بأي ثمن.
- ماريا ليون (ساندرا): تؤدي دور أحد الجيران الذين يتأثرون بتصرفات خافيير.
- أديلفا كالفو (أم خافيير): تُجسد دور الأم التي تشكل جزءاً من حياة خافيير المعقدة.
- أدريانا باز (ليليا): تؤدي دور جارة أخرى يتلاعب بها خافيير في سعيه وراء الإلهام.
- تينوش هويرتا (خافيير في مرحلة مختلفة): يؤثر في حياة خافيير بطريقة غير مباشرة، كونه جزءاً من محيطه المتشابك.
- رافائيل تيليز (ديفيد): جاره الذي يلعب دورًا مركزيًا في حياة خافيير.
- أنطونيو دي لا توري (الصحفي): شخصية تحاول الكشف عن طبيعة الشخصيات والخيارات الأخلاقية.
الأسلوب السينمائي:
يتميز الفيلم بأسلوب إخراجي فني يتناول الارتباك النفسي للشخصيات بطريقة ذكية ومتقنة. يتم استخدام تقنيات سردية مكثفة تُظهر انغماس الشخصيات في الصراع النفسي والتأثيرات المعقدة التي تطرأ على حياتهم بسبب تصرفات خافيير. تم تصوير الفيلم بطريقة تبرز الجو المشحون بالتوتر داخل الحي الذي يدور فيه معظم أحداثه.
من الناحية السينمائية، فإن التصوير والإضاءة في “الدافع” يجسدان حالة من التشويش والتذبذب بين الواقع والخيال، مما يعكس بوضوح الارتباك النفسي الذي يعاني منه البطل. يساهم هذا الأسلوب في دفع المشاهد إلى التفكير في الحدود بين ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي في السعي وراء النجاح الشخصي.
الرسالة الأخلاقية:
يمثل فيلم “الدافع” دعوة صريحة للتفكير في المسائل الأخلاقية المتعلقة بعملية الإبداع والكتابة. يعرض المخرج مانويل مارتن كوينكا من خلال الفيلم تساؤلات حول ما إذا كان يجب على الكاتب أو المبدع التلاعب بالآخرين لتحقيق طموحاته الشخصية. كما يسلط الضوء على التداعيات النفسية التي قد تترتب على هذا النوع من التصرفات.
الفيلم يعرض بوضوح أن الإبداع يجب أن يكون نابعًا من الداخل، ومن خلال المصداقية والصدق تجاه الذات، دون الحاجة لتدمير الآخرين أو التلاعب بحياتهم من أجل الوصول إلى النجاح. هذا النوع من الدراما النفسية لا يقدم الحلول البسيطة، بل يدعو الجمهور للتفكير في قضايا معقدة تتعلق بالإلهام والأخلاق في عالم مليء بالتحديات.
الاستقبال والنقد:
حقق فيلم “الدافع” نجاحًا نقديًا حيث تم تقييمه بشكل إيجابي من قبل النقاد، الذين أشادوا بالأداء التمثيلي الرائع من قبل جميع الممثلين وخاصة خافيير غوتيريز. تم عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان “سان سيباستيان” السينمائي في عام 2017، وكان له حضور قوي في المهرجانات السينمائية الدولية، ما ساعد على تسليط الضوء على القضايا النفسية والاجتماعية التي يناقشها.
وقد قوبل الفيلم بالإشادة من قبل النقاد الذين أشاروا إلى قوته في تناول المواضيع النفسية العميقة والقدرة على تصوير الدوافع البشرية بكل تعقيداتها. كما تم تحديده كأحد الأفلام التي تستحق المشاهدة لأولئك الذين يفضلون السينما ذات الطابع الفلسفي والأدبي.
خاتمة:
فيلم “الدافع” هو أكثر من مجرد فيلم كوميدي أو درامي؛ إنه دراسة معقدة في النفس البشرية والتأثيرات التي قد تنشأ عندما يتجاوز الأفراد حدودهم الأخلاقية في سبيل تحقيق أهدافهم الشخصية. من خلال تناول حياة كاتب يسعى للإلهام عن طريق التلاعب بالآخرين، يعكس المخرج مانويل مارتن كوينكا التوتر بين النجاح الأدبي والصدق الأخلاقي، مسلطًا الضوء على أبعاد الحياة الشخصية والخيارات التي تشكلها.
إنه فيلم يطرح العديد من الأسئلة حول مكانة الأخلاق في الإبداع ويجعلنا نتساءل عما إذا كانت الكتابة الحقيقية تتطلب تضحيات على حساب الآخرين أم أنها تكمن في البحث عن الإلهام من داخل الذات دون الحاجة إلى تدمير الآخرين.