التوهم المرضي: حقيقة أم تمارض؟

التوهم المرضي: هل هو مرض أم تمارض؟

التوهم المرضي هو حالة نفسية معقدة يعاني فيها الشخص من الاعتقاد المفرط والمتواصل بوجود مرض جسدي خطير، رغم عدم وجود دلائل طبية تدعمه. يتميز هذا المرض النفسي بتصديق الشخص للأعراض الوهمية التي يشعر بها، مما يجعله يلجأ بشكل متكرر إلى الفحوصات الطبية والعلاج دون الحاجة الفعلية لذلك. يتردد الكثيرون بين تصنيفه كمرض نفسي حقيقي أو مجرد تمارض، وفي هذا المقال سنتناول هذا الموضوع من كافة جوانبه لتوضيح الفرق بين التوهم المرضي والتمارض، مع تسليط الضوء على الأسباب المحتملة لهذه الحالة وكيفية علاجها.

1. تعريف التوهم المرضي

التوهم المرضي هو اضطراب نفسي ينتمي إلى فئة الاضطرابات السيكوسوماتية أو النفس-جسدية، حيث يتسم الشخص المصاب بتوهم أنه يعاني من مرض جسدي خطير على الرغم من عدم وجود أي دليل طبي يدعمه. يُعرف هذا الاضطراب أيضًا بالـ “مرض الوهمي” أو “اضطراب القلق المرضي”، ويمكن أن يتسبب في اضطراب الحياة اليومية للشخص المصاب، حيث يصبح القلق الزائد بشأن الصحة محوريًا في حياته.

في هذه الحالة، قد يعاني الشخص من مجموعة متنوعة من الأعراض الجسدية الوهمية التي يعتقد أنها ناتجة عن أمراض جسدية خطيرة. ومع ذلك، تكشف الفحوصات الطبية أنه لا يوجد أي مشكلة صحية حقيقية، مما يترك الشخص في حالة من الإحباط والقلق المستمرين.

2. الفرق بين التوهم المرضي والتمارض

هناك فرق جوهري بين التوهم المرضي والتمارض، على الرغم من أن كلا الحالتين تشملان تقديم الشخص نفسه على أنه مريض. في حين أن التوهم المرضي يعكس اضطرابًا نفسيًا حقيقيًا، فإن التمارض يعد سلوكًا مقصودًا يرتبط بالرغبة في الحصول على الانتباه أو الفائدة من مرض وهمي.

• التوهم المرضي: كما أُشير إليه سابقًا، يتسم الشخص المصاب بتوهم المرض بوجود اعتقاد غير عقلاني في أن لديه مرضًا جسديًا خطيرًا، حتى في غياب أي دليل طبي. هذا الاضطراب لا يتم التلاعب به عمدًا من الشخص بل هو نتيجة لاضطراب نفسي عميق يؤثر على تفكيره وتصوراته. وبالتالي، فإن هذا الشخص قد لا يكون واعيًا تمامًا أنه يبالغ أو يتوهم إصابته بمرض ما.

• التمارض: على النقيض من ذلك، فإن التمارض هو سلوك واعي يتم فيه ادعاء الشخص بأنه مريض أو يعاني من أعراض صحية غير حقيقية بهدف الحصول على انتباه أو مزايا معينة، مثل التهرب من المسؤوليات أو كسب الرعاية والاهتمام. الشخص الذي يتعمد التمارض يمكنه أن يظهر أعراضًا مرضية مزيفة ولكن دون أن تكون هذه الأعراض ناتجة عن اضطراب نفسي حقيقي.

3. الأسباب المحتملة للتوهم المرضي

يشير معظم الأطباء والباحثين إلى أن التوهم المرضي لا ينشأ عن سبب واحد فقط، بل هو نتيجة تفاعل معقد بين العوامل النفسية، الوراثية والبيئية. تتعدد الأسباب المحتملة التي قد تساهم في تطور هذا الاضطراب، ومنها:

3.1 العوامل النفسية

القلق النفسي يعتبر من العوامل الأساسية التي تلعب دورًا في الإصابة بالتوهم المرضي. حيث يعاني الشخص المصاب بهذا الاضطراب من مستوى عالٍ من القلق المفرط الذي يدفعه إلى تفسير أي عرض جسدي بسيط على أنه دليل على وجود مرض خطير. قد يشعر المصاب بأن جسمه غير طبيعي وأنه عرضة للأمراض طوال الوقت، مما يعزز من توهمه الصحي.

3.2 العوامل الوراثية

بعض الدراسات تشير إلى أن وجود تاريخ عائلي من الاضطرابات النفسية قد يزيد من احتمالية الإصابة بالتوهم المرضي. قد تلعب الجينات دورًا في قابلية الفرد للإصابة بالاضطرابات النفسية بشكل عام، بما في ذلك التوهم المرضي.

3.3 التجارب الحياتية

التعرض للضغوط الحياتية أو الأحداث المؤلمة، مثل فقدان شخص عزيز أو المرور بتجربة مرضية شديدة في مرحلة سابقة من الحياة، قد يزيد من احتمالية تطوير التوهم المرضي. في بعض الحالات، قد يكون الشخص قد مر بتجربة مرضية أو صدمة صحية في الماضي تجعل اهتمامه المفرط بالصحة أمرًا معتادًا.

3.4 الفهم الخاطئ للأعراض الجسدية

قد يكون لدى الشخص المصاب بالتوهم المرضي ميل لتفسير الأعراض الجسدية البسيطة، مثل التعب أو الألم العرضي، على أنها علامات مرضية خطيرة. هذه الأعراض قد تكون نتيجة لظروف حياتية ضاغطة أو مشاكل نفسية أخرى، ولكن الشخص المصاب يبالغ في تفسيرها.

4. أعراض التوهم المرضي

تشمل أعراض التوهم المرضي مجموعة من العلامات النفسية والجسدية التي تؤثر على الشخص بشكل كبير. من أبرز الأعراض التي قد يعاني منها المصاب:

• القلق المفرط بشأن الصحة: يكون الشخص قلقًا باستمرار بشأن صحته الشخصية، ويشعر دائمًا بأنه معرض للإصابة بأمراض خطيرة.

• البحث المستمر عن العلاج: قد يلجأ الشخص المصاب إلى الأطباء المتعددين والفحوصات الطبية المتكررة على الرغم من أن نتائج الفحوصات عادة ما تكون سلبية.

• الميل إلى التشخيص الذاتي: يميل المصاب بالتوهم المرضي إلى تشخيص نفسه استنادًا إلى المعلومات التي يقرأها أو يسمعها عن الأمراض، ويعتقد أنها تتطابق مع أعراضه.

• تدهور جودة الحياة: يمكن أن يؤثر التوهم المرضي بشكل كبير على الحياة اليومية للمريض، مما يجعله يتجنب الأنشطة العادية ويشعر بالإجهاد المستمر.

5. التشخيص والعلاج

5.1 التشخيص

يشمل تشخيص التوهم المرضي تقييمًا نفسيًا دقيقًا من قبل مختص في الطب النفسي. قد يتطلب التشخيص فحصًا شاملاً للتاريخ الطبي والنفسي للمريض، بالإضافة إلى إجراء بعض الفحوصات الجسدية للتأكد من عدم وجود أمراض حقيقية.

5.2 العلاج

يتم علاج التوهم المرضي باستخدام مزيج من العلاج النفسي والعلاج الدوائي:

• العلاج النفسي: العلاج المعرفي السلوكي يُعد من أكثر الطرق فعالية في علاج التوهم المرضي. يركز هذا العلاج على مساعدة الشخص المصاب في التعرف على أفكاره الخاطئة حول الصحة، وتغييرها إلى أفكار أكثر واقعية.

• العلاج الدوائي: في بعض الحالات، قد يحتاج الشخص إلى أدوية مضادة للقلق أو مضادة للاكتئاب لتقليل مستوى التوتر والقلق الذي يساهم في توهم المرض.

5.3 الدعم الاجتماعي

يُعد الدعم الاجتماعي من العوامل المهمة في معالجة التوهم المرضي، حيث يمكن للأسرة والأصدقاء أن يلعبوا دورًا حيويًا في مساعدة المريض على التغلب على هذا الاضطراب عن طريق تقديم الدعم النفسي والإيجابي.

6. التوهم المرضي في سياق المجتمع والثقافة

في بعض المجتمعات والثقافات، قد يكون هناك تحديات إضافية تتعلق بتحديد التشخيص وتقديم العلاج المناسب للتوهم المرضي. فقد يُنظر إلى الأعراض التي يعاني منها الشخص على أنها مجرد تمارض أو تقلبات في المزاج، مما يؤدي إلى تأخير في التشخيص والعلاج. من المهم أن يُفهم التوهم المرضي باعتباره اضطرابًا نفسيًا حقيقيًا يستدعي التدخل المهني المناسب.

7. الخاتمة

التوهم المرضي هو اضطراب نفسي معقد يحتاج إلى علاج دقيق ومبكر. قد يصعب التمييز بينه وبين التمارض، لكن الفرق الأساسي يكمن في أن التوهم المرضي هو نتيجة لاضطراب نفسي حقيقي، بينما التمارض هو سلوك متعمد. من خلال التشخيص المبكر والعلاج المناسب، يمكن للأفراد الذين يعانون من التوهم المرضي أن يواجهوا هذا التحدي ويتحسنوا في حياتهم اليومية.