فضل التمسك بالدين في آخر الزمان

يمثل التمسك بالدين في آخر الزمان أحد أبرز وأهم القيم التي حث عليها الإسلام، لما له من أثر بالغ في حفظ الهوية الإسلامية، وصون الأخلاق، واستقرار المجتمعات في وجه التحديات المتزايدة التي تصاحب نهايات الزمان كما وردت في النصوص الشرعية والتاريخية. هذه المرحلة من التاريخ الإنساني تتميز بظهور الفتن، وضياع القيم، وانتشار الظلم والفساد، لذلك يعد التمسك بالدين واجبًا لا غنى عنه، وعمادًا للحفاظ على الإنسان وروحه ومجتمعه.

طبيعة آخر الزمان وخصائصه من منظور إسلامي

آخر الزمان هو مرحلة محددة في مسار البشرية، يتسم بها تزايد الأزمات والفتن، وتدهور القيم، وانتشار الفساد بمختلف أشكاله. في الإسلام، حددت النصوص الشرعية بعض العلامات التي تظهر في هذه المرحلة، مثل ظهور الدجال، كثرة الفتن، تقلّب الأحوال، وسهولة الانزلاق في المعاصي. ولعل من أبرز ما يميز هذا العصر هو ضعف الإيمان في قلوب كثير من الناس، وصعوبة التمسك بالقيم الدينية بسبب الضغوط الاجتماعية والنفسية.

إن هذه الخصائص تجعل التمسك بالدين ضرورة وجودية، فالإنسان في ظل هذه الظروف بحاجة ماسة إلى ثبات روحي وأخلاقي، يحفظ له هويته ويقويه أمام موجات الفساد والاضطراب.

أهمية التمسك بالدين في مواجهة الفتن

لقد وردت أحاديث نبوية كثيرة تحث على التمسك بالدين خاصة في أوقات الفتن، فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة». وهذا الأمر يشير إلى أن التمسك بالسنة والقرآن هو الوسيلة الأنجع لمواجهة الفتن التي تنتشر في آخر الزمان.

التمسك بالدين يساعد الفرد على بناء منظومة أخلاقية متماسكة، تنشئ الإنسان على قيم الحق والعدل، وتقيه من السقوط في بحر المعاصي. كما أنه يشكل جدارًا منيعًا ضد الانحرافات الفكرية والدينية التي قد تؤدي إلى الانقسام والتفكك الاجتماعي.

أثر التمسك بالدين على الفرد والمجتمع

على المستوى الفردي، يكون التمسك بالدين مصدراً للسكينة النفسية والطمأنينة القلبية، حيث يجد الإنسان في الدين ما يزرع في نفسه الأمل والثبات، ويعينه على تجاوز الصعوبات والتحديات. كما أن الدين يشكل إطارًا لتحديد هوية الإنسان ومبادئه، مما يجعله قادراً على اتخاذ القرارات الصائبة التي تحافظ على كرامته وحريته.

أما على المستوى المجتمعي، فإن التمسك بالدين يؤدي إلى تقوية روابط المحبة والتعاون بين أفراد المجتمع، ويعزز قيم العدالة والرحمة، ويحد من ظواهر الفساد والجريمة. في ظل أزمات آخر الزمان، يكون المجتمع المتدين قادراً على مقاومة الفوضى وتحقيق الاستقرار، لأن الدين يرسخ مفاهيم المسؤولية المشتركة والحرص على مصلحة الجماعة.

التمسك بالدين في ضوء القرآن الكريم

القرآن الكريم يبرز أهمية التمسك بالدين كمنهج حياة شامل. يقول الله تعالى في كتابه العزيز:

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103)،

فهذا الأمر الصريح يؤكد على وحدة المسلمين في الالتزام بدين الله كوسيلة للحفاظ على تماسكهم وقوتهم في مواجهة التحديات. كما يشير القرآن إلى أن التفرق والابتعاد عن الدين يؤديان إلى الضعف والهزيمة.

وفي مواضع أخرى، يبين القرآن أن التمسك بالدين يؤدي إلى النجاة والفلاح، بينما الابتعاد عنه يؤدي إلى الهلاك والضياع. يقول تعالى:

﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ (آل عمران: 19)،

أي أن الإسلام هو الدين الحق الذي يضمن للفرد والمجتمع السعادة في الدنيا والآخرة، والتمسك به ضرورة لا تقبل المساومة.

السنة النبوية وأحاديث التمسك بالدين

تضمنت السنة النبوية العديد من النصوص التي تحث على التمسك بالدين في جميع الأزمنة، وبخاصة في أوقات الفتن. ففي الحديث الشريف:

«ستكون فتنة كقطع الليل المظلم، يكون الرجل فيها مؤمناً ويكون الرجل فيها كافراً، فمن حفظ منها نصيباً فله النصر» (رواه مسلم)،

يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى شدة الفتن في آخر الزمان، ويشجع على التمسك بجزء من الدين ولو قليلاً، لأن ذلك هو سبيل النجاة.

كما ورد في حديث آخر:

«إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق» (رواه أحمد)،

وهو تشبيه واضح لقيمة التمسك بمنهج أهل البيت، والتمسك بسنة النبي كمنقذ ووسيلة للثبات في وجه التيارات المتصارعة.

التمسك بالدين كحصن ضد تيارات التغيير السلبي

في آخر الزمان، تنتشر الأفكار المادية والعلمانية التي تحاول أن تحيد الإنسان عن الدين، وتبرز قيم مغايرة كالشهوات، والأنانية، واللامبالاة بالقيم الروحية. هنا يأتي دور التمسك بالدين كحصن حصين يحمي الإنسان والمجتمع من هذه التيارات التي تهدف إلى تفكيك القيم الأخلاقية والاجتماعية.

التمسك بالدين يعني الالتزام بتعاليمه في كل مجالات الحياة، سواء في العبادة أو المعاملات أو السلوكيات. هذا الالتزام يشكل قوة مقاومة مستمرة توجه الإنسان نحو الخير والعدل، وتحفظ له عزة النفس وكرامته.

التمسك بالدين وحماية الهوية الإسلامية

الهوية الإسلامية ليست مجرد تقاليد أو شعائر فقط، بل هي منظومة متكاملة من القيم والمبادئ التي تحدد سلوك الفرد والمجتمع. ومع ظهور تأثيرات العولمة والتغيرات الثقافية السريعة، تصبح الهوية الإسلامية معرضة للانحراف والتلاشي. هنا يكون التمسك بالدين هو الحصن الذي يحمي هذه الهوية من الاندثار.

إن التمسك بالدين يضمن استمرار التواصل مع التراث الإسلامي العريق، ويعزز فهم تعاليم الإسلام بطريقة صحيحة تواكب تطورات العصر دون التفريط في الثوابت.

الجدول التالي يوضح تأثير التمسك بالدين على مختلف الجوانب في آخر الزمان:

دور العلماء والدعاة في تعزيز التمسك بالدين

يلعب العلماء والدعاة دورًا محوريًا في تعزيز التمسك بالدين في آخر الزمان من خلال توعية الناس بأهمية التمسك بالثوابت الشرعية والبعد عن الفتن. كما يسهمون في تقديم الفهم الصحيح للدين بطريقة تلائم متطلبات العصر، مما يزيد من قبول الناس للدين ويقوي إيمانهم.

كما أن وسائل التواصل الحديثة تتيح فرصًا كبيرة لنشر العلم الديني الصحيح، والتصدي للأفكار المغلوطة، ونشر الوعي بالقيم الإسلامية، مما يعزز ثبات المجتمع في وجه المحن.

التمسك بالدين كطريق للفلاح في الدنيا والآخرة

يؤكد الدين الإسلامي على أن التمسك به هو السبيل لتحقيق السعادة والنجاح في الحياة الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة. فالإنسان المتمسك بدينه يسير على طريق مستقيم، يحافظ على حقوقه وحقوق الآخرين، ويبني مجتمعًا صالحًا ينعم بالرخاء والطمأنينة.

وعلى العكس، فإن من يبتعد عن الدين يسقط في هاوية الضياع، ويعاني من الضغوط النفسية والاجتماعية، مما يجعله عرضه للانحراف والضياع.

الخلاصة

إن التمسك بالدين في آخر الزمان ليس مجرد خيار بل هو ضرورة حتمية لحفظ الإنسان ومجتمعه من الفتن والضياع. الدين يمثل منارة تهدي النفوس، وتحفظ القيم، وتقوي المجتمع، وتبقي الهوية الإسلامية حيّة وسط التحديات المتزايدة. ولهذا فإن من واجب كل مسلم أن يعتصم بحبل الله، ويتمسك بسنة نبيه، ويبذل جهده للحفاظ على دينه، رافضًا للانحراف والفتن التي تحيط به في هذه الأزمنة العصيبة.

المراجع:

1. القرآن الكريم.

2. صحيح مسلم، كتاب الفتن، حديث رقم 6578.