الجاذبية تنعدم في الفضاء: مغالطة علمية
تعتبر فكرة “انعدام الجاذبية في الفضاء” واحدة من المفاهيم المغلوطة التي يتداولها العديد من الأشخاص. فهي مغالطة علمية شائعة تنبع من سوء الفهم حول طبيعة الجاذبية والظروف التي تسود في الفضاء الخارجي. في هذا المقال، سنتناول حقيقة الجاذبية في الفضاء وكيفية تأثيرها على الأجرام السماوية والأجسام البشرية. سنكشف كذلك عن الأسباب التي تجعل فكرة “انعدام الجاذبية في الفضاء” غير صحيحة، ونوضح الآثار التي تترتب على ذلك.
1. الجاذبية: مفهوم أساسي في الفيزياء
الجاذبية هي القوة التي تجذب بها الأجسام نحو بعضها البعض. إنها القوة التي تحافظ على الأجرام السماوية في مداراتها، مثل كوكب الأرض حول الشمس، والقمر حول الأرض. تم اكتشاف هذا المفهوم بشكل علمي لأول مرة من قبل إسحاق نيوتن في القرن السابع عشر، عندما طور قانون الجاذبية العام. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الجاذبية أحد القوى الأساسية التي تساهم في تشكيل الكون.
وفي وقت لاحق، قدم ألبرت أينشتاين نظرية النسبية العامة، التي عمقت فهمنا للجاذبية ووضحت كيف أن الجاذبية ليست مجرد قوة، بل هي نتيجة لانحناء الزمكان حول الأجرام الضخمة. وعلى الرغم من هذه الاكتشافات، ما زال يعتقد البعض أن الجاذبية تنعدم في الفضاء، وهو ما يعد مغالطة علمية.
2. الجاذبية في الفضاء الخارجي: هل تنعدم فعلاً؟
بعض الأشخاص يظنون أن الفضاء الخارجي يخلو من الجاذبية تمامًا، وهو مفهوم غير دقيق. الحقيقة أن الجاذبية موجودة في كل مكان في الكون، بما في ذلك الفضاء البعيد. لا يمكن للفضاء أن يكون خاليًا من الجاذبية. ولكن ما يحدث في الفضاء هو أن الجاذبية تكون أقل بكثير من تلك التي نختبرها على سطح الأرض.
إذا نظرنا إلى الفضاء بين النجوم والكواكب، فإن القوة الجاذبية تضعف تدريجياً كلما ابتعدنا عن الأجرام السماوية. فعلى الرغم من أن هذه القوة تصبح أضعف كلما ابتعدنا عن الأجرام الكبيرة، إلا أنها لا تختفي تمامًا. فعلى سبيل المثال، حتى في الفضاء الخارجي بين الكواكب، لا تزال هناك تأثيرات جاذبية ناتجة عن الشمس والكواكب الأخرى.
تعتبر المحطة الفضائية الدولية (ISS) مثالاً حيًا على الجاذبية في الفضاء. حيث تدور المحطة حول الأرض على ارتفاع يصل إلى حوالي 400 كيلومتر، ومع ذلك فهي لا تزال تتأثر بجاذبية الأرض. في الواقع، يدور رواد الفضاء في المحطة الفضائية في حالة “سقوط حر” دائم، مما يعني أنهم في حالة انعدام وزن نسبي، ولكنهم لا يزالون يتأثرون بقوة الجاذبية.
3. الجاذبية على المحطة الفضائية الدولية
المحطة الفضائية الدولية هي منشأة فضائية تدور حول الأرض بشكل مستمر. وهي تقع في المدار الذي يُطلق عليه المدار المنخفض حول الأرض. في هذا المدار، لا يتوقف تأثير الجاذبية الأرضية على الأجسام. على الرغم من أن رواد الفضاء على متن المحطة لا يشعرون بتأثير الجاذبية بنفس الطريقة التي نشعر بها على سطح الأرض، إلا أنهم في الواقع ما زالوا يتعرضون لها.
هذا الوضع يسمى “الوزن المعدوم” أو “انعدام الوزن”. وهذا يحدث بسبب أن المحطة الفضائية تدور حول الأرض بسرعة عالية جدًا، بحيث تكون القوة الجاذبية للأرض مُعَادلة للقوة الناتجة عن الحركة المدارية للمحطة. في هذه الحالة، يشعر رواد الفضاء وكأنهم في حالة انعدام الوزن، ولكن هذا لا يعني أن الجاذبية قد اختفت. بدلاً من ذلك، هم في حالة سقوط حر مستمر نحو الأرض، ولكن بسبب السرعة المدارية، يظلون في مدار حول الأرض بدلاً من الاصطدام بها.
4. جاذبية الكواكب والأجرام السماوية الأخرى
الجاذبية لا تقتصر على الأرض فحسب. جميع الأجرام السماوية في الكون تتأثر بالقوة الجاذبية. الشمس، على سبيل المثال، تمارس جاذبية هائلة على جميع الكواكب والأجرام التي تدور حولها. وبالمثل، تمتلك كل كوكب من كواكب المجموعة الشمسية جاذبية تؤثر على الأقمار والفضاء المحيط به.
حتى الأجرام الصغيرة مثل الكويكبات والمذنبات في الفضاء تحتوي على قوة جاذبية تؤثر على الأجسام الأخرى القريبة منها. كلما كانت كتلة الجسم أكبر، كانت قوة الجاذبية التي يمارسها أكبر. وبالتالي، توجد جاذبية في جميع أنحاء الفضاء، حتى في المناطق البعيدة جدًا عن النجوم والكواكب.
5. الجاذبية في الفضاء لا تعني انعدام الحركة
من المهم أيضًا أن نلاحظ أن الجاذبية في الفضاء ليست فقط المسؤولة عن حركة الأجرام السماوية. فالجاذبية هي القوة التي تضمن بقاء الكواكب في مداراتها حول النجوم، والأقمار في مداراتها حول الكواكب. ومن دون هذه القوة، لن تستطيع الأجرام السماوية الحفاظ على أنظمتها المدارية، مما سيؤدي إلى تشتت الأجرام والاصطدامات المدمرة.
علاوة على ذلك، تؤثر الجاذبية أيضًا على حركة الفضاء. على سبيل المثال، تؤثر جاذبية الأرض على الأقمار الصناعية التي تدور حولها، وتؤثر الجاذبية الشمسية على الأجرام السماوية البعيدة. بمعنى آخر، لا يتوقف تأثير الجاذبية على الأجرام السماوية عندما نغادر الأرض. بل هي موجودة في جميع أنحاء الكون.
6. المغالطة العلمية حول انعدام الجاذبية
إن الاعتقاد السائد بأن الجاذبية تنعدم في الفضاء هو نتيجة لفهم خاطئ حول الظاهرة المعروفة بالانعدام النسبي للوزن، أو ما يعرف “بفترة انعدام الوزن” التي يمر بها رواد الفضاء. غالبًا ما يتم تصوير هذه الظاهرة على أنها حالة من انعدام الجاذبية، ولكن الواقع هو أن الجاذبية موجودة، بل وحتى في الفضاء البعيد عن الأرض. إنما الشعور بعدم وجود وزن يرجع إلى أن رواد الفضاء في حالة سقوط حر دائمة كما ذكرنا سابقًا.
قد يظن البعض أن الفضاء هو مكان خالي من الجاذبية لأن الأجسام لا تسقط فيه كما هو الحال على سطح الأرض. ولكن من المهم أن نعرف أن هذا لا يعني غياب الجاذبية، بل هو نتيجة للحركة المدارية للأجسام في الفضاء. فعلى سبيل المثال، عندما يدور رواد الفضاء في مدار حول الأرض، فإنهم يظلون في حالة سقوط مستمر ولكن دون أن يصطدموا بالأرض بسبب سرعتهم العالية.
7. أثر الجاذبية على الجسم البشري في الفضاء
على الرغم من أن رواد الفضاء في الفضاء لا يشعرون بالجاذبية بنفس الطريقة التي نشعر بها على سطح الأرض، فإن جاذبية الأرض تؤثر عليهم بشكل غير مرئي. فعندما يقضون وقتًا طويلًا في الفضاء، يبدأ جسم الإنسان في التكيف مع البيئة الخاصة بالفضاء. على سبيل المثال، تضعف العظام والعضلات لأن الجسم لا يحتاج إلى مقاومة الجاذبية كما في الأرض. كما أن السوائل في الجسم تتحرك بشكل غير طبيعي بسبب انعدام الوزن النسبي، مما يؤدي إلى مشاكل صحية مثل التورم في الوجه وضعف الدورة الدموية.
وفي هذا السياق، قام العلماء بتطوير برامج تدريبية لرواد الفضاء تهدف إلى تقوية العضلات والعظام أثناء فترة وجودهم في الفضاء، وذلك لتقليل الآثار السلبية لغياب الجاذبية على صحتهم.
8. الخلاصة
إن مفهوم “انعدام الجاذبية في الفضاء” هو مغالطة علمية لا أساس لها من الصحة. الجاذبية موجودة في كل مكان في الكون، بما في ذلك الفضاء الخارجي. ما يحدث في الفضاء هو أن الجاذبية تكون ضعيفة مقارنة بتلك التي نختبرها على سطح الأرض. لكن هذا لا يعني أن الجاذبية تنعدم تمامًا. الفكرة التي يتم تداولها حول انعدام الجاذبية في الفضاء تعود إلى فهم خاطئ للظروف التي يعيشها رواد الفضاء في المحطات الفضائية وفي المدارات.
الواقع أن الجاذبية تعد من القوى الأساسية في الكون، وهي التي تجعل الأنظمة السماوية مستقرة. سواء في الفضاء القريب من الأرض أو في الفضاء البعيد بين النجوم، الجاذبية هي العامل الذي يحفظ الكواكب، الأقمار، والأجرام السماوية في أماكنها، ويضبط حركتها.
