التهاب حول الفم عند الأطفال: الأسباب، الأعراض، طرق التشخيص، وسبل العلاج والوقاية

يُعد التهاب حول الفم عند الأطفال من الحالات الجلدية الشائعة التي تثير قلق الوالدين وتستدعي في كثير من الأحيان التدخل الطبي المناسب. يتمثل هذا الالتهاب في ظهور طفح جلدي أو احمرار أو تقشّر في الجلد المحيط بالفم، وقد يكون مصحوباً بحكة أو حرقة أو شعور بعدم الارتياح. وعلى الرغم من أن الحالة قد تبدو بسيطة في مظهرها، إلا أن إهمالها أو علاجها بشكل خاطئ قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض وظهور مضاعفات غير مرغوبة، خاصةً عند الأطفال الذين يتميز جلدهم بالحساسية العالية وسرعة التفاعل مع العوامل البيئية والدوائية والغذائية.

ما هو التهاب حول الفم عند الأطفال؟

التهاب حول الفم أو ما يُعرف طبيًا باسم Perioral Dermatitis هو حالة جلدية تتمثل في ظهور طفح جلدي أو بثور صغيرة أو قشور في المنطقة المحيطة بالفم، وأحيانًا قد تمتد إلى مناطق قريبة من الأنف أو العينين. يشيع هذا النوع من الالتهابات بين الأطفال، خاصةً في المرحلة العمرية ما بين سنتين إلى عشر سنوات، وتزداد احتمالية الإصابة به لدى من يعانون من البشرة الحساسة أو من يستخدمون مراهم وكريمات تحتوي على الكورتيزون لفترات طويلة.

الأسباب الشائعة لالتهاب حول الفم عند الأطفال

1. الاستخدام المفرط للكورتيزون الموضعي

يُعد استخدام الكريمات أو المراهم التي تحتوي على الستيرويدات (الكورتيزونات) من أبرز الأسباب المؤدية لحدوث هذا الالتهاب، حيث يؤدي الاستعمال المتكرر أو طويل الأمد إلى تغير في استجابة الجلد، مما يسبب تهيجاً دائماً وظهور طفح جلدي متكرر حول الفم.

2. اللعاب المفرط والتعرض للرطوبة

يُعد إفراز اللعاب المفرط من الأسباب الرئيسية، خاصةً عند الأطفال الذين ما زالوا في مرحلة التسنين. حيث إن بقاء الجلد رطباً لفترة طويلة بسبب اللعاب أو المص المتكرر للأصابع أو اللهّاية يؤدي إلى تهيج الجلد المحيط بالفم.

3. استخدام مستحضرات العناية غير المناسبة

قد تحتوي بعض معاجين الأسنان أو المرطبات أو مناديل التنظيف على مواد كيميائية أو عطور قوية تسبب تهيج الجلد الحساس للطفل. كما أن استخدام منتجات التجميل من قبل الأمهات أو الأخوات على مقربة من الأطفال قد يؤدي إلى انتقال المواد المهيجة إليهم.

4. العدوى البكتيرية أو الفطرية

في بعض الحالات، يمكن أن تكون العدوى البكتيرية أو الفطرية سبباً مباشراً أو مساهماً في حدوث التهاب حول الفم، خصوصاً إذا كان الطفل يعاني من ضعف في الجهاز المناعي أو لديه تاريخ مرضي من الأكزيما أو الحساسية.

5. سوء التغذية ونقص الفيتامينات

نقص بعض الفيتامينات، خصوصًا فيتامين B2 (الرايبوفلافين) والزنك، قد يؤدي إلى تدهور صحة الجلد وظهور التهابات في زوايا الفم والمنطقة المحيطة به.

6. الطقس والعوامل البيئية

التعرض للهواء الجاف، أو الرياح، أو الشمس الحارقة يمكن أن يؤدي إلى جفاف البشرة وزيادة احتمالية الإصابة بالتهاب حول الفم، خصوصًا إذا لم تُستخدم وسائل الحماية أو الترطيب المناسبة.

الأعراض المميزة لالتهاب حول الفم

• احمرار في الجلد المحيط بالفم

• ظهور بثور صغيرة أو حويصلات مليئة بالسوائل

• جفاف وتقشّر الجلد

• شعور بالحكة أو الحرقة

• انتشار الطفح إلى مناطق أخرى مثل الأنف أو الذقن

• قد تظهر خطوط دقيقة أو قشور بيضاء في بعض الحالات

غالبًا ما تكون الأعراض أكثر وضوحًا في ساعات الصباح أو بعد تناول الطعام، خصوصًا إذا احتوى على مكونات حارة أو حمضية.

الفروق بين التهاب حول الفم وغيره من الحالات الجلدية

من المهم التفرقة بين التهاب حول الفم وحالات جلدية أخرى مثل:

التشخيص الطبي لالتهاب حول الفم

يشخّص الأطباء هذه الحالة غالبًا بناءً على الفحص السريري دون الحاجة إلى فحوصات مختبرية، إلا في بعض الحالات التي يصعب فيها التمييز بين التهاب حول الفم وحالات أخرى مشابهة. قد يُطلب أخذ عينة جلدية لفحصها مجهريًا أو إجراء تحليل للتحسس أو اختبار لقياس نسبة الفيتامينات والمعادن، خصوصًا إذا تكررت الأعراض أو لم تستجب للعلاج الأولي.

العلاج المناسب لالتهاب حول الفم عند الأطفال

1. إيقاف استخدام الكورتيزون

الخطوة الأولى والأهم في العلاج هي التوقف الفوري عن استخدام أي مستحضرات تحتوي على الكورتيزون، حتى وإن بدت أنها تحسن الحالة مؤقتًا.

2. العناية بالبشرة وتنظيفها بلطف

ينصح باستخدام غسول لطيف وخالٍ من المواد الكيميائية والعطور، مع تجفيف المنطقة برفق وعدم فركها. يمكن استخدام المياه الفاترة بدلاً من الصابون القاسي.

3. استعمال كريمات موضعية خالية من الستيرويد

تُستخدم مضادات حيوية موضعية مثل ميترونيدازول أو إريثرومايسين لعلاج البكتيريا المحتملة وتهدئة الالتهاب. كما يمكن استعمال كريمات تحتوي على أكسيد الزنك لتهدئة الجلد وتقليل التهيج.

4. تعديل النظام الغذائي

في حالات وجود نقص في الفيتامينات، يُنصح بإدخال مكملات غذائية أو أطعمة غنية بفيتامين B والزنك لتحسين صحة الجلد وتقليل فرص الانتكاس.

5. استخدام مرطبات طبية

يُنصح باستخدام مرطبات طبية تحتوي على مواد مثل السيراميد أو حمض الهيالورونيك لدعم حاجز الجلد الطبيعي ومنع الجفاف.

6. الامتناع عن ملامسة اللعاب المستمر

من المهم تقليل استخدام اللهّايات أو مص الأصابع، ويمكن استخدام واقي جلدي طبي على المنطقة المحيطة بالفم كحاجز واقٍ من اللعاب.

7. العلاج بالمضادات الحيوية الفموية في الحالات الشديدة

قد يوصي الطبيب باستخدام مضادات حيوية فموية مثل الدوكسيسيكلين أو الإريثرومايسين، لكن هذا الخيار يُستخدم بحذر وتحت إشراف طبي صارم، خصوصًا لدى الأطفال.

الوقاية من التهاب حول الفم

• تجنّب استخدام المستحضرات الجلدية غير الموصى بها من قبل الطبيب

• اختيار معجون أسنان خالٍ من الفلور أو العطور للأطفال

• تجفيف الفم والوجه بلطف بعد الأكل أو الشرب

• استخدام واقٍ جلدي مرطب قبل النوم، خصوصًا للأطفال المعرضين للسيلان اللعابي

• تغذية متوازنة تضمن تزويد الجسم بالفيتامينات الضرورية لصحة الجلد

• الابتعاد عن مسببات التحسس المعروفة مثل بعض الأطعمة أو العطور

الحالات التي تستدعي التدخل الطبي السريع

• إذا كان الالتهاب مصحوبًا بحمى أو انتفاخ أو صديد

• إذا انتشر الطفح إلى العينين أو أصبح مؤلمًا بشدة

• في حال لم تظهر أي علامات للتحسن خلال 10 أيام من بدء العلاج

• إذا كانت هناك أعراض تشير إلى نقص تغذية واضح مثل تشققات في الشفاه أو تساقط الشعر

مضاعفات محتملة في حال إهمال العلاج

إهمال علاج التهاب حول الفم قد يؤدي إلى:

• تحوّل الالتهاب إلى حالة مزمنة يصعب السيطرة عليها

• ظهور تصبغات جلدية دائمة أو ندبات

• انتقال العدوى إلى مناطق أخرى من الوجه

• تطور الحالة إلى عدوى بكتيرية أو فطرية ثانوية

المصادر العلمية

1. James, William D. et al. Andrews’ Diseases of the Skin: Clinical Dermatology, 13th ed., Elsevier, 2019.

2. American Academy of Dermatology. “Perioral Dermatitis.” https://www.aad.org