التهاب الغدد اللعابية: دراسة شاملة حول الأسباب، الأعراض، التشخيص والعلاج

مقدمة

تُعد الغدد اللعابية جزءاً أساسياً من الجهاز الهضمي، حيث تقوم بإفراز اللعاب الذي يلعب دوراً محورياً في عملية الهضم والحفاظ على صحة الفم. التهاب الغدد اللعابية هو حالة مرضية تصيب هذه الغدد، مما يؤدي إلى ظهور أعراض متنوعة قد تؤثر بشكل كبير على جودة حياة المصاب. في هذا المقال، سيتم تناول مفهوم التهاب الغدد اللعابية، أنواعه المختلفة، أسبابه، أعراضه، طرق تشخيصه، وسبل علاجه، بالإضافة إلى عرض تفصيلي حول المضاعفات المحتملة وطرق الوقاية.

تعريف الغدد اللعابية ووظيفتها

الغدد اللعابية هي غدد إفرازية تقع في منطقة الفم والرأس، وتتمثل وظيفتها الأساسية في إنتاج اللعاب. يوجد ثلاثة أزواج رئيسية من الغدد اللعابية:

• الغدد النكفية (Parotid glands): تقع أمام الأذنين.

• الغدد تحت الفك السفلي (Submandibular glands): تقع تحت الفك السفلي.

• الغدد تحت اللسان (Sublingual glands): تقع تحت اللسان.

بالإضافة إلى هذه الغدد الرئيسية، توجد غدد لعابية صغرى موزعة في بطانة الفم. يعمل اللعاب الذي تفرزه هذه الغدد على ترطيب الفم، تسهيل عملية المضغ والبلع، المساعدة في بدء عملية الهضم بفضل احتوائه على إنزيمات هاضمة، وحماية الفم من العدوى عبر خصائصه المضادة للبكتيريا.

مفهوم التهاب الغدد اللعابية

يشير التهاب الغدد اللعابية إلى الحالة التي تصاب فيها هذه الغدد بالتهاب نتيجة عدة أسباب مختلفة، مما يؤدي إلى تورمها، ألم، واحياناً إفرازات غير طبيعية. يمكن أن يكون هذا الالتهاب حاداً أو مزمناً، وقد يؤثر على غدة واحدة أو أكثر.

أنواع التهاب الغدد اللعابية

يُصنف التهاب الغدد اللعابية إلى عدة أنواع رئيسية، تختلف في مسبباتها وأعراضها، ومن أبرزها:

1. التهاب الغدد اللعابية الفيروسي
   
   من أشهر أنواع الالتهاب الفيروسي هو “النكاف”، الذي يسببه فيروس النكاف. يصيب هذا النوع غالباً الغدد النكفية، ويتميز بتورم وألم في المنطقة الأمامية للأذن، وقد يصاحبه أعراض عامة مثل الحمى والتعب.

2. التهاب الغدد اللعابية البكتيري
   
   يحدث غالباً نتيجة عدوى بكتيرية تنتقل عبر القنوات اللعابية، أو نتيجة انسداد في القناة اللعابية مثل الحصوات، مما يسبب تراكم اللعاب وتكاثر البكتيريا. أكثر أنواع البكتيريا المسببة شيوعاً هو المكورات العنقودية.

3. التهاب الغدد اللعابية المزمن
   
   قد يحدث بسبب التهابات متكررة أو أمراض مناعية مثل متلازمة سجوجرن التي تؤدي إلى جفاف الغدد اللعابية وتلفها على المدى الطويل.

4. التهاب الغدد اللعابية الناجم عن الحصوات
   
   تتكون حصوات صغيرة داخل قنوات الغدد اللعابية، مما يؤدي إلى انسداد القنوات، ويُسبب ألم وتورم عند تناول الطعام.

5. التهاب الغدد اللعابية الناتج عن عوامل أخرى
   
   مثل التعرض للإشعاع، جفاف الفم المزمن، أو كأحد الأعراض الجانبية لبعض الأدوية.

أسباب التهاب الغدد اللعابية

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى التهاب الغدد اللعابية، ويمكن تلخيصها في المحاور التالية:

• العدوى الفيروسية: مثل فيروس النكاف، وفيروسات أخرى كفيروسات الإنفلونزا وفيروسات الهربس.

• العدوى البكتيرية: خاصة عندما يحدث انسداد في القنوات اللعابية مما يسمح بتكاثر البكتيريا.

• انسداد القنوات اللعابية: بسبب الحصوات أو الالتهابات المزمنة التي تؤدي إلى تضييق القنوات.

• الأمراض المناعية: مثل متلازمة سجوجرن التي تؤثر على الغدد الإفرازية وتسبب التهابات مزمنة.

• العوامل البيئية: مثل الجفاف الشديد، أو استخدام أدوية تؤدي إلى نقص إفراز اللعاب.

• العوامل الطبية: التعرض للعلاج الإشعاعي في منطقة الرأس والعنق، الذي يضر بالغدد اللعابية.

الأعراض السريرية

تختلف الأعراض تبعاً لنوع الالتهاب وسببه، ولكن يمكن حصر الأعراض الأكثر شيوعاً كما يلي:

• تورم في منطقة الغدة المصابة: قد يكون واضحاً أو غير واضح حسب الغدة المصابة.

• ألم في منطقة التورم: يزداد عادة مع تناول الطعام أو التحدث.

• جفاف الفم: نتيجة نقص إفراز اللعاب.

• إفرازات غير طبيعية: مثل صديد أو إفرازات كريهة الرائحة.

• حمى وقشعريرة: خصوصاً في الالتهابات البكتيرية الحادة.

• تغير في طعم الفم: أو طعم مرير.

• تورم الغدد الليمفاوية القريبة: في حالة الالتهاب الشديد أو العدوى الموسعة.

التشخيص

التشخيص الدقيق لالتهاب الغدد اللعابية يتطلب تقييماً سريرياً دقيقاً مع دعم بعض الفحوصات المخبرية والتصويرية:

• الفحص السريري: يشمل فحص منطقة الفم، الغدد اللعابية، والبحث عن علامات الالتهاب والتورم.

• الفحوصات المختبرية: تحليل الدم للكشف عن علامات الالتهاب والعدوى، وزراعة الإفرازات إذا وجدت.

• التصوير الطبي:

  • الأشعة السينية: قد تكشف عن وجود حصوات داخل القنوات اللعابية.

  • الأشعة فوق الصوتية: تستخدم لتقييم حجم الغدة وحالتها.

  • التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): يستخدم في حالات معينة لفحص الغدد بشكل أدق.

  • التصوير بالأشعة المقطعية (CT): مفيد في حالات الالتهاب الشديد أو وجود خراج.

العلاج

يعتمد علاج التهاب الغدد اللعابية على نوع الالتهاب وسببه، ويشمل:

العلاج الدوائي

• المضادات الحيوية: تستخدم في الالتهابات البكتيرية الحادة، مثل البنسلين أو الأموكسيسيلين.

• الأدوية المضادة للفيروسات: في بعض الحالات الفيروسية، رغم أن معظم الفيروسات تكون ذاتية الشفاء.

• مسكنات الألم: مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين لتخفيف الألم والالتهاب.

• موسعات القنوات اللعابية: أدوية تساعد على زيادة تدفق اللعاب.

العلاج الداعم

• الترطيب المستمر: شرب كميات كافية من الماء للحفاظ على رطوبة الفم.

• تحفيز إفراز اللعاب: من خلال تناول أطعمة حمضية أو مص حلوى خاصة لتحفيز إفراز اللعاب.

• العناية بنظافة الفم: تنظيف الأسنان والفم بانتظام لتقليل خطر العدوى.

الإجراءات الطبية والجراحية

• إزالة الحصوات: عن طريق تقنيات بسيطة مثل التدليك أو باستخدام الأجهزة الطبية الخاصة، وفي بعض الحالات تحتاج لإزالة جراحية.

• تصريف الخراجات: في حالة وجود خراجات نتيجة التهاب حاد.

• العلاج الجراحي: قد يتطلب استئصال الغدة في الحالات المزمنة أو المتقدمة التي لا تستجيب للعلاج الدوائي.

المضاعفات

في حال تأخر العلاج أو عدم الاستجابة للعلاج المناسب، قد تنشأ مضاعفات خطيرة منها:

• خراج الغدة اللعابية: تجمع صديدي قد يتطلب تصريفاً جراحياً.

• انتشار العدوى: إلى الأنسجة المجاورة، مما قد يؤدي إلى التهابات أعمق أو حتى تسمم الدم.

• تلف الغدة الدائم: يؤدي إلى جفاف الفم المزمن وضعف وظائف الغدة.

• تكون ندبات أو تشوهات في منطقة الفم أو الوجه.

الوقاية

الوقاية من التهاب الغدد اللعابية تعتمد على عدة ممارسات صحية تهدف إلى الحفاظ على سلامة الغدد والحد من العوامل المسببة:

• المحافظة على نظافة الفم والأسنان.

• شرب كميات كافية من الماء يومياً لتجنب جفاف الفم.

• زيارة الطبيب بانتظام عند ملاحظة أي تورم أو ألم في منطقة الغدد اللعابية.

• تجنب التدخين والكحول، التي تؤثر سلباً على صحة الفم والغدد.

• علاج الأمراض المناعية المزمنة التي قد تؤثر على الغدد اللعابية.

• اتباع الإرشادات الطبية عند استخدام الأدوية التي تسبب جفاف الفم.

جدول توضيحي لأهم أنواع التهاب الغدد اللعابية وأسبابها وأعراضها والعلاج

الخاتمة

التهاب الغدد اللعابية هو حالة مرضية ذات أهمية طبية كبيرة، نظراً للدور الحيوي الذي تلعبه الغدد اللعابية في صحة الفم والجهاز الهضمي. المعرفة الدقيقة بأسباب الالتهاب، أعراضه، وطرق التشخيص والعلاج تُمكن من تقديم الرعاية الصحية المناسبة التي تقي من المضاعفات الخطيرة وتحسن جودة حياة المرضى. المحافظة على نظافة الفم والرعاية الصحية المنتظمة تشكل خط الدفاع الأول ضد الإصابة بهذه الحالة. كما أن التطور في التقنيات الطبية الحديثة ساهم في تحسين خيارات العلاج وتقليل فترة التعافي، مما جعل من التهاب الغدد اللعابية مرضاً يمكن التعامل معه بفعالية في معظم الحالات.

المراجع:

1. Kumar, V., Abbas, A. K., & Aster, J. C. (2018). Robbins Basic Pathology (10th ed.). Elsevier.

2. Neville, B. W., Damm, D. D., Allen, C. M., & Chi, A. C. (2015). Oral & Maxillofacial Pathology (4th ed.). Elsevier.