التهاب الرئة عند الأطفال: الأسباب، الأعراض، طرق التشخيص والعلاج

يُعد التهاب الرئة عند الأطفال من أكثر الأمراض التنفسية خطورة وانتشارًا في مرحلة الطفولة، خاصة في السنوات الأولى من العمر. وهو من الأسباب الرئيسية لدخول الأطفال إلى المستشفيات حول العالم، لا سيما في الدول النامية التي تفتقر إلى البنية الصحية المتكاملة. التهاب الرئة هو حالة طبية تحدث نتيجة التهاب أنسجة الرئة، وخاصة الحويصلات الهوائية، بسبب عدوى بكتيرية أو فيروسية أو في بعض الأحيان فطرية. يؤدي هذا الالتهاب إلى امتلاء الحويصلات بالسوائل أو الصديد، مما يعيق تبادل الغازات داخل الرئتين ويؤدي إلى أعراض تنفسية حادة.

أنواع التهاب الرئة عند الأطفال

يصنّف التهاب الرئة عند الأطفال إلى عدة أنواع بحسب العامل المسبب:

1. الالتهاب الرئوي البكتيري

يحدث نتيجة عدوى بأنواع معينة من البكتيريا، مثل Streptococcus pneumoniae وHaemophilus influenzae. وهو النوع الأكثر خطورة، وقد يتطور بسرعة مسببًا أعراضًا حادة تستدعي التدخل الطبي العاجل.

2. الالتهاب الرئوي الفيروسي

يُعد الأكثر شيوعًا بين الأطفال، خاصة دون سن الخامسة. تسببه فيروسات مثل فيروس الإنفلونزا، الفيروس المخلوي التنفسي (RSV)، والفيروس الغدي. عادة ما يكون أقل حدة من الالتهاب البكتيري، لكنه قد يُمهّد الطريق لحدوث عدوى بكتيرية ثانوية.

3. الالتهاب الرئوي الفطري

أقل شيوعًا، لكنه يظهر بشكل أكبر عند الأطفال الذين يعانون من ضعف في الجهاز المناعي أو أمراض مزمنة. ويشمل فطريات مثل Aspergillus وCandida albicans.

4. الالتهاب الرئوي التنفسي (Aspiration Pneumonia)

يحدث عندما يستنشق الطفل سوائل أو مواد غذائية أو أجسامًا غريبة إلى الرئتين، مما يسبب التهابًا ثانويًا نتيجة نمو البكتيريا على هذه المواد.

الأسباب وعوامل الخطر

يمكن أن تسهم عدة عوامل في زيادة احتمالية إصابة الأطفال بالتهاب الرئة، وتتنوع هذه العوامل بين بيئية، مناعية، ووراثية:

• نقص المناعة: الأطفال ذوو المناعة الضعيفة، سواء بسبب أمراض مزمنة أو سوء التغذية، يكونون أكثر عرضة للإصابة.

• سوء التهوية والازدحام: البيئات المغلقة والمزدحمة تتيح انتشار العدوى بسهولة.

• التعرض لدخان السجائر: التدخين السلبي يُضعف الجهاز التنفسي لدى الأطفال.

• نقص التغذية: يؤثر سلبًا على قدرة الجسم على مقاومة العدوى.

• عدم استكمال التطعيمات: عدم تلقي اللقاحات الخاصة ضد المكورات الرئوية أو الإنفلونزا يزيد من خطر الإصابة.

• الإصابة بأمراض تنفسية سابقة: مثل الربو أو التليف الكيسي، ما يجعل الرئة أكثر عرضة للعدوى.

الأعراض السريرية لالتهاب الرئة عند الأطفال

تختلف الأعراض باختلاف نوع الالتهاب، عمر الطفل، والحالة المناعية. تشمل الأعراض الشائعة:

• ارتفاع درجة الحرارة: قد تتجاوز 39 درجة مئوية في الالتهاب البكتيري.

• السعال: يكون جافًا أو مصحوبًا بالبلغم.

• صعوبة في التنفس: تتضمن سرعة التنفس، انكماش العضلات بين الأضلاع، والتنفس من الفم.

• ازرقاق الشفاه أو الأطراف: دلالة على نقص الأكسجين.

• الخمول والنعاس: نتيجة التعب العام ونقص الأكسجة.

• فقدان الشهية والقيء: خاصة عند الرضع.

• ألم في الصدر أو البطن: نتيجة للضغط على الحجاب الحاجز أو الالتهاب الجنبي.

علامات الطوارئ

هناك مؤشرات تتطلب التوجه الفوري للطوارئ:

• توقف التنفس لفترات.

• ازرقاق واضح في الشفاه أو الوجه.

• عدم القدرة على تناول الطعام أو الرضاعة.

• تدهور الوعي أو الاستجابة للمثيرات.

تشخيص التهاب الرئة عند الأطفال

تعتمد عملية التشخيص على الجمع بين الفحص السريري، التقييم الإشعاعي، والتحاليل المخبرية:

الفحص السريري

يقوم الطبيب بالاستماع إلى أصوات الرئة باستخدام السماعة الطبية، حيث يُلاحظ صوت “الخرخرة” أو “الفرقعة”، كما يتم تقييم معدل التنفس وتشبع الأكسجين.

الأشعة السينية للصدر

تُعد الوسيلة الأساسية للكشف عن وجود سوائل أو التهابات في الرئة، وتُستخدم لتحديد مدى انتشار العدوى.

اختبارات الدم

تشمل العد الدموي الكامل (CBC) لقياس عدد خلايا الدم البيضاء، واختبارات الالتهاب مثل CRP وESR.

تحليل البلغم

يُستخدم لتحديد نوع البكتيريا أو الفيروس المسبب، خاصة في الحالات المتكررة أو المقاومة للعلاج.

فحص PCR للفيروسات

تقنية دقيقة لاكتشاف الفيروسات المسببة، تُستخدم خاصة في الحالات الفيروسية.

العلاج الطبي والتدابير المنزلية

يعتمد العلاج على نوع العامل المسبب وشدة الأعراض، كما يشمل مزيجًا من العلاجات الدوائية والدعم العام.

العلاج الدوائي

الدعم العلاجي والرعاية المنزلية

• الراحة التامة: تقليل الجهد البدني لدعم الشفاء.

• الترطيب الكافي: الحفاظ على توازن السوائل في الجسم.

• استخدام خافضات الحرارة: مثل الباراسيتامول.

• استخدام جهاز ترطيب الهواء: لتخفيف السعال وضيق التنفس.

• الرعاية التنفسية: في بعض الحالات قد تُستخدم جلسات استنشاق أو دعم بالأوكسجين.

في الحالات الشديدة

• العناية المركزة: للأطفال الذين يعانون من فشل تنفسي.

• التنفس الصناعي: في حالات تدهور تشبع الأكسجين بشكل حاد.

• إعطاء سوائل وريدية: لعلاج الجفاف أو عدم القدرة على الأكل.

الوقاية من التهاب الرئة عند الأطفال

الوقاية تعتبر حجر الأساس في تقليل معدلات الإصابة والمضاعفات. تشمل التدابير الأساسية:

• التطعيمات الأساسية: لقاح المكورات الرئوية (PCV)، لقاح الإنفلونزا الموسمي، ولقاح الهيموفيلوس.

• الرضاعة الطبيعية: تمنح الطفل مناعة طبيعية ضد العديد من مسببات الالتهاب.

• التغذية السليمة: دعم الجهاز المناعي بالعناصر الغذائية الأساسية.

• الابتعاد عن مصادر العدوى: تجنب مخالطة المرضى، خاصة خلال مواسم انتشار الأمراض.

• الابتعاد عن التدخين السلبي: لحماية الرئة من التهيج المزمن.

• التثقيف الصحي للأهل: حول أهمية الكشف المبكر وطرق التعامل مع الأعراض.

المضاعفات المحتملة

في حال عدم التشخيص أو العلاج المبكر، يمكن أن يتطور التهاب الرئة إلى مضاعفات خطيرة:

• انصباب جنبي: تجمع سوائل في الغشاء المحيط بالرئة.

• خراج رئوي: تكوّن تجاويف مليئة بالصديد داخل الرئة.

• فشل تنفسي حاد: نتيجة لتدهور وظائف تبادل الأوكسجين.

• التهاب السحايا: في حال انتقال البكتيريا إلى الجهاز العصبي.

• الوفاة: في الحالات الشديدة وغير المعالجة.

الفرق بين التهاب الرئة ونزلات البرد عند الأطفال

قد يختلط الأمر على الكثير من الأهالي بين نزلات البرد العادية والتهاب الرئة، إلا أن الفروق الأساسية تكمن في:

الأبحاث الحديثة حول التهاب الرئة عند الأطفال

تشير الأبحاث الحديثة إلى تحولات كبيرة في فهم وعلاج التهاب الرئة لدى الأطفال، خاصة مع تطور تقنيات التشخيص الوراثي وتقنيات الـPCR لتحديد المسبب بدقة متناهية. وقد أظهرت دراسات أن دمج اللقاحات الخاصة بالمكورات الرئوية والانفلونزا ساهم في خفض معدلات الوفاة المرتبطة بالتهاب الرئة بنسبة تفوق 40% في الدول ذات التغطية الصحية الجيدة.

كما يجري تطوير لقاحات جديدة موجهة خصيصًا لأنواع الفيروسات المنتشرة لدى الأطفال، مثل RSV، وهو أحد الأسباب الرئيسية لدخول الأطفال الرضع المستشفى بسبب التهاب الرئة. وتشير التوقعات إلى أن طرح لقاح فعال ضد RSV سيقلل من نسبة الإصابة بالمضاعفات بنسبة كبيرة في الأعوام المقبلة.

الخاتمة

التهاب الرئة عند الأطفال مرض لا يجب الاستهانة به، ويستدعي انتباهًا طبيًا عاجلًا عند ظهور الأعراض الأولية. تكمن أهمية التوعية في الحد من انتشاره وتحقيق الشفاء السريع وتقليل معدلات المضاعفات. الوقاية والتشخيص المبكر وتقديم الرعاية المناسبة هي الأسس التي تضمن السيطرة على هذا المرض والحد من آثاره بعيدة المدى على صحة الأطفال.

المراجع

1. WHO – World Health Organization. (2023). Pneumonia in children. Retrieved from: https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/pneumonia

2. CDC – Centers for Disease Control and Prevention. (2023). Pneumonia in Children. Retrieved from: https://www.cdc.gov/pneumonia/children/index.html