التوحد: تعريفه، تشخيصه، وأسبابه
التوحد هو اضطراب في النمو العصبي يتميز بصعوبات في التواصل الاجتماعي، والميل إلى تكرار الأنماط السلوكية والأنشطة. يعتبر التوحد من الاضطرابات التي تطرأ في مرحلة الطفولة المبكرة، وغالباً ما يُظهر الطفل المصاب به اختلافات في طريقة التفاعل مع الآخرين وفهمه للعالم من حوله. تتفاوت أعراض التوحد من شخص لآخر، حيث يمكن أن تظهر بدرجات متفاوتة من الشدة، مما يجعل كل حالة فريدة من نوعها.
تعريف التوحد
التوحد هو مجموعة من الاضطرابات العصبية النمائية التي تؤثر على قدرة الفرد على التواصل والتفاعل مع الآخرين. يُعرف التوحد بشكل دقيق على أنه اضطراب في التطور العصبي يؤثر على النمو الاجتماعي والتواصلي للفرد، ويظهر عادة في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل. تشير التقديرات إلى أن واحدًا من بين كل 68 طفلًا يتم تشخيصه بالتوحد، على الرغم من أن هذه الأرقام قد تختلف وفقًا لمنطقة جغرافية وأسلوب التشخيص المتبع.
يُطلق على التوحد أحيانًا مصطلح “اضطراب طيف التوحد” (ASD)، وذلك لأن هذا الطيف يحتوي على مجموعة واسعة من الأعراض والقدرات، ويعكس تعددية وتأثيرات التوحد على حياة الأفراد الذين يعانون منه. في حين أن بعض الأطفال قد يظهرون أعراضًا خفيفة يمكن التعامل معها بسهولة في بيئات معينة، إلا أن آخرين قد يعانون من أعراض أكثر شدة تؤثر بشكل كبير على حياتهم اليومية.
أعراض التوحد
تتباين أعراض التوحد بشكل ملحوظ بين الأفراد، ولكن هناك بعض العلامات الأساسية التي يشترك فيها العديد من المصابين. من أبرز هذه الأعراض:
-
صعوبات في التواصل الاجتماعي: يعاني العديد من الأطفال المصابين بالتوحد من صعوبة في فهم الإشارات الاجتماعية، مثل تعبيرات الوجه ولغة الجسد. قد يواجهون تحديات في التفاعل مع أقرانهم أو البالغين، وقد يظهرون قلة الاهتمام بالألعاب الجماعية أو الأنشطة التفاعلية.
-
الأنماط السلوكية المتكررة: يشمل ذلك الأنشطة مثل التكرار المستمر للحركات، مثل اهتزاز اليدين أو المشي بشكل دائري، أو الإصرار على اتباع روتين معين بشكل صارم. كما قد يظهر هؤلاء الأطفال اهتمامًا مفرطًا بموضوعات محددة أو أشياء معينة، مثل أنواع معينة من الألعاب أو الأنماط البصرية.
-
صعوبة في التكيف مع التغيير: يُظهر الكثير من الأطفال المصابين بالتوحد مقاومة شديدة لأي تغيير في روتينهم اليومي. قد يرفضون التكيف مع بيئات جديدة أو تجارب غير مألوفة.
-
تأخر في اللغة والتواصل اللفظي: قد يتأخر الأطفال المصابون بالتوحد في تعلم اللغة أو قد لا يتطور لديهم الكلام بشكل طبيعي. في بعض الحالات، قد لا يتحدثون على الإطلاق أو قد يواجهون صعوبة في فهم أو استخدام اللغة في سياق اجتماعي.
تشخيص التوحد
تشخيص التوحد يتطلب عملية شاملة ومتعددة المراحل، حيث يتم تقييم الطفل من خلال مجموعة من المعايير السلوكية والنمائية. عادةً ما يُشخص التوحد بين عمر 18 و24 شهرًا، على الرغم من أن بعض الأطفال قد يُشخصون في وقت لاحق إذا كانت أعراضهم أكثر اعتدالًا.
تشمل عملية التشخيص عدة جوانب:
-
التاريخ الطبي والنمائي: يبدأ التشخيص غالبًا بجمع معلومات حول تاريخ الطفل الطبي والنمائي، بما في ذلك المعلومات عن الحمل، والميلاد، والتطور المبكر، والعوامل الأسرية.
-
التقييم السلوكي: يُعتمد في التقييم السلوكي على مراقبة سلوكيات الطفل في بيئات مختلفة، مثل المنزل والمدرسة. يركز الأطباء والمختصون على كيفية تفاعل الطفل مع الآخرين وكيفية استجابته للمواقف الاجتماعية.
-
استخدام أدوات تشخيصية موثوقة: مثل مقياس تقييم التوحد (CARS)، ومقياس تشخيص التوحد للأطفال (ADOS)، أو مقياس تفاعل الطفل مع البيئة (ADI-R)، وغيرها من الأدوات التي تساعد في تقييم درجة الأعراض.
-
التعاون مع فرق متعددة التخصصات: يشمل تشخيص التوحد تعاون الأطباء، وأطباء الأعصاب، وأطباء النفس، والمعالجين المختصين في النطق، والتربية الخاصة، حيث يتم تبادل المعلومات والتقييمات لتقديم صورة شاملة عن حالة الطفل.
-
إجراء فحوصات طبية أخرى: في بعض الأحيان، يُطلب من الأطفال الخضوع لفحوصات طبية مثل فحوصات السمع، وفحوصات الأعصاب، وفحوصات الدم للتأكد من عدم وجود حالات طبية أخرى قد تساهم في ظهور الأعراض.
أسباب التوحد
لا يزال سبب التوحد غير معروف بشكل دقيق، لكن الباحثين يعتقدون أن هناك عدة عوامل تؤدي إلى الإصابة به. يُعتقد أن مزيجًا من العوامل الوراثية والبيئية يتداخل مع تطور الدماغ ويساهم في ظهور الأعراض. فيما يلي بعض العوامل التي قد تلعب دورًا في ظهور التوحد:
1. العوامل الوراثية
تشير الدراسات إلى أن التوحد غالبًا ما يحدث في العائلات، مما يعكس تأثير العوامل الوراثية. الأطفال الذين لديهم أفراد من الأسرة مصابين بالتوحد قد يكونون أكثر عرضة للإصابة به. تشير الأبحاث إلى أن الجينات قد تلعب دورًا كبيرًا في الإصابة بالتوحد من خلال التأثير على كيفية تطور الدماغ.
2. الاختلالات الكيميائية في الدماغ
تشير بعض الأبحاث إلى أن هناك اختلالًا في مستوى بعض المواد الكيميائية في الدماغ مثل السيروتونين والدوبامين في الأطفال المصابين بالتوحد. قد تؤثر هذه الاختلالات في كيفية معالجة الدماغ للمعلومات، مما يؤثر على تطور المهارات الاجتماعية واللغوية.
3. العوامل البيئية
على الرغم من أن الوراثة تلعب دورًا كبيرًا، إلا أن العوامل البيئية قد تسهم أيضًا في ظهور التوحد. يتحدث بعض العلماء عن تأثير العوامل البيئية في بداية الحمل مثل تعرض الجنين للملوثات أو العدوى الفيروسية، بالإضافة إلى التعرض للمبيدات الحشرية أو المواد الكيميائية في البيئة المحيطة.
4. مضاعفات الحمل والولادة
تشير بعض الدراسات إلى أن التوحد قد يكون مرتبطًا بمضاعفات أثناء الحمل أو الولادة، مثل الولادة المبكرة، انخفاض الوزن عند الولادة، أو تعريض الجنين لمواد ضارة في فترة الحمل. قد تساهم هذه العوامل في التأثير على تطور الدماغ وتسبب اختلالات في النماء العصبي.
5. الإصابة بالعدوى الفيروسية أو المناعية
بعض الدراسات أظهرت أن إصابة الأم بعدوى معينة أثناء الحمل، مثل الفيروسات الفيروسية أو حتى الحصبة الألمانية، قد تزيد من خطر التوحد لدى الطفل. تشير الأبحاث إلى أن استجابة جهاز المناعة لهذه العدوى قد تؤثر في تطور الدماغ لدى الجنين.
6. العوامل الهرمونية
تشير بعض الدراسات إلى أن التغيرات في الهرمونات أثناء الحمل قد تؤثر على تطور الدماغ لدى الطفل، مما يزيد من احتمالية الإصابة بالتوحد.
الخاتمة
يعد التوحد اضطرابًا معقدًا يؤثر على نمو الفرد وسلوكه بطرق متباينة. على الرغم من أن أسبابه لا تزال قيد الدراسة، إلا أن العوامل الوراثية والبيئية تلعب دورًا مهمًا في تحديد احتمال الإصابة به. يعتمد تشخيص التوحد على تقييم دقيق للطفل باستخدام أدوات تشخيصية متقدمة وعملية شاملة، بينما يختلف العلاج من شخص لآخر حسب احتياجات الفرد.
