التهاب البول: نظرة طبية موسعة على الأسباب، الأنواع، الأعراض والعلاج

يُعد التهاب البول من المشكلات الصحية الشائعة التي تؤثر على الملايين من الأشخاص سنويًا، ويتنوع في شدته بين حالات خفيفة وعابرة إلى حالات مزمنة وشديدة قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم تُعالج بالشكل الصحيح. التهاب البول هو مصطلح عام يُستخدم للإشارة إلى الالتهابات التي تُصيب الجهاز البولي، والذي يشمل الكليتين، الحالبين، المثانة، والإحليل. ويُعرف أيضًا باسم “عدوى المسالك البولية” أو “التهاب المسالك البولية” (Urinary Tract Infection – UTI)، وهو أكثر شيوعًا لدى النساء بسبب التركيب التشريحي للجهاز البولي الأنثوي.

يتناول هذا المقال الموسع جميع الجوانب المتعلقة بالتهاب البول، من الأسباب والأنواع، إلى الأعراض، طرق التشخيص، العلاجات المتاحة، والمضاعفات المحتملة، مع التركيز على أهمية الوقاية والتدخل المبكر.

أولاً: الجهاز البولي ووظائفه الحيوية

يتكون الجهاز البولي من عدة أعضاء تعمل معًا للتخلص من الفضلات والسموم عبر البول، وهي:

• الكليتان: تقومان بتنقية الدم من الفضلات والماء الزائد.

• الحالبان: أنبوبان ينقلان البول من الكليتين إلى المثانة.

• المثانة: تخزن البول مؤقتًا حتى يحين وقت إخراجه.

• الإحليل (مجرى البول): ينقل البول من المثانة إلى خارج الجسم.

أي خلل في هذه الأعضاء أو دخول ميكروبات إليها يمكن أن يؤدي إلى حدوث التهاب في أحد أجزائها أو أكثر.

ثانيًا: أنواع التهاب البول

تصنف التهابات الجهاز البولي بحسب مكان الإصابة إلى عدة أنواع رئيسية:

1. التهاب المثانة (Cystitis)

وهو النوع الأكثر شيوعًا، وينتج عن إصابة المثانة بالبكتيريا، وغالبًا ما يكون سببه البكتيريا الإشريكية القولونية (E. coli).

2. التهاب الإحليل (Urethritis)

يصيب الإحليل وقد يكون ناتجًا عن العدوى الجنسية مثل الكلاميديا أو السيلان.

3. التهاب الحويضة والكلية (Pyelonephritis)

وهو التهاب خطير يصيب الكلى، وغالبًا ما يكون نتيجة انتشار عدوى المثانة إلى الأعلى نحو الكليتين.

4. التهاب البروستاتا (Prostatitis)

خاص بالرجال ويصيب غدة البروستاتا، وقد يكون ناتجًا عن العدوى أو أسباب غير معدية.

ثالثًا: الأسباب والعوامل المسببة

تتعدد الأسباب والعوامل التي تساهم في حدوث التهاب البول، ومنها:

رابعًا: الأعراض السريرية

تختلف الأعراض حسب مكان الإصابة وشدتها، وتشمل:

1. أعراض التهاب المثانة:

• حرقة أثناء التبول.

• زيادة عدد مرات التبول مع خروج كميات قليلة.

• بول عكر أو ذو رائحة كريهة.

• دم في البول أحيانًا.

• ألم في أسفل البطن أو الحوض.

2. أعراض التهاب الكلى:

• حرارة مرتفعة.

• قشعريرة وتعرق ليلي.

• ألم في الظهر أو الخاصرة.

• غثيان وقيء.

• إرهاق عام.

3. أعراض التهاب الإحليل:

• حرقة عند التبول.

• إفرازات غير طبيعية من الإحليل.

• ألم عند التبول أو الجماع.

خامسًا: تشخيص التهاب البول

تعتمد عملية التشخيص على:

1. التاريخ الطبي والفحص السريري: يقدّم الطبيب أسئلة دقيقة حول الأعراض والتاريخ الطبي.

2. تحليل البول (Urinalysis): للكشف عن وجود كريات دم بيضاء، بكتيريا، أو دم.

3. زراعة البول (Urine Culture): تُحدد نوع البكتيريا المسببة وتوجه الطبيب لاختيار المضاد الحيوي المناسب.

4. فحوص إضافية في الحالات المزمنة أو المعقدة:

   • التصوير بالموجات فوق الصوتية للكلى والمثانة.

   • الأشعة المقطعية (CT).

   • تنظير المثانة (Cystoscopy) في حالات التكرار غير المبرر.

سادسًا: العلاج الطبي

العلاج بالمضادات الحيوية:

هو الخيار الأساسي، ويعتمد اختيار المضاد الحيوي على نتائج زراعة البول. ومن أشهر الأدوية المستخدمة:

• النيتروفورانتوين (Nitrofurantoin): فعال في حالات التهاب المثانة.

• السبترا (Trimethoprim-sulfamethoxazole): فعال ضد العديد من سلالات البكتيريا.

• الفلوروكينولونات (مثل سيبروفلوكساسين): تستخدم في الحالات الشديدة أو في التهاب الكلى.

• الأموكسيسيللين أو الأوجمنتين: خصوصًا للأطفال والحوامل.

مدة العلاج:

• من 3 إلى 5 أيام في حالات التهاب المثانة الخفيفة.

• من 7 إلى 14 يومًا في حالات التهاب الكلى.

• قد تتطلب حالات التهاب البروستاتا علاجًا لعدة أسابيع.

سابعًا: العلاجات المنزلية والداعمة

• شرب كميات كبيرة من الماء لطرد البكتيريا عبر التبول المتكرر.

• استخدام مسكنات الألم مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين.

• الامتناع عن الجماع خلال فترة الإصابة.

• الابتعاد عن المشروبات الكافيينية والكحولية التي تهيج المثانة.

• الاعتماد على كمادات دافئة لتخفيف الألم.

• مكملات الكرانبري (Cranberry): قد تساهم في الوقاية من التهاب البول لكنها ليست علاجًا قائمًا بذاته.

ثامنًا: المضاعفات المحتملة لالتهاب البول

عند عدم علاج التهاب البول بشكل مناسب، قد تنشأ عدة مضاعفات خطيرة:

• الانتقال إلى الكلى وتسبب التهاب الحويضة والكلية.

• التسمم الدموي (Sepsis): وهي حالة تهدد الحياة.

• الضرر الكلوي المزمن نتيجة الالتهاب المتكرر أو الشديد.

• حدوث خراج كلوي أو مثاني.

• الولادة المبكرة أو انخفاض وزن الطفل عند الحوامل المصابات.

تاسعًا: التهاب البول عند الفئات الخاصة

1. النساء:

أكثر عرضة بسبب قصر مجرى البول وقربه من الشرج، ويزيد خطر الإصابة بعد الجماع أو استخدام وسائل منع الحمل مثل الحاجز المهبلي.

2. الرجال:

عادة ما ترتبط بالتهاب البروستاتا أو وجود عوائق مثل تضخم البروستاتا.

3. الأطفال:

يصعب تشخيصهم بسبب الأعراض غير النوعية مثل الحمى فقط، وقد تشير إلى عيب خلقي في المسالك البولية.

4. الحوامل:

الإصابة قد تؤثر سلبًا على الحمل وتزيد من خطر الولادة المبكرة، لذا يُوصى بإجراء فحوص دورية للبول.

5. كبار السن:

قد لا تظهر لديهم أعراض واضحة، لكن تتجلى في صورة تغييرات عقلية أو فقدان الشهية.

عاشرًا: الوقاية من التهاب البول

• الحرص على شرب كميات كافية من السوائل.

• التبول بعد الجماع لطرد البكتيريا.

• تنظيف المنطقة الحساسة من الأمام إلى الخلف لتجنب انتقال البكتيريا.

• تجنب الملابس الضيقة والرطبة.

• الابتعاد عن المنتجات المهبلية المعطرة.

• الامتناع عن حبس البول لفترات طويلة.