الحرب الأهلية اليمنية: أطول نزاع عربي

أطول حرب في تاريخ العرب: الحرب الأهلية اليمنية

تعد الحرب الأهلية اليمنية من أطول الحروب في تاريخ العرب، إذ بدأت في 2014 ولا تزال مستمرة حتى اليوم، مع مرور أكثر من عقد من الزمن على اندلاعها. هذه الحرب لم تؤثر فقط على اليمن بل امتد تأثيرها ليشمل جيران اليمن في منطقة الخليج العربي، وكذلك القوى العالمية الكبرى التي تبذل جهوداً دبلوماسية للحد من آثار هذه الحرب. نظراً للعمق التاريخي والتعددية السياسية والجغرافية التي تمثلها الحرب الأهلية اليمنية، فهي تتطلب دراسة شاملة لفهم جذورها، مراحلها، وتأثيراتها على مختلف الأصعدة.

البداية التاريخية للأزمة: عوامل سياسية واقتصادية

تعود جذور الحرب الأهلية اليمنية إلى أزمات سياسية واقتصادية معقدة، بالإضافة إلى انقسام مجتمعي عميق. بعد توحيد اليمن في عام 1990، واصل البلد مواجهاته الداخلية التي تركزت في المناطق الشمالية والجنوبية. لكن اندلاع الربيع العربي في 2011 كان نقطة تحول تاريخية في اليمن، حيث تم إسقاط الرئيس علي عبد الله صالح الذي حكم البلاد لفترة طويلة.

في أعقاب الثورة، تولى الرئيس عبد ربه منصور هادي قيادة اليمن بترتيب سياسي حساس، حيث وقع اتفاق انتقال سياسي يهدف إلى إحداث إصلاحات جذرية في النظام اليمني. لكن عملية الانتقال السلمي لم تكتمل، وواجهت الحكومة العديد من التحديات مثل الفقر والبطالة، إضافة إلى حركة احتجاجات شعبية كانت تعبيراً عن الإحباط من حالة الفوضى.

التمرد الحوثي وظهوره على الساحة اليمنية

في عام 2004، بدأ الحوثيون في محافظة صعدة، شمال اليمن، بالتمرد ضد الحكومة المركزية. لم يكن الحوثيون في البداية قوة كبيرة، ولكن مع مرور الوقت استغلوا الفوضى السياسية والاقتصادية التي أحدثها الانتقال بعد 2011 لتوسيع نفوذهم. كان الحوثيون في البداية حركة دينية وفكرية تدافع عن حقوق الزيدية، وهي فرقة شيعية تنتشر في شمال اليمن. لكن تدريجياً، تحولوا إلى قوة سياسية وعسكرية تسعى للهيمنة على البلاد، وهو ما أدى إلى اشتعال الصراع مع الحكومة المركزية.

كان الحوثيون قد أعلنوا في عام 2014 السيطرة على العاصمة صنعاء، وبعد ذلك بوقت قصير، طالبوا الرئيس هادي بالاستقالة وتشكيل حكومة جديدة. رفض الرئيس هادي تلك المطالب، مما أدى إلى تصعيد النزاع وتحول الحرب إلى حرب أهلية شاملة.

التدخل العسكري والتحالفات الإقليمية

في عام 2015، بدأت الحرب تأخذ طابعاً إقليمياً عندما تدخل تحالف بقيادة المملكة العربية السعودية لدعم حكومة الرئيس هادي ضد الحوثيين المدعومين من إيران. هذا التدخل العسكري كان جزءاً من سياسة إقليمية أوسع تهدف إلى محاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة. شمل التحالف السعودي عدة دول عربية، أبرزها الإمارات العربية المتحدة.

بدأ التحالف في شن ضربات جوية على مواقع الحوثيين، لكنه واجه تحديات كبيرة في تحقيق أهدافه العسكرية. استمرت المعارك العنيفة، خاصة في المناطق الشمالية والغربية من البلاد. في الوقت ذاته، حصل الحوثيون على دعم من إيران، بما في ذلك الأسلحة المتقدمة والدعم اللوجستي، مما جعلهم يتمكنون من الصمود أمام الغارات الجوية والقصف المدفعي.

الآثار الإنسانية والمجتمعية

تعد الحرب الأهلية اليمنية من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث. أودت الحرب بحياة مئات الآلاف من المدنيين ودمرت البنية التحتية للبلاد بشكل شبه كامل. تسببت الغارات الجوية، والقصف المدفعي، والحصار الذي فرضه التحالف على اليمن في انهيار النظام الصحي والاقتصادي، مما أدى إلى انتشار الأوبئة والأمراض مثل الكوليرا. كما أن الملايين من اليمنيين أصبحوا مشردين داخلياً في بلادهم أو هاجروا إلى دول أخرى بحثاً عن الأمان.

أدى القتال المستمر إلى تفشي المجاعة في العديد من المناطق، حيث تُعتبر اليمن واحدة من أكثر الدول في العالم تضرراً من نقص الغذاء. تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 20 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية. ورغم جهود المجتمع الدولي، لا تزال هذه الأزمة الإنسانية واحدة من أكثر الأزمات إلحاحاً في العالم.

المساعي الدبلوماسية والوساطات الدولية

على الرغم من الوضع المعقد، بذلت العديد من الأطراف الدولية جهوداً دبلوماسية لوقف الحرب في اليمن. فقد نظمت الأمم المتحدة عدة جولات من المفاوضات بين الأطراف المتحاربة، وكان أبرز هذه المفاوضات هو اتفاق ستوكهولم في 2018، الذي تم التوصل إليه بين الحكومة اليمنية والحوثيين. على الرغم من بعض النجاحات المحدودة في هذا الاتفاق، إلا أن الحرب استمرت، ولم يُنفذ معظم بنوده.

وفي سياق الحروب الإقليمية، أثرت القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا على مسار الأحداث. كانت الولايات المتحدة تدعم التحالف السعودي والإماراتي في الحرب، بينما كانت روسيا تُظهر دعماً سياسياً لبعض القوى المناهضة للتحالف في اليمن.

تحديات السلام في اليمن

منذ بداية الحرب، ظل السلام بعيد المنال في اليمن. يعاني الأطراف المتحاربة من عدم وجود تسوية حقيقية للنزاع. من جهة، لا يزال الحوثيون يسيطرون على معظم المناطق الشمالية من البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء، بينما لا يزال الرئيس هادي مدعوماً من التحالف السعودي الذي يسعى لاستعادة السيطرة على هذه المناطق.

أما الحكومة المعترف بها دولياً، فقد واجهت تحديات هائلة في استعادة نفوذها على الأرض، وكان هناك صراع داخلي بين الأطراف الموالية لها. إضافة إلى ذلك، تمثل التدخلات الخارجية، مثل دور الإمارات في جنوب اليمن، أحد العوامل التي تجعل التوصل إلى تسوية شاملة أمراً صعباً. كما أن وجود جماعات متشددة مثل تنظيم القاعدة وداعش في بعض المناطق اليمنية يضيف تعقيداً إضافياً للوضع.

الآفاق المستقبلية: ما بعد الحرب

يظل مستقبل اليمن غامضاً. تبقى الحرب مستمرة، لكن هناك آمال ضعيفة في استئناف محادثات السلام في المستقبل. يعتمد الكثير على التوازنات الإقليمية والدولية وعلى قدرة اليمنيين في التوصل إلى اتفاق سياسي يوقف الاقتتال الداخلي.

من الجدير بالذكر أن الحرب الأهلية اليمنية قد أدت إلى تفشي الفكر الطائفي والتقسيم السياسي في اليمن، مع وجود صراعات على السلطة بين مختلف القوى المحلية، مما يزيد من تعقيد عملية البناء الوطني في مرحلة ما بعد الحرب.

إن اليمن اليوم يحتاج إلى إعادة بناء شامل، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والإنساني، ولكن أيضاً على الصعيد الاجتماعي والسياسي. ولتحقيق ذلك، ينبغي أن يكون هناك مشاركة واسعة من جميع الأطراف السياسية والمجتمعية في بناء مستقبل جديد للبلاد.

الخاتمة

تعد الحرب الأهلية اليمنية واحدة من أكثر الحروب تدميراً في تاريخ المنطقة العربية، وقد أثرت بشكل عميق على الحياة اليومية لملايين اليمنيين. هي حرب تستمر في تشكيل مستقبل اليمن وتعد من أطول الحروب في العالم العربي، حيث تداخلت فيها العديد من العوامل السياسية والطائفية والإقليمية. ومن أجل وضع حد لهذا النزاع، سيكون من الضروري أن يتم التوصل إلى حلول شاملة تأخذ في اعتبارها جميع الأطراف وتؤدي إلى سلام دائم يعيد الاستقرار للبلاد.